توماس فريدمان: التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط قد تدفع بايدن لاتخاذ قرار مصيري يجره للحرب مع إيران

174

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للمعلق توماس فريدمان، قال فيه إن الولايات المتحدة قد تضطر في ظل الأحداث المتسارعة بالشرق الأوسط لأن تتخذ قرارا مصيريا يجرها للحرب مع إيران.

فقد تعلّم فريدمان من تغطية الأحداث في الشرق الأوسط إعادة نشر القصة عندما تكون الأمور واضحة. وهو يعيش هذه التجربة مع حرب إيران وإسرائيل وحماس وحزب الله، والتي قد تجر الولايات المتحدة قريبا. ولا يمكن أن يكون الأمر أكثر وضوحا الآن، فبينما كان الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول، ناجما جزئيا عن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المتهور، والمعاملة الوحشية للأسرى الفلسطينيين، والتعديات على المواقع الدينية الإسلامية في القدس، فإنه كان أيضا جزءا من حملة إيرانية أوسع نطاقا لطرد أمريكا من الشرق الأوسط وحشر حلفائها العرب والإسرائيليين في الزاوية، قبل أن يتمكنوا من حشر إيران.

    إذا تصاعد الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران ووكلائها إلى حرب شاملة، فقد يواجه بايدن القرار الأكثر مصيرية في رئاسته: هل يخوض حربا مع إيران دعما لإسرائيل؟

ويرى فريدمان أنه ولهذا السبب، إذا تصاعد الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران ووكلائها (حماس وحزب الله والحوثيون) إلى حرب شاملة -وهي الحرب التي لا تستطيع إسرائيل خوضها بمفردها لفترة طويلة- فقد يواجه الرئيس بايدن القرار الأكثر مصيرية في رئاسته: فيما إذا كان سيخوض حربا مع إيران دعما لإسرائيل، ويقضي على برنامج طهران النووي، الذي يشكل حجر الأساس للشبكة الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. حيث كانت إيران تبني هذه الشبكة لتحل محل أمريكا باعتبارها الجهة الأكثر قوة في الشرق الأوسط ولاستنزاف إسرائيل حتى الموت بألف جرح يلحقه وكلاؤها.

ويقول إنه مع ذلك يجب على أمريكا أن تكون دائما حذرة بشأن ما يخطط له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكما لاحظ الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس في صحيفة “هآرتس” يوم الخميس، يتعين على المرء أن يتساءل لماذا اختار نتنياهو الآن اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، في خضم محادثات رهائن حساسة.

ويتساءل إن كان ذلك لمجرد أنها قادرة على ذلك، أم أن إسرائيل “تستفز التصعيد عمدا على أمل أن يؤدي اندلاع حرب مع إيران إلى جر الولايات المتحدة إلى الصراع، مما يزيد من إبعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن كارثة السابع من تشرين الأول، وهي الكارثة التي لم يُحاسب عليها حتى يومنا هذا”.

وأكد فريدمان أن نتنياهو، خلال ما يقرب من 17 عاما من حكمه، ساعد المصالح الأمريكية في المنطقة وقوضها. وأنه لا يثق فيه ولو لثانية واحدة أن يضع مصالح الولايات المتحدة قبل احتياجاته السياسية للبقاء؛ لأنه لن يضع مصالح إسرائيل قبلها.

لكن فريدمان يلمح إلى أنه وبعيدا عن الثقة بنتنياهو فهناك ملامح واضحة للسياسة الإيرانية في المنطقة، فهي أكبر قوة إمبريالية إقليمية في الشرق الأوسط، وتهيمن من خلال وكلائها على الوضع السياسي لملايين العرب الذين يعيشون في لبنان وسوريا وغزة والعراق واليمن، وتجر مواطنيهم إلى حروب مع إسرائيل لا يهتم بها سوى قِلة منهم. ولا يستطيع أي زعيم في أي من هذه الدول العربية اليوم اتخاذ قرارات معادية لمصالح إيران دون خوف من القتل.

ويدلل على ذلك بالقول إن لبنان لم يتمكن من تعيين رئيس منذ 30 تشرين الأول 2022، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن طهران لن تسمح لوطني لبناني مستقل بتولي المسؤولية هناك، وفق رأي فريدمان، وأنه كان على لبنان وسوريا أن يلتزما بثلاثة أيام من الحداد بعد وفاة الرئيس الإيراني في حادث تحطم مروحية. ويسمي ذلك: الإمبريالية الإيرانية.

ولكل هذا، كان بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يعملون بهدوء وفعالية على بناء شبكة من التحالفات واسعة النطاق على مدى السنوات القليلة الماضية لاحتواء الصين وعزل إيران. مثل التجمع الاقتصادي “أي2 يو2” والذي يضم الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. والثانى -وهو الأهم- الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والمعروف باسم “أي أم إي سي”.

ويقول فريدمان إنه تم تصميم الممر الاقتصادي لتعزيز الروابط التجارية وإمدادات الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والهند عبر حلفاء الولايات المتحدة في الخليج. والهدف: مساعدة الهند على الهروب من جهود الصين لتطويق نيودلهي من خلال مبادرة الحزام والطريق. وشارك في تأسيس الممر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

ويشير إلى أن جزءا من الخطة هو التطبيع السعودي- الإسرائيلي مقابل مسار نحو دولة فلسطينية، وصياغة معاهدة دفاع مشترك مع السعودية. وبمجرد صياغة هذه المعاهدة، فهذا يعني أن جميع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط سوف يعملون كفريق مضاد لإيران: الأردن ومصر والإمارات وإسرائيل والسعودية والبحرين على وجه الخصوص.

ويعتقد الكاتب أن إيران كانت مصممة على منع هذه الصفقة السعودية- الأمريكية- الإسرائيلية وإلا تعرضت للعزلة. وكانت حماس تعلم أنه يجب إحباط الصفقة لأنها قد تمكن إسرائيل من الاندماج في العالم الإسلامي. وأضاف الكاتب أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي انتقد الدول الإسلامية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وأنها “تراهن على حصان خاسر”.

ويقول فريدمان إنه سواء كانت إيران تعلم بالتوقيت الدقيق مسبقا أم لا، فمن المؤكد أنها رأت في هجوم حماس وسيلة لعزل إسرائيل وراعيها الأمريكي من خلال إجبار الدولة العبرية على إلحاق آلاف الضحايا المدنيين لهزيمة شبكة حماس السرية وتقويض أي تطبيع سعودي فلسطيني إسرائيلي.

ويتساءل عن المآلات بعد أن اغتالت إسرائيل القائد الكبير في حزب الله فؤاد شكر في بيروت؛ والزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية؛ ومحمد الضيف، القائد العسكري لحماس في غزة.

ثم يقول إن إسرائيل قتلت الزعيمين الأول والثاني لحماس من قبل. ولكن المشكلة هي أن حماس وحزب الله عبارة عن شبكات، وكما تعلم من الخبير الاستراتيجي في الشبكات جون أركويلا، مؤلف كتاب “الحرب السيبرانية: التحدي الجديد للحرب السيبرانية”، فإن “الجميع في الشبكة هم رقم 2”. ودائما ما يظهرون خلفاء، وغالبا ما يكونون أسوأ من أسلافهم، على حد تعبير فريدمان.

ويعتقد الكاتب أن الطريقة الوحيدة لتهميش حماس سياسيا وعزل إيران إقليميا، هي أن تساعد إسرائيل في تمكين البديل الواضح والأكثر اعتدالا: السلطة الفلسطينية، التي تبنت اتفاقيات أوسلو وتتعاون مع إسرائيل يوميا في محاولة للسيطرة على العنف في الضفة الغربية، وهو ما يعرفه نتنياهو جيدا، ولكنه لن يعترف به لأنه يريد نزع الشرعية عن أي بديل فلسطيني موثوق لحماس، حتى يتمكن من إخبار العالم والإسرائيليين بأن بلاده ليس لديها شريك لحل الدولتين.

ويقترح أنه من خلال لعبة الشطرنج -تبني السلطة الفلسطينية- قد يتمكن نتنياهو من ترسيخ التحالف الأمريكي الإسرائيلي العربي، وإنشاء هيكل حكم فلسطيني في غزة لا يهدد إسرائيل ويعزل إيران ووكلاءها عسكريا وسياسيا، مما يجعل رهانهم على حرب حماس مضيعة كاملة للأرواح والأموال. ولكن يتعين على نتنياهو أن يخاطر بائتلافه الحاكم لتحقيق هذه الغاية، لأن شركاءه دعاة القيامة من اليمين المتطرف يعارضون أي اتفاق مع أي فلسطينيين موثوقين.

وقد اعتقد في وقت مبكر من حرب غزة أن هذه كانت المخاطر حقيقية، ولكنها الآن أصبحت واضحة وضوح الشمس. وأن ما هو ليس واضحا على الإطلاق هو ما سيفعله نتنياهو. فمصالح من سيخدم؟ مصالحه أم مصالح إسرائيل أم مصالح أمريكا أم مصالح إيران؟

ويخلص إلى أنه إذا اتخذ نتنياهو الخطوة الصحيحة الآن، فسوف يترك إيران عارية سياسيا. ولن تستطيع طهران بعد الآن من إخفاء هدفها المتمثل في السيطرة على العالم العربي بأكمله من خلال إخفاء نفسها ووكلائها وراء القضية الفلسطينية. فلطالما كانت إيران سعيدة بالسماح للفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والعراقيين والسوريين بالموت “من أجل فلسطين” ولكنها لم تخاطر أبدا بحياة الإيرانيين إذا كان بوسعها تجنب ذلك.

ويمكن لنتنياهو الآن أن يسحب الستار عن هذه المسرحية الساخرة برمتها. ولكن هذا يتطلب منه أن يضع مصالح إسرائيل قبل بقائه السياسي. فهل يفعل ذلك؟.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.