شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – فوشة الدولار
ليس صحيحاً على الإطلاق أن سوق العقارات واقف… أما العكس فصحيح. فلقد تبين أن عمليّتَي البيع والشراء على قدم وساق. ولكن معظم العمليات، إن لم تكن كلها، لا تُلحَظ في السجل العقاري، إنما تتم عند الكاتب العدل، والأموال بالدولار الأميركي «الفريش».
ما هو سر هذه الظاهرة؟
على ذمة غير مكتب من الناشطين في هذا المضمار هناك أسباب عدة أبرزها الآتي:
أولاً – صحيح أن الحيوية دبّت في السوق، إلّا أن الأسعار لم تعد، بعد، الى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة. وهو عنصر يسهم في الإقبال على الشراء.
ثانياً – ثمة كميات وازنة من «الفريش موني» بين أيدي أفراد أعدادهم كبيرة، مصادرها «حائرة» بين المعلوم والمجهول، أي بين التي لا غبار عليها وتلك التي تدخل في تبييض الأموال، ولقد تناهى الى حاملي الكميات الكبيرة من الدولارات التي عليها علامات استفهام وأكثر أن ثمة إجراءات، قد تكون قريبة، تهدف الى التشدد في البحث عن مصادر الأموال والتحقق من شرعيتها، وبالتالي هناك رغبة أكيدة في التخلص منها، و«تبييضها». وأفضل سبيل الى ذلك هو استثمارها في العقارات، سواء أكانت منازلَ وشققاً، أو مجرد أراضٍ مشجّرة أو «بور». وبالتالي فإن أحداً لن يسأل في المستقبل عن المصدر، لاسيما أن عدم التعامل بالشيكات، في المصارف، يخفّف من القلق المشروع إذا ما أخضِع الأمر الى التحقيق ذات مستقبل قد لا يكون بعيداً.
ثالثاً – يخشى أصحاب الأموال المكدّسة في الخزائن المنزلية من التعرض الى السرقة بعدما تكاثرت عمليات السلب التي تنتهي أحياناً بجرائم القتل. وعليه فإن الشقق والأراضي لا يمكن سرقتها.
رابعاً – مع ازدياد الكلام على احتمال كبير لتوسع الحرب من جبهة الجنوب الى النطاق اللبناني الأوسع، ازدادت الخشية من خسارة الأموال تحت جناح الفوضى العارمة التي تتسبب بها الحروب عموماً، لاسيما في لبنان البلد الفالت فيه كل شيء. ولأن الكثيرين من أصحاب الأموال المتراكمة في الخزائن يغادرون البلد في زمن الشدّة، ولأن نقل أموالهم معهم الى الخارج معقّد جداً ودونه صعوبات عديدة تلامس حدود الاستحالة، فقد عمد الكثيرون منهم الى الاستثمار في العقارات. ويحضرني في هذا الواقع، وصية ذلك الرجل الطرابلسي الى ابنه قبيل مغادرته هذه الدنيا، إذ قال له: «يا ولدي لا تحتفظ، في زمن الاضطرابات، بالأوراق النقدية، فقط أمامك الحجر أو الحجر». أما الحجر الأول فهو العقار، وأما الحجر الثاني فهو الذهب وسائر المعادن الثمينة.