حديث الجمعة – اليقين أعلى مراتب الإيمان

22

المهندس بسام برغوت

اليقين لغة: هو العلم الجازم الذي يسمو فوق التردد، ويقصد به أيضاً الاستقرار، واليقين اصطلاحاً: هو الإيمان الكامل مع العمل بما آمن به الفرد، دون أدنى شك مصاحب لهذا الإيمان، وهو شعبةٌ من شعب الإيمان الحق. وهو من صفات أهل العلم والإيمان بالله تعالى، وقد أوصى الله نبيه الكريم بالحفاظ على تأدية العبادات، حتى يصل المؤمن إلى مرحلة اليقين بوجود الله، والإيمان بالإسلام، وهذه إحدى توصيات الرسول الكريم للصحابة ومن بعدهم، فالقيام بالفروض والعبادات وما أوجبه الله على عباده يوصل إلى مرحلة اليقين، الذي هو الإيمان الخالص والمطلق.

تكمن أهمية اليقين في عدة أمور، منها:

تزيد علاقة المسلم إلى خالقه حباً وتقربا.

تزيد المسلم خشوعاً وتذللاً لله عز وجل.

تجعل صاحبه دائما في موضع الإخلاص والصدق، وتبعده عن الرياء والكذب.

يكسب صاحبه العزة والرفعة، والابتعاد عن الذل والضعف.

أن لليقين منزلةً عظيمةً في إيمان العبد وقربه إلى الله عز وجل، وهي تندرج في ثلاث مراتب، وهي:

علم اليقين: وهي العلوم التي نعرفها من الأدلة والبراهين والأخبار الصادقة عن الله وعن رسوله الكريم؛ كالإيمان الجازم بالجنة ونعيمها، والنار وعذابها، والحساب والآخرة، قال تعالى: «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين» (سورة التكاثر).

عين اليقين: وهي مشاهدة العلوم بالأبصار حقيقة، فلا يحتاج صاحبها لاي دليل لأن المدلول مشاهَد.

حق اليقين: ويعد أعلى مراتب اليقين، وهي المعلومات التي تحقق بالمشاعر والمباشرة، فيكون صاحبه قد عرفه بالاعتبار؛ كذوق القلب للذة الإيمان.

 لليقين ثلاثة أنواع، هي:

يقين الخبر: ويراد به سكون القلب للخبر، واليقين المطلقٌ بالثقة بأخباره سبحانه وفي أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.

يقين الدلالة: وهو إقامة الأدلة، والأمثال، والبراهين التي تدل على الخبر الوثوق بصدقه؛ كأخبار الإيمان في القرآن الكريم، فمع صدقه سبحانه إلا أنه يقيم البراهين والأدلة لعباده على صدق أخباره.

يقين المشاهدة: وهي يقين المكاشفة، وذلك بأن يصير المُخبَر به كالمرئي للعيون.

يتصف أهل اليقين بالعديد من الصفات التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم الصريحة والسنة الصحيحة، ومن تلك الصفات:

الايمان بالغيب: يؤمن أهل اليقين بما أنزله الله ورسوله من غيبيات، والتي وردت في آيات الله وأحاديث الرسول، قال تعالى: « الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ « (سورة البقرة)، فهم يؤمنون بالبعث، والنشور، والحساب، والجزاء، والجنة، والنار وكلها من الغيبيات، ويؤمنون بالله ويفعلون ما أمر به وينهون عما نهى عنه طمعا بجنات نعيم.

اليقين بأن الرزق بيد الله وحده: أهل اليقين يؤمنون بأن الله هو لرازق وحده وليس لأحدٍ سواه تدخّل في الأرزاق إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن لأحدٍ أن يمنع الرزق عن أحدٍ إذا أعطاه الله، ولا أن يعطي أحداً منع عنه الله العطاء، قال سبحانه: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ* وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ» (سورة الذاريات).

لا يزيغون عن الحق: أهل اليقين لا يزيغون عن الحق ولا ينصرفون عنه إلى الباطل، قال تعالى: « وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ « (سورة البقرة)، فيؤمنون بكل ما جاء به الله عن طريق الوحي إيمانا جازماً من غير رياءٍ أو نفاقٍ.

يُحكِّمون شرع الله تعالى: أهل اليقين يُحكِّمون بما شرعه الله -عز وجل- في جميع شؤون حياتهم من عبادات ومعاملات وعقوبات وغيرها، ولا يتركون الحكم لأهل الباطل ليزيغوا في الحق، قال تعالى: « َأفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (سورة البقرة).

يؤمنون بالقرآن الكريم: أهل اليقين يؤمنون بالقرآن الكريم كله انه من عند الله عز وجل، قال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ « (سورة السجدة)، فيأخذون بأحكامه، ويتخلّقون بأخلاقه، ويطبقون حدوده، ويفعلون ما أمر الله به، ويتركون ما نهى عنه.

يؤمنون ويصدّقون: بعظمة الله ويرون إعجاز الله في خلقه ويؤمنون بها.

يوقنون بأنّ النفع والضر بيد الله: وأنه ليس لأحد أن ينفع أو ان يضرّ أحدا أخر إلا بأمر الله عز وجل وحده، قال تعالى: « وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (سورة يونس)، انهم يؤمنون بالقضاء والقدر خيره وشره.

ختاماً، اليقين بالله منافِ للشكّ وهو من تمام الايمان بالله والتوكّل عليه وحسن الثقة به، وهو من تَمام الذي لا يخالطه أيّ شك، مما يؤدي الى سكون القلب واطمئنانه عند العمل بعيداً عن وساوس الشيطان وإغراءات النفس الامارة بالسوء، وهو من ثمرات الإيمان الصحيح والقوي المتين بالله عزّ وجل. فالليقين بالله أسبابٌ تقود إليه، ومظاهرُ تدلّ عليه، وثمراتٌ وفوائدُ تترتّب عليه.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.