سلطة “حرس إيران”… من طهران إلى بيروت

69

بقلم خيرالله خيرالله

«أساس ميديا»

الطبيعي في إيران أن تجري الانتخابات في موعدها. الطبيعي في بلدين تسيطر عليهما إيران، أي في لبنان والعراق، ألّا يكون مسموحاً إجراءُ انتخابات. بل يبدو مطلوباً فرض أمر واقع معيّن بما يتناسب مع رغبات “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

لم تمضِ ساعات قليلة على مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطّم طائرة هليكوبتر، في ظروف غامضة، حتى حدّدت هيئة الانتخابات الإيرانية يوم الثامن والعشرين من حزيران المقبل موعداً لانتخاب رئيس بديل من رئيسي.

ليس مقبولاً أن يكون هناك أيّ فراغ، على أيّ مستوى كان، في “الجمهورية الإسلاميّة”. ظهر الإصرار على التعجيل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اللحظة التي بدأت فيها تتوارد أنباء عن خطورة الحادث الذي تعرّضت له الهليكوبتر التي كانت تقلّ الرئيس الإيراني ووزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان وآخرين من منطقة الحدود الإيرانية – الأذربيجانية إلى تبريز. سارع “المرشد” علي خامنئي إلى تأكيد أهمّية استمرار عمل مؤسّسات الدولة مطمئناً الإيرانيين إلى سلامة الوضع وإلى أنّ الاستقرار لن يتأثّر في حال مقتل رئيسي.

في المقابل، ليس مهمّاً من وجهة النظر الإيرانيّة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، لأنّ الرئيس المفروض انتخابه مسيحي ماروني، كذلك يبدو مطلوباً تكريس الفراغ في موقع رئيس مجلس النواب في العراق، العائد للسُّنّة. بعد قيام النظام الجديد في العراق، إثر الاجتياح الأميركي للبلد، وهو نظام تسيطر عليه إيران كلّياً، بات مطلوباً إلغاء السُّنّة في المعادلة العراقيّة مثلما بات مطلوباً إلغاء المسيحيين في المعادلة اللبنانية مع تقزيم لدور السُّنّة.

العراق ولبنان… و”السلطة”

يجمع بين العراق ولبنان وقوعهما تحت سلطة “الحرس الثوري” الذي بات يحكم إيران ويتحكّم بها. لم يكن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة قبل ثلاث سنوات سوى تعبير عن الشوط الذي قطعه “الحرس الثوري” في مجال تحوّله إلى صاحب القرار الأوّل والأخير في البلد. كانت الطريقة التي انتُخب بها رئيسي رئيساً للجمهوريّة بمنزلة انقلاب داخلي نفّذه “الحرس الثوري” مستخدماً السلطة القضائية لمنع ترشّح أيّ منافس جدّي له. بين الذين استُبعدوا وقتذاك علي لاريجاني الذي شغل مواقع مهمّة في تركيبة النظام، علاوة على انتمائه إلى عائلة ذات موقع مميّز على الصعيد الديني.

بين كلّ الذين تناوبوا على موقع رئيس “الجمهورية الإسلاميّة” في السنوات التي تلت خلافة خامنئي للخميني قبل خمسة وثلاثين عاماً، كان إبراهيم رئيسي استثناء. كان الرئيس الوحيد المطيع لخامنئي طاعة عمياء. كان “أكثر طاعة ورضوخاً للمرشد من أيّ رئيس آخر بمن في ذلك محمود أحمدي نجاد”، على حدّ تعبير خبير في الشؤون الإيرانيّة.

لن يتغيّر شيء في إيران مع غياب رئيسي، أقلّه في المدى القصير، علماً أنّه لا يمكن لإيران إلّا أن تتغيّر بعد سنة أو سنتين أو ثلاث.

تعزيز “الحرس الثوري” في 4 عواصم

يعزّز “الحرس الثوري” في الوقت الراهن سيطرته على مرافق الدولة الإيرانيّة مثلما يعزّزها في العراق وسوريا ولبنان وشمال اليمن. لا يحتاج في شمال اليمن إلى إلغاء أحد بعدما صار هذا الجزء من البلد تحت الحكم الحوثيّ. كذلك الأمر بالنسبة إلى سوريا حيث جرى التخلّص من أكبر عدد من السُّنّة في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام الأقلّويّ والميليشيات التابعة لـ”الحرس”.

الأمر مختلف في لبنان حيث يبدو مطلوباً أكثر من أيّ وقت إلغاء دور المسيحيين عن طريق جعل رئاسة الجمهوريّة رهينة لدى الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. منذ فرض الحزب مرشّحه ميشال عون رئيساً للجمهوريّة لم يعد وارداً تخلّيه عن هذا الموقع. المطلوب من أيّ رئيس للجمهوريّة اللبنانية أن يكون ميشال عون آخر، أي أن ينفّذ المطلوب منه من دون أخذ وردّ من أيّ نوع. يعطي الاعتراض السريع لميشال عون على تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت فكرة عن السلوك الذي على رئيس الجمهورية اللبنانية اتّباعه. توجد خطوط حمر على رئيس الجمهوريّة التزامها.

ما ينطبق على المسيحيين في لبنان ينطبق على السُّنّة في العراق حيث لا رئيس لمجلس النواب منذ نحو ستّة أشهر بعدما فرضت المحكمة الاتحادية العليا على محمد الحلبوسي الاستقالة من مجلس النواب. في كلّ مرّة يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس له، تنتهي محاولته بالفشل.

لا رئيس لمجلس النواب في العراق من دون رضا “الحرس الثوري” الذي يسيطر على كلّ السلطات في البلد، بما في ذلك السلطة القضائية. لا رئيس للجمهورية في لبنان إذا لم يكن هذا الرئيس على شاكلة ميشال عون، أي أن يكون رئيساً بإمرة “الحرس الثوري” الإيراني. في إيران نفسها يصبح رئيساً للجمهورية من يختاره “الحرس الثوري” الذي وضع القضاء تحت سلطته. في إيران يحترم “الحرس الثوري” المواعيد لأنّ ذلك يناسب أجندته.

إلى متى يبدو هذا الوضع مرشّحاً للاستمرار؟

سيعتمد الكثير على ما تبدو إيران مقبلة عليه. لا بدّ من مرور بعض الوقت قبل معرفة انعكاس مقتل إبراهيم رئيسي على الداخل الإيراني وعلى موقع “الحرس الثوري” تحديداً. لا مفرّ من الانتظار في وقت يبدو فيه الصراع بين أجنحة عدّة في السلطة في أوجه بسبب الوضع الصحّي لعلي خامنئي وتقدّمه في السنّ.

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.