هل من نهاية للصّراع الإسرائيليّ مع الحزب؟

36

إيمان شمص

«أساس ميديا»

سيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل حتى بعد الحرب المحتملة، بحسب دانييل بايمان أحد كبار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ في كلّية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون. “فلا شيء يحلّ مشكلة الحكم في لبنان. ولا توجد جماعة منافسة قويّة مثل الحزب، وهو ما يمنحه حرّية التصرّف في البلاد. وبالتالي لن يختفي من خلال الهزيمة العسكرية أو لأنّ جماعة أخرى في لبنان قمعته”.

يرى بايمان أنّ “حرب إسرائيل في غزة جزء لا يتجزّأ من صراع إقليمي أوسع نطاقاً مع إيران، والحوثيين في اليمن، والأهمّ من ذلك مع الحزب الذي يهاجم إسرائيل باسم التضامن مع حماس”. ولا يستبعد أن “تصبح هذه الصراعات أكثر حدّة.. وأن يتحوّل الصراع في لبنان من حرب محدودة إلى صراع شامل، سواء بسبب سوء تقدير من جانب إسرائيل أو الحزب أو بسبب قرار متعّمد من جانب أيّ من الطرفين بأنّ من مصلحته خوض ما يبدو أنّه حرب حتمية عاجلاً وليس آجلاً”. ويحذّر من أنّه “إذا شنّت إسرائيل حرباً شاملة، فستكون معركة صعبة ومدمّرة لكلّ من إسرائيل ولبنان. وبعد أن تتوقّف مدافع هذا الصراع الأكثر ضخامة عن إطلاق النار، قد تجد إسرائيل أنّ صراعها مع الحزب لم يُحَلّ، ولن تكسب الكثير على المستوى الاستراتيجي حتى لو انتصرت عسكرياً. ومن الأفضل لها أن تحاول تعزيز الردع، حتى لو كان ذلك يعني أنّ تهديد الحزب لا يزال قائماً”.

الحرب المدمرة

في رأي بايمان أنّ “حشد الحزب لنحو 100 ألف مقاتل بدوام كامل وجزئي، فضلاً عن ترسانته الصاروخية الضخمة على هذه الحدود أدّى إلى إرساء حالة من الردع غير المستقرّ، مع إدراك الجانبين أنّ الحرب ستكون مدمّرة على مثال صراعهما عام 2006. لكن على الرغم من أنّ أيّاً من الجانبين لم يكن راغباً في تكرار مثل تلك الحرب، إلّا أنّ هجمات حماس قلبت هذا السلام غير المستقرّ رأساً على عقب وجعلت حسابات المخاطر في البلاد مختلفة تماماً”.

يقول بايمان: “يتساءل الإسرائيليون اليوم: إذا كان الهجوم المفاجئ من جانب حماس الأضعف كثيراً مدمّراً إلى هذا الحدّ، فما المعاناة التي قد تترتّب على هجوم من جانب الحزب الأكثر قوّة؟ إذا كانت الحرب تبدو محفوفة بالمخاطر في السابق، فإنّ السلام المرتبط بها يبدو كذلك الآن. ويضاف إلى هذا الخوف معضلة ستّين ألف نازح إسرائيلي فرّوا من شمال البلاد في مواجهة هجمات الحزب، وقد لا يعودون إلا عندما يشعرون بالأمان. فمن الصعب أن نطمئن المواطنين إلى السلامة ما دام هناك تهديد حقيقي يلوح في الأفق عبر الحدود”.

وإذ يعتقد بايمان أنّ إسرائيل قد تشنّ الحرب لتدمير الحزب بشكل كامل، كما تسعى إلى أن تفعل مع حماس، أو على الأقلّ لدفع قوات المجموعة إلى ما وراء نهر الليطاني بموجب شروط قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى حرب عام 2006، يعتبر أنّ هذا التوجّه ليس بالمهمّة السهلة، مستعيداً “عواقب حرب تموز، فبعد انتهاء الصراع ساعدت إيران في إعادة تسليح الحزب، كما ضخّت أموالاً لإعادة الإعمار في لبنان، الأمر الذي مكّن الجماعة من تسجيل نقاط سياسية مع العديد من المجتمعات التي دمّرتها الحرب. كما تمكّن الحزب من التحايل على القرار 1701، فأعاد مقاتليه إلى الحدود مع إسرائيل تحت ستار جمعية خيرية بيئية تسمّى “أخضر بلا حدود”. وكانت الحكومة والجيش اللبنانيان وقوات الأمم المتحدة المتمركزة في المنطقة أضعف من أن يمنعوا التسلّل”.

مأزق إسرائيل

يعتقد بايمان أنّه “إذا اندلعت الحرب، فستجد إسرائيل نفسها في مأزق صعب في ما يتّصل باستمرار الصراع لفترة طويلة في لبنان. فقد استنفد جيشها طاقته بعد عام تقريباً من الحرب في غزة، كما أنّ قطع الغيار والذخيرة وغيرها من الضروريات نادرة نسبياً لحرب مستدامة”. لذا يرجّح أن “تكون الحرب حتى لو كانت الأكثر ضخامة محدودة المدّة، وهو ما يسمح للحزب بالصمود في وجه العاصفة. وهو يستطيع أيضاً إطالة أمد الحرب. فقد كان جزء من استراتيجية إسرائيل في غزة عزل قوات حماس، واحتلال أجزاء مختلفة من الجيوب ومطاردة مقاتلي حماس لتدمير المجموعة. لكنّ لبنان أكبر كثيراً من غزة، ولا يمكن إسرائيل ببساطة إدخال قوّاتها إلى البلد بأكمله خلال وقت قصير”.

من الناحية الواقعية فإنّ أفضل ما قد تفعله إسرائيل، يقول بايمان، هو إعادة احتلال أجزاء من جنوب لبنان، كما فعلت بين عامَي 1982 و2000. لكن خلال هذه الفترة تسبّبت الهجمات المستمرّة المنخفضة الكثافة في خسائر منتظمة لإسرائيل، الأمر الذي دفعها في نهاية المطاف إلى الانسحاب. لكنّ الحزب اليوم أكثر قوّة، وحتى لو تكبّد خسائر أكبر من قدرته على تحمّلها، فإنّ الجزء الأعظم من قوّاته قد ينسحب بعيداً عن منطقة الحدود ويعود ببساطة عندما تغادر إسرائيل، أو ينفّذ حرب عصابات منتظمة في الوقت الذي يختاره.

كما قد تواجه إسرائيل موجة أخرى من الانتقادات الدولية والأميركية إذا ما اعتُبِرت المعتدي على لبنان. فالرأي العامّ العالمي تجاه إسرائيل ضعف بسبب الحرب في غزة، والعديد من الشباب الأميركيين ينتقدون إسرائيل بشكل خاص. تبغض السعودية والإمارات وغيرهما من الأنظمة الحزب وداعميه الإيرانيين، لكنّ الدمار الذي قد تخلّفه أيّ حرب ومعاناة المدنيين اللبنانيين العاديين سيزيدان من عداء شعوب هذه الدول لإسرائيل، ولن تدعم أيّ عمليّات ضدّ الحزب.

لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه، في رأي بايمان، أنّه “كما هو الحال في غزة، لا شيء يحلّ مشكلة الحكم في لبنان. فلا توجد جماعة منافسة قويّة مثل الحزب، وهو ما يمنحه حرّية التصرّف في البلاد. لذا لن يختفي من خلال الهزيمة العسكرية أو لأنّ جماعة أخرى في لبنان قمعته. وبالتالي فمن الأفضل اتّباع نهج رادع. ولحسن الحظّ بالنسبة لإسرائيل، يختلف الحزب عن حماس بطرق تجعل الردع أكثر احتمالاً للصمود. يدرك الحزب القوّة العسكرية الإسرائيلية، والدمار الذي حلّ بغزة هو تذكير آخر بأنّ إسرائيل ستستخدم كلّ وسائلها. كما أظهر قادة الحزب أنّهم يهتمّون بلبنان أكثر بكثير من اهتمام حماس بغزة. اقتصاد لبنان منهار منذ عام 2019، وقد تؤدّي حرب جديدة إلى الانهيار الكامل للبلاد، مع تحميل الحزب المسؤولية”.

مثل هذا النهج قد يكون غير مرضٍ على الإطلاق، بالنسبة لبايمان. إذ على الرغم من أنّ السلام الذي قد يتمّ التوصّل إليه عن طريق الوساطة قد يدفع مقاتلي الحزب إلى أبعد من حدود إسرائيل، فسيظلّ الحزب يشكّل تهديداً لإسرائيل. لذلك “الردع غير المرضي أفضل من حرب مدمّرة تنتهي بنهاية غير مرضية.

إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.