نتنياهو: جنوب لبنان “بديل” لخسارة غزّة؟؟
بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
يقف الشرق الأوسط قاب قوسين أو أدنى من انفجار عسكري يتجاوز في نتائجه وفي تداعياته حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973. يومها أدّت الانتصارات التي حقّقتها القوات المصرية باجتيازها قناة السويس وتدمير خطّ بارليف، والانتصارات التي حقّقتها القوات السورية في مرتفعات الجولان إلى وضع الشرق الأوسط أمام منعطف جديد.
أوقف الدخول في هذا المنعطف تهديد رئيسة حكومة إسرائيل في ذلك الوقت غولدا مائير باللجوء إلى القنبلة الذرّية التي يعرف العالم كلّه أنّ إسرائيل تملك اليوم مجموعة منها في مفاعل ديمونا في صحراء النقب. وأوقفت تنفيذ التهديد الإسرائيلي قوافل الإمداد العسكري الأميركي لإسرائيل، والمشاركة غير المعلنة في الحرب، وهو ما أدّى إلى ما يعرف تاريخياً “بالدفرسوار” في سيناء والتراجع السوري في الجولان.
حسابات نتنياهو
اليوم يواجه بنيامين نتنياهو في حرب الإبادة التي شنّها على قطاع غزة وضعاً يضطرّ معه إلى رفع مستوى الحرب من إسرائيلية – فلسطينية إلى إسرائيلية – شرق أوسطية تستدرج إليها إيران في الدرجة الأولى.
في الحسابات الإسرائيلية أنّ توسيع نطاق الحرب يوسّع نطاق التسوية السياسية التي لا بدّ أن تأتي بعدها ونتيجة لها. وفي التسوية السياسية الموسّعة يتحوّل نتنياهو في نظر إسرائيل وفي نظر العالم (وهكذا يأمل) من قاتل إلى صانع للسلام، ومن متّهم بالفساد والفشل في الداخل الإسرائيلي إلى بطل قوميّ.
من أجل ذلك ليس نتنياهو معنيّاً الآن بنداءات وقف إطلاق النار في غزة. فقد ذهب في معارضته لهذه النداءات إلى اغتيال الشخصية التي كان يمكن أن يؤدّي التفاوض معها إلى وقف النار. كان اغتيال إسماعيل هنية في طهران مقصوداً لتحقيق هدفين: الأوّل إفشال المفاوضات التي كانت تجري في قطر لتحقيق تسوية توقف الحرب على غزة مقابل إطلاق سراح المحتجزين اليهود، والثاني استدراج إيران إلى الحرب مباشرة. ومن شأن هذا الاستدراج أن يوفّر الفرصة التي يتحيّنها نتنياهو لضرب المفاعل النووي الإيراني.
حسابات الحقل تخالف حسابات البيدر
في الوقت الذي تصبّ فيه الجهود الدبلوماسية الدولية في مجرى وقف الحرب وتحقيق تسوية إسرائيلية – فلسطينية في غزة يخرج منها نتنياهو مهزوماً مدحوراً، يسعى الأخير من خلال تأجيج الحرب وتوسعة نطاقها لتشمل المنطقة كلّها إلى أن يخرج منها بطلاً قومياً وصانعاً لسلام إقليمي شامل.
غير أنّ حسابات نتنياهو تتزامن مع تطوّرات في اتجاه عكسي تتمثّل في:
– تصعيد الحرب في أوكرانيا من خلال الانتقال إلى مرحلة التهديد المتبادل بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي باللجوء إلى السلاح النووي.
– تصعيد التحالفات العسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأقصى (اليابان، كوريا الجنوبية، الفلبين، أستراليا، وكذلك تايوان)، ووضع معظم قوّاتها في حالة استنفار وكأنّ الصين سوف تبادر إلى استرجاع تايوان غداً بالقوّة العسكرية.
– دخول الولايات المتحدة مرحلة انتخاب رئيس جديد للدولة بعد قرار الرئيس جو بايدن التخلّي عن السباق إلى البيت الأبيض لمصلحة نائبته كامالا هاريس.
قبل عملية السابع من أكتوبر التي قامت بها حركة حماس، كانت هناك اتّصالات عربية – أميركية (إسرائيل جزء منها) لتحقيق تسوية سياسية تعترف بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وتكون القدس الشرقية عاصمة لها. أدّت العملية التي قامت بها حركة حماس وردّ الفعل الإسرائيلي عليها إلى تعطيل ثمّ إفشال تلك الاتّصالات.
من هنا كان الربط بين إيران وحماس واتّهامهما بالعمل معاً على فرض أمر واقع جديد يعيد خلط الأوراق في المنطقة بحيث يكون لإيران دور وموقع متقدّم إلى طاولة المفاوضات التي ترسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
الاغتيال الذي قامت بها إسرائيل في طهران والذي أودى بحياة إسماعيل هنية لم يؤدِّ فقط إلى توقّف المفاوضات الحمساوية – الإسرائيلية في قطر، لكنّه أدّى أيضاً إلى توقّف مسيرة المفاوضات الخلفيّة التي كانت تعدّ لمرحلة ما بعد غزة.
الآن يحاول نتنياهو أن يعيد فتح هذه البوّابة بالعمل العسكري. وسواء آلت الرئاسة الأميركية إلى هاريس أو ترامب، فإنّ جوهر الموقف الأميركي من إسرائيل لن يتغيّر. فهل يكون الدفرسوار الجديد في جنوب لبنان حتى نهر الليطاني؟
يخرج نتنياهو من غزة المدمّرة منهزماً معنوياً وأخلاقياً وإنسانياً. ويخرج منها مثقلاً بالخسائر العسكرية والمعنوية التي مُنيَ بها الجيش الإسرائيلي. من هنا الحاجة إلى تعويض ما، وإلى مكان يجسّد هذا التعويض. ولا يخفي نتنياهو ولا الجيش الإسرائيلي أنّ المكان الأفضل هو جنوب لبنان. فماذا أعدّ لبنان لمواجهة هذا الاحتمال الشيطاني؟
محمد السماك