وفاة رئيسي تسرّع السباق على خلافة خامنئي

40

إيمان شمص
«أساس ميديا»
مع وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تجد طهران نفسها في خضمّ سباق على الرئاسة بعدما كانت عقب الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر آذار الماضي تعدّ بهدوء لخلافة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. وقد أصبح السؤال حول من سيخلفه أكثر وضوحاً بعد النتائج التي أسفرت عنها انتخابات مجلس خبراء جديد مؤلّف من حوالي 90 من كبار رجال الدين لولاية من ثماني سنوات. وسيكون هو من يتولّى اتّخاذ هذا القرار المصيري.
هذا القرار المحوري بشأن خلافة المرشد في إيران لم يُترك للصدفة، بحسب صحيفة “فايننشيل تايمز”. فقد ضمن وسطاء السلطة في النظام أن يكون مجلس خبراء القيادة مليئاً برجال الدين المتشدّدين، بدلاً من المعتدلين أو الإصلاحيين. وهي الخطوة الأخيرة في مشروع دام سنوات لهندسة انتقال مستقرّ يسمح للنظام بالاستمرار على المنوال نفسه.
على الرغم من إشارتها إلى وجود مرشّح واحد للخلافة بعد وفاة رئيسي، تنقل مراسلة الصحيفة في طهران منذ عام 2000 نجمة بزرجمهر عن أحد كبار السياسيين المؤيّدين للإصلاح: “لا توجد دائرة سياسية خاصة لم تمسّها المناقشات حول الخلافة. ومع ذلك لا تتوافق شخصية أيّ فرد مع المواصفات المطلوبة”.
في رأي هذا السياسي، فإنّ أيّاً كان من سيخلف خامنئي سيصبح الحَكَم الأعلى في إيران في ما يتّصل بشؤون السياسة الداخلية والخارجية والدفاع. ولن يشكّل مسار الإسلام السياسي فحسب، بل ومستقبل النظام. وقد أظهرت الحرب بين إسرائيل وحماس وتداعياتها الإقليمية سلطة المرشد الأعلى باعتباره صانع القرار المطلق؟ وتجلّى استعداده لاختبار حدود ما قد تتسامح معه إسرائيل والولايات المتحدة في الضربة المباشرة غير المسبوقة التي شنّتها إيران على أهداف إسرائيلية في الشهر الماضي.
كان المرشد الأعلى هو الذي سمح لإيران باتخاذ قرارها الأخير بإطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ ردّاً على هجوم إسرائيل على قنصليّتها في سوريا. وهي خطوة يقول محلّلون إنّها أظهرت استعداده لتحمّل مخاطر محسوبة من أجل إظهار نفسه زعيماً مستعدّاً لمواجهة إسرائيل والمخاطرة بالتدخّل الأميركي. لكن في الوقت نفسه أولويّته القصوى هي ضمان بقاء الجمهورية. لذا نفّذت القوات الإيرانية هذه الإجراءات بحذر، وهو ما أدّى إلى تقليل الخسائر البشرية لتجنّب الحرب المفتوحة. واختارت طهران التغاضي عن الضربة الانتقامية المحدودة المزعومة التي شنّتها إسرائيل.
عودة ازدهار المعارضة الشعبية
عندما يأتي اليوم المُنتظَر، تضيف مراسلة “فايننشال تايمز”، ستمثّل الخلافة لحظة خطر وجودي على النظام. لأنّها ستكشف عن الديناميكيات الحقيقية للسلطة، مع تأكيد هيمنة الحرس الثوري على شؤون الدولة وتقليص المساحة المتاحة للجماعات السياسية والدينية المؤثّرة الأخرى التي كانت من ركائز الجمهورية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وقد تزدهر المعارضة الشعبية التي هزّت النظام عام 2022 مرّة أخرى.
تنقل الكاتبة عن محلّلين قولهم إنّ “خامنئي سمح على مدى العقدين الماضيين وبهدوء للمحافظين بتهميش القوى المؤيّدة للإصلاح، وهو ما مهّد الطريق للمتشدّدين للسيطرة على جميع جوانب الدولة. وباتت محدودة المساحة المتاحة للأفراد الذين لديهم آراء متباينة عن آراء القائد الأعلى والوفد المرافق له محدودة. بينما يمنح البقاء السياسي لأولئك الذين يلتزمون بشكل ثابت المبادئ التوجيهية المقرّرة”.
يقول مسؤول إصلاحي سابق: “لم تعد الجمهورية الإسلامية تتسامح مع الأفراد ذوي النفوذ. بل تفضّل الذين يدينون بالولاء الشديد لأيديولوجيّتها ويردّدون شعارات متشدّدة، بغضّ النظر عن ثقلهم السياسي. وكلّما كان المناخ السياسي أكثر راديكالية، أصبح أكثر فائدة لمن هم في السلطة الذين قد لا يعرف الناس حتى أسماءهم”.
أفضل دليل على ذلك هو “الانتخاب الأخير لمجلس الخبراء الذي امتنعت فيه شخصيات بارزة مؤيّدة للإصلاح عن التصويت أو تمّ حظرها. وبدلاً من ذلك تحدّى “الثوريون الخارقون”، أي المتشدّدون الذين يدعون إلى فرض قيود أكثر صرامة في الداخل واتّخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الغرب، الحرس القديم وحصلوا على مقاعد كبيرة في طهران، وهو ما أتاح لهم منصّة لتشكيل جبهة جديدة”.
تنسب الصحيفة لمحلّلين قولهم إنّ “مثل هذه التحوّلات في النفوذ هي جزء من عمل تحضيري دقيق لانتقال السلطة لضمان أنّ القائد التالي سيتبع المسار ويحافظ على الإرث المقدّس لخامنئي الذي يقف ضدّ كلّ من ينحرف رأيه عن المسار الثوري أو يحاول المصالحة مع الولايات المتحدة”.
الحرس: دولة داخل الدولة..
وفي حين أنّ مجلس الخبراء سيظلّ هو الهيئة الرسمية المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى المقبل، يتشكّك المحلّلون في ما إذا كان مثل هذا القرار سيُترك فقط لمجموعة من كبار رجال الدين، وكثير منهم في الثمانينيات أو حتى التسعينيات من عمرهم. ويتوقّعون أن تمارس مؤسّسات أخرى، بما في ذلك الحكومة والسلطة القضائية والبرلمان، نفوذها. لكنّهم يدركون أنّ الحرس الثوري الإيراني، باعتباره المؤسّسة الرئيسية والأقوى، سيكون له أكبر تأثير على العملية، ويعتبره الكثيرون القوّة الدافعة وراء الأولويات الاقتصادية والعسكرية للنظام. فهو يضمّ حوالي 120 ألف موظّف ويدعمه ملايين الأشخاص في القوات التطوّعية في إيران. ولديه شبكة واسعة في الشرق الأوسط يقدّم لها التدريب والمعدّات هي “محور المقاومة”. وقد أدّى توسّعه الكبير في الداخل والخارج إلى تشبيه المراقبين الغربيين له بـ”دولة داخل الدولة”.
غير أنّ الحرس الثوري يدرك أنّ المؤسّسة الدينية تظلّ المصدر الرئيسي للشرعية الدينية للنظام السياسي في الجمهورية وحكّامها. لذلك يستبعد المحلّلون اندلاع أيّ توتّرات علناً. ويؤكّد أحد المحلّلين للصحيفة: “لن يشارك الحرس الثوري بشكل مباشر في عملية الخلافة، ولن نرى رجال الدين والحرّاس يقفون بعضهم ضدّ بعض. لكنّه سيكون بمنزلة الذراع الاستشارية الرئيسية للمجلس الذي لن يكون فيه أيّ شخصيات بارزة تتحدّى نفوذه”.
مرشّح واحد بعد وفاة رئيسي
يكشف مسؤول سابق أنّه تمّ “داخل الدوائر الخاصة ذكر اسمين منذ فترة طويلة كمرشّحين محتملين لخلافة المرشد الأعلى المقبل، الأوّل كان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والاسم الآخر هو نجل خامنئي مجتبى. ولا يتمتّع الرجل البالغ من العمر 54 عاماً بشهرة عامّة كبيرة، لكنّ المحتجّين استهدفوه منذ اضطرابات عام 2009 التي أعقبت إعادة انتخاب المتشدّد محمود أحمدي نجاد رئيساً. وقال المتظاهرون إنّ التصويت تمّ تزويره على حساب المرشّح الإصلاحي مير حسين موسوي للسماح لمجتبى بخلافة والده”.
المطّلعون على دائرة خامنئي، القلقون بشأن تغيير محتمل في مصالحهم، يدعمون مجتبى، معتقدين أنّ قيادته لن تؤدّي إلى تغييرات كبيرة. يشير أنصاره إلى أنّه رجل دين رفيع المستوى وأكثر من مؤهّل ليكون مرشّحاً كاملاً للمنصب الأعلى. وهناك شبكة واسعة من الأشخاص الذين يمتدّون من الشركات إلى الدوائر السياسية والدينية مرتبطون جميعهم بمكتب المرشد الأعلى. كيف سيكون مستقبلهم في ظلّ القيادة الجديدة؟ يقول صحافي إيراني يراقب عن كثب أروقة سلطة النظام: “هذا مصدر قلق كبير بالنسبة لهم”. من وجهة نظرهم، فإن قيادة مجتبى تمثّل الخيار الأكثر أماناً والأفضل”.
على الرغم من أنّ القيادة العليا تخطّط بهدوء للخلافة، فإنّ العديد من العناصر غير المعروفة، بدءاً من قوّة الاقتصاد إلى الاستقرار الأوسع في الشرق الأوسط، يمكن أن تغيّر هذه الحسابات. لكنّ العداء المتزايد داخل إيران تجاه قادة النظام يشكّل أيضاً أحد الاعتبارات المهمّة. فالشباب الإيراني يميل إلى تأييد الإصلاحات ويجدون المؤسّسات الرئيسية للجمهورية إشكالية وأنّ فيها مستويات فساد عالية لا تطاق. خلال احتجاجات 2022، ركّزوا عدوانيّتهم على خامنئي والحرس ورجال الدين، وأحياناً أطاحوا بعمائمهم في الشوارع. وفي الوقت نفسه، ينتقد بعض الإيرانيين دعم الحرس الثوري للميليشيات في المنطقة في وقت تعاني البلاد صعوبات اقتصادية وعقوبات أميركية نتيجة لمثل هذه السياسات.
تشير التقديرات إلى أنّ الجمهورية لديها الملايين من المؤيّدين والذين لديهم مصالحهم في الوضع الراهن. لكن بالنسبة للعديد من الشباب الإيرانيين المتعلّمين فإنّ مفهوم القائد الأعلى الذي يحدّد جميع جوانب حياتهم قد عفا عليه الزمن ببساطة ما لم يشرع ذلك القائد في إصلاحات واسعة النطاق. وهذا غير مرجّح.
يقول سياسي مؤيّد للإصلاح: “ما زلنا نأمل أن يبدأ خامنئي نفسه الإصلاحات خلال حياته. المسار الحالي ليس مستداماً بالتأكيد وسيكون أكثر خطورة بعد وفاته.” لكنّ أحد المستشارين في قطاع الأعمال لا يرى “ما يشير إلى تغيير الوضع الراهن ما دام خامنئي على قيد الحياة”. ويقول إنّ “أيّ تحوّل، للأفضل أو للأسوأ، لا يمكن توقّعه إلّا بعد وفاته.”
إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.