قصة من تاريخنا الذي خبرنا رجالاته

66

بقلم مروان اسكندر
العام 1966 انجزت دراستي واطروحتي في علم الاقتصاد وعدت الى بيروت مع زوجتي التي كنت قد اقترنت بها اواخر عام 1963.
عملي الاول كان مع شركة BSR اي خدمات اعمال في حقل الاعلام وانجاز الدراسات. وكان رئيس الشركة صحافي مهني اسمه سمير سوقي عمل لفترة في مصر مراسلاً لمطبوعة Newsweek التي كانت تنافس مجلة Time ومن اعضاء مجلس ادارتها غسان تويني الذي عرض علي تولج ادارة مجموعة النهار قبل نهاية عام 1966 واول مقال كتبته كان حول افلاس بنك انترا الذي كان اصبح البنك الاكبر في لبنان آنذاك وحقق شبكة دولية لخدماته.
عام 1968 واجه بنك انترا حاجة ملحة لقرض على مستوى 25 مليون دولار ولم تقرر السلطات منحه هذا القرض وكان المرحوم فيليب تقلا وزيرًا للخارجية في ذلك الوقت اضافة الى رئاسته للبنك المركزي الذي تأسس عام 1964.
اول تعليق على ازمة بنك انترا كتبه في النهار الياس سابا الذي كانت عائلته مثل عائلتي من ملاك اراض في كفرحاتا الكوره، وقد خالفت آراء الياس سابا وكتبت اول مقال في النهار يحبذ انقاذ بنك انترا، وقد تأسست شركة انترا للاستثمار اوائل عام 1972 وهي شركة مستمرة وتحقق ارباحًا من موجوداتها حتى تاريخ اليوم والكويت من شركائها.
عام 1968 تولج المرحوم الرئيس سليمان فرنجية وزارة الاقتصاد وكان رجلاً معروفًا بحزمه وتقربه من عدد من الاصدقاء البارزين في حياة لبنان الاقتصادية.
اصدر الوزير سليمان فرنجية في حينه قرارًا يقضي بفرض ضرائب اضافية على شركة الترابة اللبنانية التي كانت غالبية اسهمها مملوكة من شركة سويسرية اضافة لنسبة ملحوظة من الاسهم لمرشد بعقليني وكان هذا الرجل حقق نجاحًا كبيرًا لتمديده شبكة المياه في مشيخة دبي ومن ثم عاد الى لبنان وشيد قصرًا في النقاش وقصر آخر في موقع مرتفع للجبال حول بكفيا، وكلفني دراسة تأسيس بنك في لبنان، وكنت قد انهيت سنتي الاولى من العمل مع مجموعة النهار وابتاع نسبة ملحوظة من اسهم شركة الترابة اللبنانية.
حينما صدر قرار الوزير سليمان فرنجية حول اعفاء شركة الترابة الوطنية من ضريبة معينة كتبت مقالاً ناقشت فيه القرار وقلت ان المعاملة ذاتها لا بد من تعميمها على شركات الترابة الاخرى بما فيها شركة لانتاج الترابة البيضاء.
اتصل الوزير فرنجية بالصحافي المعروف الياس الديري الذي كان من الصحافيين المعروفين في حينه وكان مقربًا من بعض الزعماء السياسيين مثل المرحوم صائب سلام، وطلب منه ان يدعوني الى اجتماع معه في وزارة الاقتصاد التي كان مركزها في راس بيروت.
ذهبت مع الياس الديري الى مكتب الوزير فرنجية فاستقبلنا بالترحيب وبادر ليقول لي حسب ما علمت انت انسان متعلم، فقلت للوزير بالتأكيد انا متعلم، فقال لي ما معنى انتقادك لقراري فقلت للوزير فرنجية هنالك بضع شركات تماثل اوضاع شركة الترابة فلماذا لم يطالها الاعفاء في قرارك وبعد مناقشة لطيفة قال لي، ماذا ستكتب اذا تراجعت عن الاعفاء المذكور او عممته على اوضاع الشركات المنافسة، فقلت للوزير فرنجية اكتب تقديرًا لتوجهاتك وقراراتك، وهكذا كان، والسؤال لماذا هذه القصة والجواب ان الرجال المقتدرين ينفذون قراراتهم ذات الشأن العام.
هكذا كان سليمان فرنجية – رجل قرار حينما يقتنع بدراسة لشأن يختص بوزارته، وهذه الصفة تميز آل فرنجية بالتأكيد وهي شبه مفقودة حاليًا.
بالطبع منذ تجميد مسيرة انتخاب رئيس الجمهورية تمهيدًا لتنصيب ميشال عون رئيسًا تعدلت مسيرة الحكم واصبحت القدرات على اقرار خطوات اصلاحية محصورة باتفاقات بين الكتل النيابية، وسيادة السلاح في ايدي فرقاء معينين حالت دون الرجوع الى قواعد الديمقراطية وحفظ حقوق المواطنين الى اي طائفة انتسبوا. لبنان الذي كان يتمتع بمناخ، ارتأى شيخ دبي الحالي تحقيقه وكذلك الرئيس لسنغافورة، اصبح منسيًا ومطويًا ولا عودة الى محاولة اقتباس اسباب النجاح سابقًا، واسباب الازمة المستمرة حتى بعد انتهاء عهد ميشال عون، وقد استمر هذا العهد من عام 2014 وتمديد فترة اختيار رئيس غير محازب وحتى عام 2022 سنة انتهاء حكم ميشال عون ويبدو ان هنالك محاولة لجبران باسيل لتأخير البت حول انتخاب رئيس على امل ان يستطيع التأثير في عملية الانتخاب ويحوز لبنان رئيس يتعاطف مع آراء وتوجهات جبران باسيل وحزبه ولن يكون هكذا الانتخاب بل يجمد حتى تاريخ انقشاع الاتهامات التي تطال باسيل.
الحكم بانتظار رجل من طراز سليمان فرنجية وسيكون الانتظار طويلاً لان الباحثين عن دور اساسي في انقاذ لبنان متعددين سواء بالهوية الطائفية او الانحياز الى مناهج تفسير الحكم فعلى سبيل.
الرئيس نجيب ميقاتي حاز تكليفه برئاسة الوزراء ثلاثة حقبات، واطول فترات تكليف هي الوزارة الحالية والتي خلال ثلاثة اعوام ونصف لم تأت بجديد على صعيد المسؤولية تجاه المواطنين.
يبدو ان الرئيس نجيب ميقاتي يعتبر ان استمراره في اللاحكم هو سبيل الافضل للتوصل عبر التدخلات من دول عربية وفرنسا والولايات المتحدة سيكون دواء الشفاء من الغيبوبة عن الفعل المفيد، والتشريع المناسب لاطلاق حركة انمائية متنوعة تعيد للبنان بعض الرونق الذي افتقده لبنان واهله.
سنة اضافية من حكم اللاحكم لميقاتي تكون كافية لاطفاء اي امل في استعادة لبنان عافيته ونشاطاته المفيدة وتجاوز المرحلة الحالية التي هي بالفعل مهرجان متعدد الالوان والاستهدافات وكثير من المؤسسين لمؤسسات بأسماء مستغربة يعتبرون ان توجهاتهم غير مقنعة – وكل لبناني يدرك يعرف ان اعداد اللبنانيين العاملين في الخارج تتجاوز كتلة اليد العاملة في لبنان، وبالتالي التوجه الى الغربة امر غير مستغرب لكنه امر مخيف، فمستقبل لبنان معلق على آمال وتوقعات الجيل المتواجد بانتظار السفر او العودة الى السماء.
مروان اسكندر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.