تفجير المرفأ… نجاح ميشال عون وفشل إميل لحّود!
بقلم خيرالله خيرالله
في محاولة لتفسير حال الفراغ التي يعاني منها لبنان والتي يعبّر عنها غياب رئيس للجمهورية، يبدو مفيداً استعادة رحلة العذابات الجديدة، بمراحلها المختلفة، التي قطعها البلد في ما يزيد على 19 عاماً.
بدأت رحلة العذابات الجديدة، التي يصعب القول إنّها الأخيرة، منذ القرار الذي اتّخذ في حقّ لبنان والذي نفّذ يوم 14 شباط 2005… وهو قرار إعدام البلد وعاصمته. منذ 14 شباط 2005، توجد محطّات كثيرة تصبّ كلّها في اتّجاه واحد اسمه اتّجاه تكريس الفراغ على كلّ المستويات وليس على صعيد رئاسة الجمهوريّة، بما ترمز إليه، فقط.
كان يوم الرابع من آب 2020، يوم تفجير مرفأ بيروت، بمنزلة تأكيد للنجاح في تكريس الفراغ في ظلّ تخلٍّ دولي وعربي عن لبنان وتفتّت داخلي لبناني. ما لم يستطع عمله رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود في 2005، استطاع عمله من صار رئيساً للجمهوريّة بين 2016 و2022. في 4 آب 2020 لدى حصول كارثة تفجير مرفأ بيروت، نجح ميشال عون حيث فشل إميل لحود الذي اعتبر، في حينه، اغتيال رفيق الحريري ورفاقه مجرّد “رذالة” داعياً إلى طمر الحفرة التي خلّفها التفجير “كي تنصرف الناس إلى أعمالها”. فشل إميل لحود في منع تحقيق دولي في اغتيال رفيق الحريري وفشل في منع صدور قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنشاء محكمة دولية خاصّة بلبنان.
على الرغم من كلّ ما كلّفته تلك المحكمة، كشفت تفاصيل التفاصيل المتعلّقة بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. لم يكن ذلك ممكناً لو ترك الأمر للقضاء اللبناني الذي يخضع لأمر واقع يتمثّل في وجود سلاح غير شرعي وميليشيا مذهبيّة تعتبر نفسها فوق القانون. ليس صدفة أن يكون ميشال عون بدأ عهده بوضع التشكيلات القضائية في الدرج. قدّم ميشال عون، مرفوقاً بصهره جبران باسيل، باكراً أوراق اعتماده لمن أخضعه لسلسلة من الامتحانات والاختبارات طوال عشر سنوات قبل صدور نتيجة إيجابية بالنسبة إليه. كانت النتيجة، من وجهة نظر “الحزب” ومن خلفه إيران التي استضافت ميشال عون يوماً ما، أنّ الرجل بات صالحاً ومؤهّلاً لأن يكون في قصر بعبدا الذي قال منه إنّ لبنان “ذاهب إلى جهنّم”.
الفراغ هو الهدف
جاء ردّ الفعل الفوريّ لميشال عون على تفجير مرفأ بيروت ليؤكّد أنّ الفراغ هدف بحدّ ذاته. سارع من كان في موقع رئيس الجمهوريّة إلى قطع الطريق على أيّ تحقيق في كارثة تفجير المرفأ. نفّذ المطلوب منه بدقّة ليس بعدها دقّة، تماماً كما حدث، في مرحلة ما قبل انتخابه رئيساً، عندما مهّد لاغتيال اللواء وسام الحسن محذّراً إيّاه من الاقتراب من خطوط “التوتّر العالي”.
بدأ ظهور الفراغ بوضوح عندما تذرّع ميشال عون ببطء التحقيق الدولي كي لا يذهب إلى معرفة الحقيقة التي لا تزال ضائعة. ليس من أحد يريد معرفة من خزّن نيترات الأمونيوم في أحد عنابر مرفأ بيروت كلّ تلك السنوات. سار التحقيق اللبناني في كلّ الاتّجاهات العقيمة من أجل تفادي معرفة الحقيقة وجهة استعمال مرفأ بيروت طوال السنوات التي كانت فيها كمّيات كبيرة من نيترات الأمونيوم موجودة فيه. يضاف إلى ذلك، في طبيعة الحال، تحديد من كان يتولّى إخراج نيترات الأمونيوم من المرفأ وأين كانت تذهب الكمّيات التي تخرج منه.
بعد أربع سنوات على كارثة تفجير مرفأ بيروت، ليس ما يشير إلى أنّ الحقيقة ستُعرف يوماً. كلّ ما يبدو مطروحاً هو زيادة الفراغ وتعميقه على كلّ المستويات وجعله أمراً واقعاً بهدف تكريس تحوُّل البلد من بلد النور إلى بلد الظلمة. صار الفراغ بديلاً من الحقيقة في لبنان. أكثر من ذلك، يبدو مطلوباً أكثر من أيّ وقت إضاعة أيّ فرصة للوصول إلى معرفة الحقيقة عن طريق الدخول في متاهات لا فائدة منها. إنّها متاهات من نوع طلب التحقيق مع مسؤولين سابقين مثل هذا الوزير أو ذاك من أجل تفادي الذهاب إلى معرفة الحقيقة والظروف التي أحاطت بتفجير المرفأ، بما في ذلك اعتراف ميشال عون بأنّه كان على علم مسبق بوجود نيترات الأمونيوم فيه.
تكريس الفراغ
يفسّر تكريس الفراغ في لبنان، وهو فراغ ليس وليد البارحة، الدور الجديد للبلد في المعادلة الإقليمية، وذلك منذ تحوّل بيروت عاصمة ثانية للحوثيين ومنذ دخول “الحزب” طرفاً مباشراً في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي في سوريا على شعبه… ومنذ اتّخاذ الحزب قراره بفتح جبهة جنوب لبنان تأكيداً لامتلاك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران قرار الحرب والسلم في البلد، بل قرار توسيع حرب غزّة أو عدم توسيعها. هذه غيض من فيض الأمثلة التي يمكن للمرء أن يسوقها عن الوظيفة الجديدة للبنان في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري منه وتأمين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ملء الفراغ العسكري والأمنيّ الناجم عن ذلك بوسائل مختلفة بدءاً بافتعال حرب صيف عام 2006.
لا يحدث شيء بالصدفة في لبنان. يكبر الفراغ، بمحطّاته الكثيرة، خصوصاً محطة عهد ميشال عون ورفض التحقيق الدولي في كارثة تفجير مرفأ بيروت، بشكل يوميّ. يكبر الفراغ وفق خطّة مدروسة يظلّ أخطر ما يحيط بها التخلّي العربي والدولي عن البلد وتركه “ساحة” لإيران ولا أحد آخر غير إيران. عرفت “الجمهوريّة الإسلاميّة” باكراً كيفية تفادي أيّ تحقيق دولي في اللحظة التي حصلت فيها كارثة المرفأ التي ليست سوى استكمال للقرار المتّخذ في عام 2005 في ما يخصّ تنفيذ حكم إعدام ببيروت ولبنان!
خيرالله خيرالله