معلّقون إسرائيليون: “حزب الله” لن يرتدع بهذا التراشق والحل باستنساخ مشاهد الدمار في غزة إلى وسط بيروت
في ظل التصعيد الخطير على الجبهة الشمالية، منذ أيام، قال مستشار الأمن الأسبق في إسرائيل، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، إن “حزب الله” لن يرتدع بهذه الطريقة؛ لذا، يجب أن يدرك لبنان بأسره أثمان الحرب. وفي المقابل؛ يحذّر مراقبون آخرون مما وصفوها بـ “المغامرة” واللعب بالنار وصبّ الماء على طاحونة السنوار، الراغب بـ “التحام الساحات”.
في مقال نشره موقع القناة العبرية “12”، قال آيلاند إنه في هذه الحرب التي نخوضها في قطاع غزة الآن، وتلك الحرب التي نخطط لشنّها على لبنان، هناك تجاهُل شديد الإشكالية لأهم القضايا: تغيُّر طبيعة الحرب. لم تعد الحرب حرباً بين دولتين، بل لم تعد حرباً بين دول ومنظمات “إرهابية كلاسيكية”، مكونة من بضعة مقاتلين يحملون بنادق الكلاشينكوف. ويقول أيضاً إن كلاً من “حماس”، و”حزب الله”، والحوثيين، لديه جيوش كبيرة تتمتع بموارد تبلغ مليارات الدولارات، تغدقها إيران.
حال إسرائيل تشبه حال ضفدعة أدخلوها إلى مياه فاترة، وقاموا برفع درجة الحرارة في كل ساعة درجة واحدة. تواصل الضفدعة التمتّع بالماء، من دون أن تشعر بأنه يتم طبخها، رويداً رويداً
ويضيف: “تمكنت هذه الجيوش، على مدار العقد الماضي، من سدّ الهوة الرئيسية التي تفصلها عن الجيوش الغربية، بواسطة الأسلحة الدقيقة. هذه الجيوش لديها قدرة عالية على الصمود، وهذا يعود أساساً إلى استخدامها الأنفاق، ومرونتها القصوى المتمثلة في استقلالية الخلايا الصغيرة. هذه الجيوش الكبرى قادرة على التخفي تماماً في أوساط السكان المدنيين، وعملياً، لا يمكن ضربها من دون التسبب بمقتل عدد كبير من المدنيين. علاوةً على ذلك كله، فإن مصادر تجنيد الأيدي العاملة في هذه الجيوش غير محدودة، فكلٌّ من “حماس”، و”حزب الله”، والحوثيين، والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق، قادر اليوم على توفير رواتب مغرية لا يمكن لأيّ جهة أُخرى أن تقدمها في بلدها”.
من هنا يستنتج آيلاند أنه لهذه الأسباب كلها، ولأن هذه الجيوش غير خاضعة لقواعد القتال، فإنه لا يمكن هزيمتها، أو لنقُل إنه لا يمكن هزيمتها بسرعة، وبأثمان منخفضة. لافتاً إلى إن نقطة الضعف الوحيدة لهذه الجيوش تتمثل في كونها دولة، عملياً، تتهرب من مسؤوليتها السياسية، لكن يمكن فرض مثل هذه المسؤوليات عليها. ويزعم أن غزة تحولت عملياً، إلى دولة في سنة 2005، في حين أن لبنان دولة يتحكّم فيها “حزب الله”، منذ سنة 2000.
وفي رؤية نقدية يتابع: “تتمثل خطيئتنا الكبرى والوحيدة في حرب غزة أننا وَضَعْنا كل ثقلنا على الضغط العسكري. لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها هزيمة دولة غزة، كان يجب أن تستند إلى السيطرة على محور فيلادلفيا منذ البداية، وبعد ذلك، فرض حصار تام. إن الادعاءات التي تقول إن الأمر يتعارض مع قوانين الحرب، هي ادعاءات سخيفة، لكن الوقت الآن لا يتيح لي فرصة التوسع في الحديث عمّا كان يجب عمله قبل ثمانية أشهر”.
ضدّ مَن نحارب في لبنان؟
وفي ما يتعلق بالحرب المحتملة على جبهة الشمال يقول آيلاند:
إن أحداث عيد “العنصرة”، وما حدث خلال اليوم الماضي، تؤكد مثل هذه الحقيقة. لقد بتنا قريبين من اندلاع حرب شاملة في الشمال. وسؤالنا المركزي هنا، والذي لا يطرحه أحد، لسبب ما، هو: ضد مَن سنقاتل؟ الإجابة التلقائية هي “ضد حزب الله”. لكن تلك الإجابة ستمثل خطأ إستراتيجياً خطِراً. لا يمكن لإسرائيل أن تهزم “حزب الله” في وقت معقول، في مقابل ثمن معقول. ولذا، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق النصر هي الحرب ضد دولة لبنان بأسرها.
إن حزب الله، حاله كحال “حماس”، لا يردعه مقتل مقاتليه، أو ضرب منصات صواريخه. فهو قادر على تعويض هذه الخسائر بسرعة. من ناحية أُخرى، يخشى نصر الله بشدة من حرب تؤدي إلى تدمير دولة لبنان، التي بنى فيها مكانته بصفته وطنياً لبنانياً، وكرئيس حزب لا يهتم بالطائفة الشيعية فحسب، بل بمواطني لبنان ككل”. من هنا يراهن آيلاند أنه إذا تم ضرب شبكات الطاقة والمواصلات والاتصالات في لبنان، وإذا أصبح وسط بيروت شبيهاً بوسط غزة، عندها سيدرك نصر الله أنه من الأفضل له إنهاء الحرب. مدعياً أنه من ناحية عسكرية، مثل هذه الأهداف سهل التحقّق، ولا يتطلب اجتياحاً برياً معقداً ومخاطرة كبيرة بحياة جنودنا.
آيلاند، الذي سبق ودعا لمحاصرة غزة وتجويعها وعدم التمييز بين عسكريين ومدنيين فيها، يخلص للقول إنه كان يجب تقديم هذا التفسير العسكري البسيط للأميركيين منذ زمن وسبب عدم القيام بالأمر، حتى الآن، يتمثل في الغطرسة الإسرائيلية: عندما نقول إننا نملك القدرة على تركيع “حزب الله”، فسيكون من السهل على الأميركيين (والفرنسيين أيضاً) أن يقولوا لنا إنه إذا تورطنا في حرب شاملة في الشمال، علينا أن نلتزم العمل فقط ضد أهداف “حزب الله” العسكرية، وعلينا عدم التجرؤ على ضرب دولة لبنان.لا يجب أن يكون تدمير البنى التحتية في لبنان “أضراراً جانبية”، بل نتيجة ضربات إسرائيلية مقصودة ضد دولة معادية شنّت الحرب ضد إسرائيل، عملياً، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
ويختتم بالقول: “بعدما يتم تحقيق هذا الهدف، وعندما يهدأ الوضع الأمني، سيكون من اللائق محاولة إقناع العالم الحر بأن الهدوء والأمن في الشرق الأوسط خصوصاً، وفي العالم عموماً، لا يمكنهما أن يسودا في ظل وجود “وحوش” على هيئة الميليشيات المختلفة المؤيدة لإيران، والتي تمكنت من مراكمة قدرات دولة قوية، لكنها غير خاضعة لأيّ أعراف دولية. بالإضافة إلى ذلك، يثبت الحوثيون في اليمن، من خلال الطريقة التي يُربكون فيها التجارة البحرية، أن المشكلة لم تعد مشكلة إسرائيلية فقط”.
مواصلة الحرب في غزة تعني حرباً في لبنان
في المقابل؛ يحذر عددٌ من المراقبين الاسرائيليين من أن حرباً كبرى مع “حزب الله” ستكون مغامرة تهدد إسرائيل تهديداً وجودياً لأنها تحقق حلم السنوار بوحدة الساحات، كما يقول المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت”، ، بن درور يميني.
وهذا ما قاله، الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، المعروف بـ”نبي الغضب” لتنبؤه بالسابع من أكتوبر، الذي يؤكد، منذ سنوات، أن الجيش الإسرائيلي غير جاهز لحرب، لا من ناحية الكم ولا الكيف.
ويحذّر معلقُ الشؤون السياسية في القناة 12 نداف أيال، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، من أن غزة تتحول لـ “ثقب أسود” يبتلع طاقات إسرائيل، وأن حرباً على “حزب الله” ستشعل حرباً إقليمية، ونقل عن مصادر استخباراتية إسرائيلية وغربية قولها إن إيران ستنضم عندئذ للحرب.
كما ينقل أيال عن مصادر عسكرية رسالتها للمستوى السياسي: “نحن نقترب من حسم “حماس”… فلا تخافوا إعلان نهاية الحرب من أجل استعادة المحتجزين…”.
جبهات متزامنة
من جهته، يرى محلل الشؤن العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، إنه مع تصاعد خطر اندلاع حرب شاملة مع “حزب الله” لا توجد لحكومة نتانياهو أهداف، ولا سياسيات، محذراً، هو الآخر، من تحويل جبهة الشمال من جبهة ثانوية لمركزية قبل إنهاء الحرب على غزة، مشدداً على امتيازات الصفقة السياسية الكبرى الآن بالتساوق مع رؤية واشنطن، خصوصا أن إسرائيل غير قادرة على إدارة حرب في عدة جبهات متزامنة، وفق ما يقوله مراقبون آخرون أيضاً.