خامنئي وهويّة سوريا
بقلم خيرالله خيرالله
تطرح الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس النظام السوري بشّار الأسد لطهران بغية التعزية بمقتل رئيس «الجمهوريّة الإسلاميّة» ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطّم هليكوبتر مزيدا من الأسئلة.
محور الأسئلة طبيعة العلاقة بين النظامين السوري والإيراني. هل يمكن الخروج بأي خلاصة من أي نوع في ضوء تأخر بشّار عشرة أيّام كاملة في المجيء إلى طهران في حين تدافع آخرون من أجل المشاركة في التعزية برئيسي وتشييعه؟
على هامش الأسئلة المطروحة، يرى خبراء في الشأن السوري أنّ هناك سيناريو يظهر أنّه متفق عليه بين طهران ودمشق، بما في ذلك حاجة بشّار إلى كلّ هذا الوقت لتأمين موافقة أميركيّة على إذن يسمح لطائرته «الرئاسيّة» بعبور الأجواء العراقية في طريقها إلى العاصمة الإيرانيّة.
لا بدّ من التوقف هنا عند الكلام الصادر عن علي خامنئي لدى استقبله رئيس النظام السوري. هذا الكلام وزعته وسائل الإعلام الرسميّة الإيرانية، لكنه غاب، في المقابل، عن وسائل الإعلام الرسميّة السوريّة.
ورد في وسائل الإعلام الإيرانيّة أن «المرشد» الإيراني علي خامنئي، أكّد خلال لقائه بشار الأسد في طهران أن «المقاومة هي الهوية المميزة لسوريا، ويجب المحافظة عليها». كرّر خامنئي القول أنّ «الهوية المميزة لسوريا، وهي المقاومة، تشكلت في عهد الراحل حافظ الأسد، من خلال إرساء أسس جبهة المقاومة والصمود. هذه الهوية لطالما ساعدت على الوحدة الوطنية السورية». ذكّر خامنئي، الأسد، استنادا إلى وسائل الإعلام الإيرانيّة أيضا، بأن «الدول الغربية وأتباعها في المنطقة كانت بصدد إسقاط النظام السياسي في سوريا وإلغاء دورها من المعادلات الإقليمية عبر الحرب، لكنها فشلت، وحالياً تحاول تحقيق ذلك من خلال أساليب أخرى، بما فيها وعود لن تفي بها أبداً». شدّد «المرشد» على أن «البلدين سيتجاوزان الضغوط السياسية والاقتصادية الأميركية والأوروبية، عبر تعزيز التعاون المشترك وتنظيمه». في المقابل، قدم الأسد تعازيه بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته ومرافقيهما، وقال لخامنئي: «العلاقات الإيرانية السورية هي علاقة استراتيجية تتقدم بتوجيهات فخامتكم»، وأضاف: «بعد أكثر من 50 عاماً، تقدم خط المقاومة في المنطقة وأصبح الآن نهجاً دينياً وسياسياً».
من الواضح تركيز خامنئي على «هويّة سوريا»، من وجهة نظر «الجمهوريّة الإسلاميّة». اختزل هويّة سوريا بـ»المقاومة» في حين لا إشارة إلى شعار «قلب العروبة النابض» الذي تغنّى به النظام السوري، وهو نظام أقلّوي ردّد هذا الشعار طويلا، للتغطية على ممارساته في مجال تغيير طبيعة البلد عن طريق تهجير أكبر عدد من السنّة منه والقضاء على المدن الكبيرة، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة، بكلّ ما تمثله. كانت الطبقة البورجوازية في هذه المدن، التي تضاف إليها اللاذقيّة، في كلّ وقت هاجسا لدى حافظ الأسد منذ احتكر السلطة مطلع سبعينات القرن وأسس لحقا للعلاقة مع إيران – الخميني من زاوية مذهبية قبل أي شيء آخر. كان أفضل تعبير عن ذلك وقوفه مع إيران في وجه العراق في حرب السنوات الثماني بين البلدين. هذا ما حرص خامنئي على الإشارة إليه لدى استقباله بشّار الأسد أخيرا. حرص على تأكيد الدور الذي لعبه حافظ الأسد في تأسيس العلاقة مع إيران.
في النهاية عن أي «مقاومة» يتحدّث «المرشد». هل الحرب التي يشنها النظام على شعبه منذ ثلاثة عشر عاما وبضعة أشهر تعتبر مقاومة؟ هل الإستعانة بميليشيات مذهبية، لبنانيّة وعراقيّة وافغانية وباكستانيّة وبـ»الحرس الثوري» الإيراني في قمع الشعب السوري، فعل مقاومة؟ هل الإستنجاد بفلاديمير بوتين وبسلاح الجو الروسي من أجل تدمير المدن والبلدات والمستشفيات والمدارس السوريّة فعل مقاومة؟
تفادى بشار، حسب النسخة التي وزعها الإعلام السوري عن زيارته لطهران، أي إشارة إلى هويّة سوريا. إكتفى بالإشارة إلى أنّ «الحادثة الأليمة (مقتل رئيسي وامير عبد اللهيان) لن تؤثر على نهج إيران ودعمها للمقاومة وساندتها للشعب الفلسطيني».
في النهاية، يبدو، وإن بشكل عام، أن كلّ شيء على ما يرام بين بين النظامين الإيراني والسوري. ليس ما يشير إلى أن طهران تعترض على دور أكبر للنظام السوري في إطار جامعة الدول العربيّة. على العكس من ذلك، تودّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» التعزير من وجود النظام السوري في الصف العربي كي تسعى إلى الإستفادة من هذا الوجود من منطلق أن النظام السوري سيكون بمثابة حصان طروادة لها في جامعة الدول العربيّة. أكثر من ذلك، لا اعتراض لدى إيران على حصول النظام السوري على مساعدات عربية في ضوء تدهور الاقتصاد في هذا البلد من جهة والديون المترتبة على النظام لإيران من جهة أخرى. يقدّر حجم هذه الديون بمليارات الدولارات صرفتها «الجمهوريّة الإسلاميّة» من أجل المحافظة على النظام السوري، بشكله الحالي، خصوصا في السنوات التي تلت إندلاع الثورة الشعبيّة في سوريا. لا غنى للنظام الإيراني عن سوريا وعن وجوده فيها بصفة كونها ممرآ إلزاميا إلى لبنان!
يمكن الحديث عن تغيير حقيقي وجدّي في موقف النظام السوري من إيران متى تبدأ بالفعل عمليّة سياسية في سوريا إنطلاقا من تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الأمن الذي لا يريد النظام السوري السماع به لا من قريب أو بعيد.
هذا القرار ٢٢٥٤ الذي صدر قبل تسع سنوات يتحدّث عن فترة انتقالية في سوريا تليها انتخابات عامة باشراف الأمم المتحدة. لا يمكن لـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» القبول ذلك. هذا ما جعل «المرشد» يحذر بشار الأسد من وجود إغراءات بقوله أن الدول الغربية وأميركا «لن تفي بوعودها».
عاجلا أم آجلا سيتأكّد أن إيران تعرف تماما ما الذي تريده من سوريا. تريد تغيير هويّة سوريا نهائيا مثلما غيرت هويّة العراق، وقبل ذلك هويّة لبنان. كذلك مثلما غيّرت هويّة شمال اليمن.
يظلّ تطور أوضاع سوريا مرتبطا، إلى اشعار آخر، بنجاح المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة كلّها. يبدو «المرشد» خامنئي واضحا كلّ الوضوح في هذا الشأن، فيما بشّار الأسد يعيش في عالم خاص به أبعد ما يكون عن الواقع السوري والأزمة العميقة للنظام…
خيرالله خيرالله