تذكّروا كلام الوزير قبل 40 يوماً!

5

بقلم جان عزيز

«اساس ميديا»

في حمأة الحديث عن تطوّرات لبنان وسوريا، بعد “تخييم” مستعمِرين في مارون الراس، وتوغّل الإسرائيليين في الجنوب السوري، حتى ملامسة مطار دمشق بالنار…

وفي زحمة مخاض الرئاسة، بين كلام عن تقدّم قائد الجيش جوزف عون، أو تراجع ما سُمّي سيناريوهات التهريبات…

وبعد جرأة وليد جنبلاط المعتادة، وصدمات” وئام وهّاب …

ضروريّ أن نتذكّر الآن كلام وزير خارجية إسرائيل قبل 40 يوماً!

الآن يجد كلامه ترجمته وتتجسّد خطورته وتُفهم أبعاده وتداعياته.

في 10 تشرين الثاني الماضي، كان جدعون ساعر قد عُيّن حديثاً وزيراً للخارجية في حكومة نتنياهو. وكانت المناسبة تسلّمه منصبه هذا بالذات. وهو ما يُضفي على المضمون دلالاتٍ أكبر ومعاني أعمق.

فجأة، ومن دون سياق مفهوم ولا سبب ظاهر، قال الرجل ما يلي، ممّا يجب أن يُحفظ في الذاكرات حفراً:

“إنّ “الأقلّيات في المنطقة ستحتاج إلى التماسك معاً”.

“إسرائيل موجودة في منطقة، وهي أقلّية فيها. ولذلك تحالفاتها الطبيعية هي مع الأقلّيات الأخرى. مثل الدروز في سوريا ولبنان كشركاء محتملين، والأكراد في كلّ من سوريا والعراق وإيران وتركيا”.

“الشعب الكردي أمّة عظيمة، واحدة من الأمم العظيمة التي لا تتمتّع باستقلال سياسي. إنّهم حلفاؤنا الطبيعيون (…) هم ضحايا للقمع الإيراني والتركي (…) علينا مدّ يدنا لهم وتعزيز العلاقة معهم (…) إنّ هذا له جوانب سياسية وأمنيّة”.

كان ذلك قبل وقف النار في لبنان، وقبل انطلاق إسقاط بشار في سوريا، وقبل هروب الأخير، وبالتالي قبل ظهور مسألة وحدة سوريا على واجهة الأحداث السياسية كما باتت الآن.

النبوءة تتحقّق

بعد أقلّ من شهر على “نبوءة” الوزير الجديد، بدا وكأنّ الرجل كان يقرأ في كتاب السفر عبر الزمن.

وصل أحمد الشرع إلى دمشق بمشروع يُفترض أن يكون تحرّرياً. لكن فجأة فُتحت بوجهه كلّ قضايا سوريا الساكنة والكامنة منذ زمن:

1- في شمال شرق سوريا، الكُرد على استنفار سياسي وميداني. خطوطهم مفتوحة مع كلّ المنطقة والعالم، من إربيل إلى واشنطن، مروراً طبعاً بتل أبيب.

في منطقتهم معظم ثروات سوريا، مياهاً وزراعة ونفطاً وربّما غازاً. وعبر أرضهم تمرّ مشاريع خطوط الطاقة، التي قيل إنّها فجّرت سوريا قبل 13 عاماً، والتي عادت إلى طبيعة جريانها وسريانها الآن.

من ينسى غارات الملالي على عاصمة كردستان العراقية، في آذار 2022 ومطلع السنة الجارية، بذريعة استهدافهم مقرّات إسرائيلية، قبل أن يتكشّف أنّ الأهداف نفطية غازية تجارية بامتياز؟!

2- في الجنوب السوري صار الاحتلال الإسرائيلي الجديد أمراً واقعاً. في منطقة تقول الأسرار إنّ بشار كان يطبخ لها بصمتٍ حلّاً خليجياً، من ضمن التسوية الأميركية للمنطقة ومسار دولة فلسطين، مقابل تطبيع عربي مع الكيان. وكان الحلّ المطبوخ بعيداً عن الأضواء، ويقضي بجعل الشريط السوري الجنوبي منطقة حرّة. وقيل إنّ أحلاماً وأرقاماً كبيرة كانت مأمولة هناك…

فجأةً دخل التركي من شمال سوريا، فدخل الإسرائيلي من جنوبها، فسقطت المشاريع العربية هناك. وبدأ كباش جديد.

الدّروز والعلويّون.. ماذا يريدون؟

كانت السويداء الدرزية قد أطفأت شمعة السنة الأولى على انتفاضتها واعتصامها المفتوح ضدّ نظام الأسد، في آب الماضي. ومع ذلك، وطوال 14 شهراً، لم تُطرح كلمة واحدة عن صيغة “مكوّنات سوريّة” أو “خصوصيّات طائفية”. بل كان “رجال الكرامة” في الجبل يستضيفون كلّ أسبوع منتفضين شركاء لهم في الوطن والمواطنة وفي المعاناة والثورة، من كلّ أنحاء سوريا.

هنا أيضاً وفجأة، وبعد هروب بشار وانتصار الانتفاضة والثورة، بدأت تخرج إلى العلن والإعلام أخبار عن اجتماعات لبحث “المستقبل والمصير”، وكلامٌ عن مطالبات بضمٍّ من هنا أو انضمام من هناك، خارج حدود الدولة السوريّة الحالية.

3- أمّا في منطقة الساحل السوري، بكثافتها العلوية الطبيعية، أو المضافة بعد نزوح العلويين من باقي سوريا، وبما بقي من “وادي نصاراها”، لم يكن الوضع أفضل. شائعات وتلفيقات وضخٌّ يوميّ على السوشيل ميديا عن موجاتٍ مفبركة من ذعر وخوف وتخويف وتجويف لفكرة سوريا الواحدة.

مع هذه المشاهد المقلقة، كانت السلطات السوريّة الجديدة واقعة تحت ضغط الواقع والظروف. وكانت ملزَمة بمنطق البدايات ومهل الوقت غير الخاضع للضغط. ففي أسبوع واحد، انتقل رجل أربعينيّ من إدارة منطقة مساحتها أقلّ من 6 آلاف كلم2، للسيطرة على أكثر من 120 ألف كلم2. ومن متابعة الشؤون الحياتية الأساسية لنحو 7 ملايين إنسان، إلى ما يفترض أن يكون حكم دولة تضمّ أكثر من 21 مليوناً! مع ما يعنيه هذا الانتقال من فوضى أو إرباك أو تقصير أو عجز.

غلاف لبنان: فوضى وارتباك

هذه هي الصورة الحقيقية لما هو قائم الآن على “غلاف لبنان” كما بات يُسمّى منذ 13 سنة.

فيما الجبهة مع العدوّ جنوباً تنام على قلق أكبر. ذلك أنّ نتنياهو أوقف عمليّاً تنفيذ اتفاق التسوية مع “الحزب”، منذ عشرة أيام، كأنّه ينتظر فرصة للتنصّل منه، أو كما لو أنّه ندم على عدم تريّثه عشرة أيام فقط، إذ كان هرب بشّار وأحكمَ هو الحصار على جنوب لبنان، بلا اتّفاق ولا من يتّفقون، أو كان أخذ أكثر بكثير، أقلّه كما يفعل الآن في الجولان، حيث يطلق فجوره علناً: هذه الأرض باتت لنا نهائيّاً!

ماذا يعني هذا الكلام؟

بكلّ بساطة، لم ينجُ لبنان من المهلكة بعد، والنار المحاذية له لم تخمد ولا يبدو ذلك وشيكاً.

بالتالي الثابت المؤكّد أنّ لنا مصلحة مصيرية في تنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني كاملاً والآن، قبل أن تتبدّل الموازين أكثر وتصبح المعادلات أسوأ.

الثابت والمؤكّد أنّ لكلّ اللبنانيين، من دون استثناء، أفراداً وجماعات وزعامات، مصلحة استراتيجية في ذلك، وبالتالي في الذهاب الآن إلى انتخاب رئيس قادر أوّلاً على تنفيذ الاتّفاق، وثانياً على تحصين ضماناته الدولية والعربية وتصليب سقوفه الأممية.

لننتخبه في 9 كانون الثاني لئلّا ننتحب بعد هذا التاريخ، إذا ما ضاعت اللحظة وأضعناها.

ولأنّ الأمور على هذه الدرجة من الدقّة المصيرية، تبدو هذه الكلمات واجبة: شكراً وليد جنبلاط.

جان عزيز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.