شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – عروس الثورة «ترمّلت باكراً»
يؤلم ما تتعرض له طرابلس من انفلات أمني واجتماعي وإنساني. وهو كثير على العاصمة اللبنانية الثانية التي كان لنا الحظ أن عرفناها وعشناها مباشرة سنواتٍ طويلةً في مدرسة الآباء الكرمليين (الطليان) التي تعلمنا فيها الوطنية الصافية ومكارم الأخلاق والقيَم والأصالة الى جانب ما نهلناه من علم ومعرفة وآفاق ثقافية واسعة، وتلك كلها كنا نشأنا عليها في البيت، رحم الله الوالدين وأساتذتنا المقتدرين.
طرابلس تلك رحلت مع ما أخذته حروب لبنان، وباتت مصدراً لعناوين النشرات الإخبارية بأنها مرتع للمخدّرات وسائر أنواع الجريمة، فيكاد لا يمر يوم من دون خبر غير إيجابي عن هذه المدينة الرائعة التي كانت ليالي ربيعها تفوح بأريج زهر بساتين الليمون التي أزيلت، مع الأسف، لتقوم على أنقاضها «حدائق» الإسمنت.
السبب المباشر في ارتفاع نسبة الجريمة وانتشار المخدرات على أنواعها، تجارةً وتعاطياً، وتفاقم أزمة البطالة، على تضاعف ضيق العيش، ما يترتب عليه الكثير من الآفات والسلبيات بما في ذلك ارتفاع معدل الجريمة الخ… السبب هو الفقر الذي يضرب أطنابه لدرجة ذابت معها الطبقة الوسطى أو كادت، لتصبح أكثرية الطرابلسيين تحت خط الفقر…
ولا يُشبِع جائعاً في عاصمة الشمال أو يروي عطشاناً أن تُعلَن المدينة عاصمة للثقافة العربية. فعلاقة طرابلس مزمنة مع الثقافة، واللقب الجديد، على أهميته، لا يزيد في قيمتها مثقال قيراط واحد، إذ لها من تراثها المجيد ما يشعّ نوراً كونها «مدينة العلم والعلماء».
وفي تقديرنا أن ما يزيد في معاناة الأكثرية الساحقة من الطرابلسيين هذا التفاوت الاجتماعي الكبير في التناقض الرهيب بين النسبة المرتفعة جداً من التعاسة والفقر وتلك القلة من أهاليها الذين أتخمهم ثراؤهم الفاحش. ومعروف ان بعضاً من كبار أثرياء لبنان هم طرابلسيون، إلّا أن هؤلاء بأكثريتهم لا ينظرون بعينٍ عطوف الى إخوتهم وأبناء جلدتهم. ويأتي، كذلك، في الأسباب «الموجبة» للمعاناة الإنسانية والاجتماعية والأمنية أن معظم قيادات المدينة ومسؤوليها تمزّقهم الخلافات السياسية وليسوا على قدر المسؤولية. وبعد، نحبكِ يا طرابلس، ونتوجع لوجعك وكنتِ «أم الفقير» بامتياز، ويا «عروس الثورة» التي ترمّلت باكراً، بعدما تبين أن تلك الثورة حوّلها المتاجرون بها الى كذبة كبيرة مكشوفة.