مكامن الاختلاف في السياسة الخارجية الأميركية بين بايدن وترامب

77

بقلم: المحامي د. إبراهيم العرب

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، يتزايد التنافس بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. يعكس هذا التنافس تباينات واضحة في سياساتهما الخارجية وتحديات قانونية متزايدة تواجه كلاً منهما، مما يؤثر على حظوظهما في الفوز. يتجاوز تأثير هذه الانتخابات حدود الولايات المتحدة ليشمل مناطق متعددة حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، الاتحاد الأوروبي، وروسيا.

١-  ماهية الاختلافات في السياسة الخارجية العامة لكلا المرشحين:

– بالنسبة لسياسة جو بايدن الخارجية:

تتسم سياسة بايدن الخارجية بالتزامه التقليدي بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتوجهه نحو تعزيز التحالفات الدولية ومواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والانتشار النووي. كما يتبنى بايدن نهجاً تعاونياً مع الحلفاء ويولي اهتماماً خاصاً بأوروبا وآسيا لمواجهة النفوذ الصيني والروسي.

وعلى صعيد التدخل في الأزمات الإقليمية: يميل بايدن إلى التدخل لحلّ النزاعات ويدعم أكثر من غيره عمليات السلام التقليدية، ففي الشرق الأوسط، يفضل بايدن المشاركة في المفاوضات المتعلقة بعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن دون فرض نتائج محددة مسبقاً.

اما بالنسبة للأمن البحري، فيولي بايدن اهتماماً متزايداً بأمن البحر الأحمر وحرية الملاحة، مع توقع زيادة هذا الاهتمام في حال إعادة انتخابه.

وعلى صعيد العلاقات مع إيران، فيتبنى بايدن سياسة أقل تقييداً تجاه إيران مقارنةً بترامب، ويركز على الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية كوسائل للضغط.

كذلك، فبالنسبة للسياسات الإقليمية الأخرى، يفضل بايدن التنسيق الكامل مع إسرائيل فيما يتعلق بسوريا، ويرى أهمية إبقاء الوجود الأمريكي في العراق مع احتمال إعادة تشكيله. أما في ليبيا، فيمكن أن يكون بايدن أكثر اهتماماً بسبب الوجود الروسي المتزايد، لكن دون تدخل كبير.

– بالنسبة لسياسة دونالد ترامب الخارجية:

تعتمد سياسة ترامب الخارجية على نهج «أمريكا أولاً»، حيث يركز على المصالح الأمريكية المباشرة ويقلّل من الالتزامات الدولية. ويفضل ترامب التفاوض على أساس الصفقات التجارية ويظهر تردداً في التدخل العسكري الخارجي.

كما يفضل ترامب الصفقات المباشرة والتطبيعية، مثل تلك التي أبرمها مع بعض دول الخليج وإسرائيل مؤخراً؛ فيما يُعتبر أقل اهتماماً بعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية التقليدية، ويميل إلى فرض حلول سريعة دون التركيز على العملية نفسها.

ويرمي ترامب إلى تقليص التدخل الأمريكي وإلى تقليل التكاليف الأمريكية في الأقاليم الخارجية، ويفضل التركيز على المنافع الاقتصادية دون تحمل المسؤوليات الطويلة الأمد.

أما على صعيد العلاقات مع إيران، فيتبنى ترامب سياسة أكثر عدائية تجاه إيران، لكن من غير المرجح أن يلجأ إلى العمل العسكري في الفترة الانتخابية، مفضلاً العقوبات والضغط الاقتصادي.

وبالنسبة إلى القضايا الإقليمية الأخرى، فيظهر ترامب اهتماماً أقل بالأزمات الإقليمية مثل سوريا والعراق، مفضلاً تقليل الوجود الأمريكي والتركيز على التحديات الداخلية.

٢- تأثير الانتخابات على العلاقة مع روسيا:

– في حال فوز بايدن:

من المرجح أن يستمر جو بايدن في فرض العقوبات على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا وقضايا حقوق الإنسان. وذلك، لأن سياسات بايدن تسعى للحدّ من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وأوروبا.

– في حال فوز ترامب:

سيسعى ترامب لتحقيق تقارب أكبر مع روسيا على أساس المصالح المشتركة والصفقات الاقتصادية. كما أنه من المتوقع أن يكون ترامب أقل تشددًا في فرض العقوبات على روسيا، مما قد يؤدي إلى تخفيف التوترات بين البلدين، مما ينعكس سلباً على الدعم الأميركي الحالي لأوكرانيا، لاسيما العسكري والمالي.

٣-  تأثير الانتخابات على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي:

إنّ فوز ترامب أو بايدن له تأثير كبير على العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ففي حال فاز بايدن ستتعزّز تحالفاتهما، لأن الأخير يسعى لتعزيز العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين لمواجهة التحديات المشتركة مثل التغير المناخي والأمن العالمي. كذلك، فإنه يسعى للعودة إلى التعاون المتعدد الأطراف مع الاتحاد والمنظمات الدولية، مما سيعزّز من دور الولايات المتحدة في قيادة الجهود العالمية.

أما في حال فاز ترامب، فسوف تتفاقم التوترات، لأن سياسات ترامب الانفرادية قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في مجالات التجارة والأمن. كما ستؤدي إلى تقليص الالتزامات وتقليل التواجد الأمريكي في أوروبا، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على دول الاتحاد لتحمل مسؤوليات أمنية أكبر.

٤- آثار المحاكمات على الحظوظ الانتخابية لكلا المرشحين:

– محاكمة دونالد ترامب:

أدين ترامب بـ34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية، مما يجعله أول رئيس أمريكي سابق يُحاكم جنائيًا. ولكن على الرغم من ذلك، تظل قاعدة ترامب من الجمهوريين داعمة له بقوة. وتشير الاستطلاعات إلى أن نسبة كبيرة من الجمهوريين لا تتأثر بهذه المحاكمات، بل يرونها ذات دوافع سياسية.

كما أن محاولات ترامب لاستغلال محاكمة هانتر بايدن نجل الرئيس الحالي، للتشكيك في نزاهة جو بايدن وأسرته، قد تعزّز من دعم قاعدته الانتخابية، حيث يُصور نفسه اليوم ضحية لنظام قضائي مسيّس وتابع لاستبلشمنت ودولة عميقة ظالمة.

– محاكمة هانتر بايدن:

يواجه هانتر بايدن تهمًا جنائية تتعلق بحيازة سلاح ناري بشكل غير قانوني ومخالفات ضريبية. ولكن بايدن يحاول التعامل مع هذه المحاكمات بإظهار دعمه لابنه واحترامه للإجراءات القضائية، في محاولة لتقليل التأثير السلبي على حملته الانتخابية. وبالتالي، فإن تأثير محاكمة هانتر على بايدن يعتمد على مدى قدرة الرئيس الأمريكي الحالي على فصل نفسه عن القضايا الشخصية لنجله، والتركيز على إنجازاته السياسية والاقتصادية لتعزيز ثقة الناخبين به.

ختاماً، في ظل هذه التحديات القانونية والتباينات الواضحة في السياسة الخارجية، تبقى الانتخابات الأمريكية 2024 معركة حاسمة بين رؤيتين مختلفتين لدور الولايات المتحدة في العالم؛ فبينما يسعى بايدن لتعزيز التحالفات الدولية والمشاركة في حلّ الأزمات الإقليمية، يركز ترامب على المصالح الأمريكية المباشرة وتقليل الالتزامات الخارجية. وبكل تأكيد، ستلعب المحاكمات دوراً كبيراً في تشكيل سلوك الناخبين، وقد تكون الورقة الفاصلة التي تحدد من سيتولى قيادة الولايات المتحدة في السنوات القادمة، مما سيؤثر بدوره على الشرق الأوسط، الاتحاد الأوروبي، وروسيا بشكل كبير. ولكن يبقى أملنا بأن يفوز المرشح الرئاسي الذي باستطاعته أن يبعد السياسة الأميركية عن سياسة الكيان الصهيوني الغاصب، ويحقق تطلعات الشعب الفلسطيني والعربي والشرق أوسطي بغد جديد مشرق، ملؤه الديمقراطية والحرية ومراعاة حقوق الإنسان وتطبيق مقررات الشرعية الدولية.

د. إبراهيم العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.