برّي وافق على عرض هوكستين.. ماذا عن نتنياهو؟

32

بقلم كلير شكر

«اساس ميديا»

قبيل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، حكم كُثرٌ على الزيارة بالفشل الحتميّ. كان يكفي التعمّق قليلاً بالرسائل المشفّرة التي تضمّنتها تصريحات كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري والدبلوماسي الأميركي، للاستنتاج مسبقاً أنّ المحاولة الأخيرة التي تقوم بها إدارة جو بايدن قبل خضوع الأميركيين لصناديق الاقتراع، مطوّقة بطرق مسدودة. ولكنّ العدوان الذي تشنّه إسرائيل والمرشّح للتوسّع، يقتضي المحاولة. وثمّة من يعتقد أنّ المياه كذّبت الغطّاس.

العودة إلى المواقف التي سجّلها الرئيس بري مساء يوم الأحد، في مسارعته إلى إقفال الأبواب التي طرقها هوكستين، في ما خصّ تعديل القرار 1701 وفي ما خصّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي سريعاً، تقود إلى خلاصة واحدة: لا مساحة مشتركة بين الرجلين قد تسهم في الاتفاق على أيّ من الملفّين في ضوء التصلّب الذي أبرزه رئيس البرلمان، وهو ما يعني أنّ هوكستين سيعود خالي الوفاض.

لكن فعليّاً كانت مجريات الأحداث مختلفة كليّاً. إذ إنّ ما تسرّب عن اللقاء بينهما، وهو الذي يختصر كلّ جولة الموفد الأميركي، يشي بالعكس تماماً. إذ تفيد المعلومات أنّ جوّاً ودّياً ساد اللقاء ارتقى إلى شبه اتفاق بينهما حول الخطّة التي حملها الموفد الأميركي لـ”اليوم التالي” لبنانياً، في محاولة أخيرة لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف إطلاق النار.

عرض متكامل… وافق برّي عليه

تضيف المعلومات أنّ هوكستين حمل معه عرضاً متكاملاً أشبه بخارطة طريق تكون مدخلاً لاستقرار مستدام في الجنوب. تبدأ تلك الخطّة بوضع آليّة تنفيذية لكيفية تطبيق القرار 1701، وكيفية انتشار الجيش في الجنوب ليكون في الصف الأمامي بمؤازرة اليونيفيل (خلافاً لما تمّ ترويجه عن تعزيز صلاحيات القوات الدولية)، ولا تنتهي بورشة إعادة إعمار المناطق والقرى التي تهدّمت.

وتشير المعلومات إلى أنّ الخطة المطروحة تتناول جنوب الليطاني، كما نصّت على مهلة الـ21 يوماً أيضاً كفترة اختبار لبدء التطبيق.

وفق المعلومات، فإنّ المطروح ليس إدخال تعديلات أو إضافات على القرار الأممي، بل إنتاج صيغة تسمح بتطبيقه ضمن روزنامة زمنية محدّدة. وقد ألمح هوكستين خلال مواقفه العلنية إلى أنّ العلّة تكمن في كيفية تطبيق القرار وليس في القرار بحدّ ذاته. ويبدو أنّ المشاورات استعادت تجربة “تفاهم نيسان”، بحيث يصار إلى صياغة تفاهم جديد يكون أشبه بالمراسيم التطبيقية للقرار ليصار إلى تنفيذه بشكل واضح وعملي، على أن تؤلَّف لجنة رباعيّة لمراقبة التّطبيق تستضيف تفاوضاً غير مباشر بين لبنان وإسرائيل.

من هنا كان حرص برّي على التأكيد مراراً أمام ضيفه أن لا فيتو على تطبيق القرار بحذافيره، ولا اعتراض على الآليّة التنفيذية لضمان التطبيق.

أسئلة حول المناخ الإيجابيّ

مع ذلك، تفرض الكثير من الأسئلة والتساؤلات نفسها على ضفاف هذا المناخ الإيجابي الذي ساد اللقاء، وأبرزها:

– ما هي حقيقة موقف طهران من هذا العرض؟ وإذا كان الرئيس بري مفوّضاً من الحزب، وهو تقصّد التذكير بهذا التفويض قبيل لقائه هوكستين، فهل هو مفوّض أيضاً من طهران التي انخرطت في الميدان اللبناني سياسياً وعسكرياً بشكل كبير بعد اغتيال الأمين العام للحزب فها هو وزير الخارجية الإيراني عدنان عراقتشي يقول: “لديّ ممثّل خاصّ مستقرّ في بيروت ويجري يوميّاً محادثات مع المسؤولين”، وهذا التصريح تلا سلسلة التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد قاليباف والتي تثبت بالوجه الشرعي أنّ منسوب الانغماس الإيراني في الملفّ اللبناني إلى ازدياد؟

– هل إسرائيل على استعداد لوقف إطلاق النار؟ وهل تلتزم بمندرجات القرار 1701 وتوقف طلعاتها الجوّية؟ هذا مع العلم أنّه قبيل اندلاع الحرب كانت التقديرات أنّ مسألة الطلعات قابلة للمعالجة.

– هل حصل فعلاً الفصل بين جبهتي غزة ولبنان بعد سلسلة مواقف للحزب شابها نوع من الغموض وعبّر عنها نائب الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم؟ إذ اكتفى في 8 تشرين الأول الماضي بالقول: “نؤيّد وقف النار والحراك السياسي”. ولاحقاً عاد وأكّد في 15 تشرين الأوّل أنّه “لا يمكن أن نفصل لبنان عن فلسطين ولا المنطقة عن فلسطين”. وأعاد التذكير: ” طالبنا بوقف إطلاق النار في غزة لوقف إطلاق النار على إسرائيل”.

– هل يتمكّن الفرنسيون من إقناع الإيرانيين بوقف إمداد الحزب بالسلاح، وهي المهمّة التي تكفّلت باريس بالقيام بها بالتوازي مع المسعى الدبلوماسي الأميركي؟

حديث عن الخطوات التنفيذيّة

مع ذلك، يمكن القول إنّ برّي نجح في رمي الكرة في ملعب الإسرائيليين من خلال إبداء استعداد لبنان للموافقة على الآليّة التنفيذية للقرار (توسّع النقاش بين بري وضيفه في النقاط التفصيلية لآليّة التطبيق). وهذا ما أكّده الموفد الأميركي في لقائه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مشيراً إلى توافق حصل مع برّي في ما خصّ الآليات التنفيذية.

لكن هل يقبل نتنياهو بعرض هوكستين؟

من الواضح أنّ الإدارة الأميركية تبدي جدّية استثنائية لتحقيق “إنجاز” وقف إطلاق النار، لتوظيفه في السباق إلى البيت الأبيض. لكنّ مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تحول دون تقديم هذه الهديّة للمرشّحة كامالا هاريس لأنّه ينتظر وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة.

في المقابل ثمّة من يرى أنّ نتنياهو قد يعمد إلى تجميد الجبهة اللبنانية إذا كان بوارد الردّ على إيران في وقت قريب. ومن هنا قد يغلّب كفّة وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني. لذا عودة هوكستين إلى بيروت خلال الأيام المقبلة ستعني أمراً واحداً: الضغط الأميركي فعل فعله.

كلير شكر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.