تركيبة متفجرة في المنطقة… وغياب أميركي

50

بقلم خيرالله خيرالله

من غياب الدور القيادي الأميركي في ظلّ جنون إسرائيلي تعبّر عنه الحكومة القائمة تولد تركيبة كيميائية متفجّرة تجعل المنطقة كلّها على كف عفريت. تستفيد «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى أبعد حدود من هذه التركيبة التي تسمح لها بشنّ حروب خاصة بها على هامش حرب غزّة وذلك بغض النظر عمّا يحلّ بهذه الدولة العربيّة أو تلك أو بهذا المجتمع العربي أو ذاك…

غاب المنطق، أي نوع من المنطق، عن هذا العالم، خصوصا في الشرق الأوسط حيث تدور حرب غزّة التي لا أفق سياسيا لها. من يستمع إلى بنيامين نتانياهو يتحدث عن رفض الولايات المتحدة تزويد إسرائيل الأسلحة التي تريد الحصول عليها، لمتابعة تدمير غزّة أو ما بقي منها، يعتقد أنّ أميركا تعمل لدى الدولة العبريّة ومن واجبها أن تكون في خدمتها 24 ساعة في الـ24 ساعة من دون طرح أي سؤال أو إبداء أي اعتراض. قتلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين ودمرت معظم غزّة ردّا على جنون «حماس» يوم السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي لدى شنّ الحركة هجوم «طوفان الأقصى». من حقّ إسرائيل الردّ على الهجوم، لكنّ ليس من حقها تنفيذ مجازر في غزّة وتهجير أهلها في غياب القدرة على الإنتهاء من «حماس».

يبدو ما نشهده اليوم، خصوصا عندما يتجرّأ رئيس الحكومة الإسرائيلية على الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، نتيجة طبيعيّة لصعود اليمين الإسرائيلي في ظلّ غياب دور قيادي للولايات المتحدة على الصعيدين الأقليمي والدولي. يمكن الكلام عن غياب أميركي عن المنطقة مذ قرّر جورج بوش الإبن قبل 21 عاما إجتياح العراق وتسليمه على صحن من فضّة إلى إيران. كلّ ما جرى ذلك بعد ذلك، أكان في عهد باراك أوباما أو دونالد ترامب ثم في عهد جو بايدن، ليس سوى تعاط لهواة مع موضوع في غاية التعقيد إسمه المشروع التوسّعي الإيراني من جهة ودفع اليمين الإسرائيلي في إتجاه تكريس الاحتلال للضفة الغربية والقدس الشرقيّة من جهة أخرى. ألم يعترف دونالد ترامب بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل متجاهلا قرارات الشرعيّة الدوليّة تجاهلا كلّيا؟

يستغلّ اليمين الإسرائيلي كلّ ما يمكن أن يقطع الطريق على أي تسوية سلميّة عادلة، ولو في حدود معيّنة، في المنطقة. لذلك، وجد «بيبي» نتانياهو نفسه طوال سنوات في حلف مقدّس مع «حماس»، خصوصا منذ سيطرتها على غزّة منتصف العام 2007  ومباشرة إطلاق صواريخها في إتجاه مناطق إسرائيلية. كان في استطاعة «حماس» لعب دور إيجابي، عبر ضمّ جهودها إلى جهود السلطة الفلسطينية، في مجال تحويل غزّة إلى نواة لدولة فلسطينية تضمّ الضفة الغربيّة أيضا بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع صيف العام 2005. لم يحدث شيء من هذا القبيل، إستغلت «حماس» ضعف السلطة الوطنيّة برئاسة محمود عبّاس (أبو مازن) وترهلها كي تنفذ المطلوب منها إسرائيليا، أي إثبات أن «لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه». فعلت ذلك عن طريق الصواريخ والحروب التي شنتها من غزّة. رفع اليمين الإسرائيلي هذا الشعار في كلّ وقت من أجل التهرب من أي استحقاقات سياسية تترتب على أي حكومة إسرائيلية بموجب إتفاق أوسلو… ومن أجل القضاء نهائيا على فكرة قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة في يوم من الأيام.

كشفت حرب غزّة أنّ رهان اليمين الإسرائيلي على «حماس» كان في غير محلّه، خصوصا أنّ لدى «حماس» حسابات أخرى تفرضها عليها إيران. لكنّ هذه الحرب كشفت أيضا أنّ ليس لدى اليمين الإسرائيلي أي مشروع سياسي باستثناء تكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة والقدس والإنتهاء من غزّة. يشكّل ما يمارسه اليمين الإسرائيلي ممثلا ببنيامين نتانياهو الطريق الأقصر لجعل إيران تتحكّم بالمنطقة عبر الميليشيات التي تسيطر عليها والتي باتت تمتلك القدرة على توسيع حرب غزّة أو عدم توسيعها.

يبقى، إلى جانب ذلك كلّه، أن ما كشفته حرب غزّة على وجه الخصوص غياب الدور القيادي الأميركي. تبدو إدارة جو بايدن، وهي إدارة حائرة أصلا، مشلولة إلى حد كبير. لا تمتلك هذه الإدارة أي قدرة على بلورة دور سياسي وخطوط عريضة لمرحلة ما بعد حرب غزّة. ربّما كان ذلك عائدا إلى غياب أي فهم في العمق للشرق الأوسط والخليج بدليل الإستخفاف المزمن بطرح اليمين الإسرائيلي الذي انتقل الآن من دعم «حماس» إلى دعم المشروع التوسّعي الإيراني، من حيث يدري أو لا يدري. مثل هذا الرهان على المشروع التوسّعي الإيراني، الذي لا ترى إدارة بايدن ضرورة لمواجهته، لن يقود سوى إلى مزيد من الحروب والتفجيرات في منطقة صار بعض دولها مثل العراق وسوريا ولبنان في مهبّ الريح… هذا من دون الحديث عن اليمن الشمالي الذي صار موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة وقاعدة صواريخ ومسيّرات تابعة لها!

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.