شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – انتخاب الرئيس يحتاج الى رجال دولة
مع ارتفاع سعير الحرب في الجنوب وانسداد الأفق أمام التوصل الى وقف إطلاق النار في غزة، يزداد الاقتناع بأن الباب مقفل تماماً أمام إجراء الاستحقاق الرئاسي في بلدنا المنكوب. والمعلومات المتوافرة تتقاطع عند نقطة مركزية مهمة خلاصتها أن ليس هناك من طرف واحد يستعجل انتخاب رئيس الجمهورية، وأنه يتساوى في هذا الموقف الجميع من دون استثناء بمن فيهم الذين يرفعون العقيرة بالصراخ وإطلاق الاتهامات ضدّ خصومهم ملقين عليهم المسؤولية في عدم الوصول، حتى الآن، الى ملء الشغور الرئاسي. وفي إلقاء الضوء على «الأسباب الموجبة» لهذا الفراغ في السُدّة الأولى يتبين، بوضوح، إن القاسم المشترك الأول الذي يلتقون عليه جميعاً، بل ويُقرّون به هو عجز أي فريق عن تأمين الـ٦٥ صوتاً نيابياً انتخابياً لأي مرشح في المرحلة الثانية من جلسة الاقتراع. أما توافر الـ٨٦ صوتاً المتوجبة دستورياً لتأمين النصاب، في مختلف مراحل الجلسة، فهذا من رابع المستحيلات.
لماذا؟!. الجواب واضح جداً لأن الكتل والنواب «المستقلين» (اذا كانوا موجودين فعلاً) ليسوا على قدر المسؤولية. إذ إن «التربية السياسية الوطنية مفتَقَدة على نطاق عام»، على ما يقوله ديبلوماسي أوروبي غربي يعرف لبنان عن قرب. وإذ نسأله: لماذا؟ يجيب: لأن الخطيئة العظمى التي ارتكبها الأميركي والعرب، وبالذات سوريا، كانت بإسناد قيادة البلاد ومقاديرها ومؤسساتها الى الميليشيات التي عبثت بالبلاد والعباد وتعاملت مع الوطن اللبناني على أنه بقرة حلوب، فنضبوا ضرعها الى حدّ الجفاف، وأكلوا لحمها الى حد أنهم جرموا عضمها … ومع ذلك لم يشبعوا، بعد، بالرغم من التخمة، لأن معظمهم جاء من «جوع» مزمن. فتحكموا بالأعناق والرقاب والأرزاق، بفجاجة غير مسبوقة.
وأضاف: ثم إن هؤلاء حولوا أنفسهم الى أنبياء، وهم قبل غيرهم يعرفون أنفسهم، كما يعرفهم اللبنانيون، بأنهم «أنبياء كَذَبَة»، فبلغ بهم الغرور والنفاق حدود ادعاء العصمة، والزعم أنهم يدافعون عن الطوائف والمذاهب! وهذه تجارة تدر أرباحاً متعددة، إذ إنهم يستدرجون الناس الى العصبيات والأحقاد والكراهية، ليس فقط ضد أبناء الأطياف الأخرى، بل أيضاً ضمن الطيف الواحد. وبالتالي فإنه ليس في مصلحتهم قيام دولة طبيعية في لبنان، إذ ربما تستطيع الدولة أن تأخذ منهم بعضاً من نفوذهم.
وختم يقول: ولا يفوتني أن أشير الى مخططات كبرى يعملون «كموظفين صغار» في صفوفها، في إطار ما يعدّه الكبار للبنان، الذي أكثر ما يحتاج، لاسيما في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة، الى رجال دولة كبار، كم يفتقدهم لبنان في زمن هذه الأنماط من القيادات الصغيرة.