نظام الوصاية السياسي والفكري يخنق لبنان

62

بقلم علي يوسف

«الحوار نيوز»

نسمع يوميا مسؤولين وسياسيين يُرجعون الازمات التي نعيشها الى عدم  انتخاب رئيس جمهورية ثم تشكيل حكومة  « اصيلة « وانتظام عمل المؤسسات  .. وهم لا يكتفون بهذه الفكرة الخرقاء منعدمة الفكر ، بل يُتابعون  بالتأكيد على انه لا حلول الا بعد انتخاب الرئيس  بما يحمل افتراضا ان مفتاح الحلول هو وجود رئيس جمهورية  … !!

وتكررت هذه الاقوال في الندوة التي نظمتها نقابة محرري الصحافة حول «أزمة  الصحافة وواقع الصحفيين» وباتت وكأنها مسلّمة  على غرار المسلّمات  التي  يتكرر تردادها في لبنان  ولو فقدت كل مضامينها ..!

في ابسط تعليق على هذا الامر يمكن القول ان لبنان كان «يتمتع « بوجود رئيس جمهورية وحكومة  « أصيلة»  وما يسمى «انتظام عمل المؤسسات « وكان يشهد تعميقاً تدريجياً للانهيار  حتى وصلنا الى ما نحن فيه  … وبالتالي فإن هذه المسلّمة تفتقد الى الحد الادنى من  الحقيقة …!!

كما يمكن التعليق انه اذا كان من يقول هذا القول يقوله في اطار  بروباغندا تكاذب الصراع  السياسي فتلك مصيبة  بسبب الكذب .. اما المصيبة الكبرى والأكبر  اذا كان من يقول هذا القول يقوله من باب القناعة ..؟؟!!! فعندها يُفضل عدم التعليق ….

والحقيقة ان هذه المسلمة  ان كانت من باب الكذب او القناعة  تنتمي الى مدرسة  تعتبر ان «علينا ان نقول ما يجب ان يقال»  ..وما يجب ان يُقال تحدده للأسف سلطة الوصاية منظورة كانت ام غير منظورة…

والحقيقة ان لبنان تكوينا ونظاما وسياسة واقتصادا وفكرا  واعلاما  لم يخرج يوما من  التبعية  التي  تراوحت من الاحتلال المباشر الى الاحتلال غير المباشر الى الوصاية المباشرة والوصاية غير المباشرة  مع امكان  اعتماد لغة الجمع في التبعية فتصبح تبعيات  وكذلك  احتلالات ووصايات الخ……

وهكذا تتوحد المسلّمات والشعارات او تختلف بحسب مواقف  الوصايات ومصالحها  وتصبح المصلحة الوطنية  لأي  تكوين (كما يحلو لنا ان  نصنف  انقسام اللبنانيين) هي مصلحة الوصي الذي يتبعه او يخضع له  لكون الوصاية ليست دائما بالقناعة بل احيانا  بالفرض واحيانا اخرى بالإغراء  … وهكذا  هي الامور بالنسبة للسيادة  والامن  حيث لكل تكوين جهازه وموازين قوى في الجهاز الواحد وهكذا بالنسبة للتمثيل الخارجي حيث يصبح السفير اللبناني ممثلا للدولة التي تم تعيينه سفيرا فيها  بدل ان بكون ممثلا للبنان في هذه الدولة  .. ويتم اسقاط كل هذا النظام التبعي او نظام الزبائنية على جميع المؤسسات  التي تُسمى مؤسسات  الدولة مع اختلاف مستويات الزبائنية بحسب دور المؤسسات وموقعها  الجغرافي  ووزير «الوصاية « التابعة له …

واخطر ما في الأمر ان معظم اللبنانيين وخصوصا  القوى السياسية والصحافة والهيئات الثقافية التي بنيت على الاغتراب الفكري والتبعية الفكرية تعتبر  ان هذه التبعية والوصاية هي قدر واقعي وطبيعي للبنان ..

واذا استفاق  البعض للقول ان في لبنان قوى سياسية «ومكونات « رفضت  احدى الوصايات  وتصادمت معها وحاربتها الا أنه وهو يقول ذلك يتناسى ان هذه القوى فعلت  ذلك لمصلحة وصاية اخرى  و أملاً  في تحقيق مكاسب افضل وبما يتناسب مع ميزان القوى حسب ماتراه  مع  مراعاة علاقات الوصاية التاريخية الانتمائية اذا امكن  حيث يتم التفضيل بالتبعية لهذا الوصي

او ذاك …(والمشاريع الانتحارية شغّالة )…!!

ويمكن القول ان هذه القدرية  التبعية الوصائية تطبع كل  الادوار الوطنية والسياسية  للمكونات  اللبنانية الا  المقاومة التي وان كانت ترتضي هذه القدرية على المستوى  اللبناني الداخلي الا انها تتناقض  معها بالمطلق في دورها وسياساتها الاقليمية  حيث  هي شريك اساسي في صياغة مشروع قطب اقليمي  بمكن ان  يتمكن في حال نجاحه من ان يكون نقيضا لأنموذج التبعية الوصائية  الذي  ارساه اتفاق سايكس بيكو والذي كان لبنان  واحدا  غير حصري  من ابرز ضحاياه ..

قد يكون فات الأوان على الدعوة الى ثورة على الاغتراب الفكري لأن انهيار سايكس بيكو الذي بدأت  تلوح  ملامحه سيجعل هذه الثورةواقعا يتم التعامل معه وبات يجب صياغته بدل ان يكون طموحا نضاليا ..

وللحديث صلة..

علي يوسف

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.