حديث الجمعة_الصبر مفتاح الفرج

10

المهندس بسام برغوت

يقول الله تعالى في محكم كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“ (آل عمران).

الصبر من أخلاق الإسلام العظيمة التي ترافق المسلم في جميع أحواله وأعماله، وإن نجاحه في الدنيا ونجاته وفوزه في الآخرة معلّقان على صبره وشدة تحمّله ومدى رضاه بما قسم الله له وقدّر، وليس ثمة فضلٌ يناله المسلم أحسن من الصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِن عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْر”.

الصبر ثبات النفس عند مواجهة الصعاب، وهو معنىً عام يختلف باختلاف موقعه، فإن كان في حبس النفس لمصيبةٍ سمّيَ صبراً، وأمّا إن كان في الحرب سمّيَ شجاعةً، وإن كان في إمساك الكلام سمّيَ كتماناً، وإن كان في إمساك طعامٍ سمّيَ صياماً؛ فكل ما يحتاج إلى ثباتٍ على شيء أو إمساكٍ عن شيء يسمى صبراً.

أما حكم الصبر فهو واجب، والناس في تقبّل المصائب عند وقوعها على ثلاثة أحوال؛ الصبر، والرضا، والشكر؛ فأمّا الصبر فواجب، والرضا سنةّ، والشكر أفضل.

ومن الأمور التي تدلّ على أهمية الصبر:

  • ذكر الله الصبر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعاً.
  • اقتران الصبر بالصلاة لوجه الله تعالى.
  • كل مقامات الدين وأعماله مرتبطةٌ بالصبر.
  • أقسم الله تعالى على ان الإنسان واقع في خسران، واستثنى من ذلك من تواصى بالصبر، فقال في كتابه الكريم: “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ“ (سورة العصر).

ينشأ الصبر على الشدائد من عدّة أسباب، أهمها:

  • التصبّر وتدريب النفس على تحمّل الشدائد والمصائب، يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك: “مَن يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ“.
  • معرفة ثواب الصبر عند الله تعالى، وأن من صبّر نفسه له عطاء كبير من الله تعالى الذي قال: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (سورة الزمر).
  • إدراك أن الشدّة التي نزلت بالإنسان إنما هي بتقدير من عند الله، فلا بدَّ من حدوثها، وجزعه لن يفيده بشيء.
  • أن يعلم المؤمن بأن الشدّة داء نافع ساقها الله العليم الخبير إليه، وهو الطبيب العالم بمصلحته، وذلك يدعوه للصبر والمصابرة حتى يفوز برضا الله وعطائه، قال تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ“ (سورة البقرة).
  • أن يعلم بأن الشدّة والبلاء ما وردت إليه لتهلكه وتتعبه، إنما هي لتمتحن صبره وتمحّص ما في قلبه، فإن صبر عليها وثبت صارت عطاء ونعمًا كثيرة، وعكس ذلك من جزع وانقلب على عقبيه ولم يصبر، فإن مصيبته تتضاعف في نفسه، قال تعالى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” (سورة آل عمران).
  • أن يعلم بأن الله عز وجلَّ يُربي عباده من خلال الشدائد ومغالبة الصِعاب، ومن خلال السّراء والضّراء والنعمة والبلاء، فيستخرج منهم عبوديته في جميع أحوالهم.
  • معرفة طبيعة الحياة الدنيا: من أقرب الطرق التي تُعين على تحمّل الحياة؛ معرفةُ حقيقتها، فهي ليست الجنة أو الحياة الأبدية، إنّما هي دار ابتلاءٍ.
  • معرفة الإنسان نفسه : يعيش الإنسان في هذه الدنيا بهبة الحياة من الله، كأنّها عاريةٌ يستردّها سبحانه متى شاء، فهي ملكٌ لله أولاً وآخراً، ومصير كل إنسانٍ الرجوع إلى مولاه، ليوفّيه حسابه.
  • انتظار الفرج: فقد ورد الصبر في كتاب الله مقروناً بالفرج، ووعد الله حق، قال تعالى: “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ“ (سورة الروم).
  • الاستعانةُ بالله: يشعر العبد بمعية الله معه، وعونه له، وهذا ما يعينه على السكينة.
  • التأسّي بأهل الصبر والعزائم: المتأمّل بحال الصابرين على الشدائد وما ذاقوه من البلايا، يطفئ نار المصيبة ببرد التأسّي وخاصة الأنبياء والصالحين.
  • الإيمان بقضاء الله وقدره: فأمر الله نافذٌ لا محالة، وما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، رفُعت الأقلام وجفّت الصحف.
  • استصغار المصيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أيُّها النَّاس أيُّما أحدٍ من النَّاس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعزَّ بمصيبته بي عنِ المصيبة التي تصيبه بغيري فإنَّ أحداً من أمَّتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشدَّ عليه من مُصيبتي”.

ختاماً،

ليعلم المبتلى أنّه في اختبارٍ وامتحانٍ كالسابقين من الأنبياء والصالحين، وليقتدِ ما استطاع بهم في صبرهم، وها هو إمام المرسلين سيدنا محمد سيّد الصابرين، كان معذّباً من قومه، طرده المشركون من بلده حقداً وحسداً فصبر، قال تعالى: “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ“ (سورة الأحقاب)، ومن النماذج ابتلاء نبي الله أيوب، فقد ابتُلي بالمرض وصبر، ومن الصحابة من ابتُليَ بفقد الولد والمرض، والنماذج كثيرةٌ للمقتدين بهم، وهنيئاً للصابرين بقوله تعالى: “سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ” (سورة الرعد).

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.