بريكس: “العائلة” الصّينيّة… و”الجسر” الرّوسيّ

34

بقلم عماد الشدياق

«اساس ميديا»

تتارستان

من خلال استضافة قمّة “بريكس” في قازان عاصمة تتارستان الروسية، أثبت الرئيس فلاديمير بوتين للغرب أنّ عزل روسيا الاتحادية عن العالم بات من الماضي. أظهر بوتين في تلك القمّة التي وصفها الإعلام الغربي نفسه بأنّها “استثنائية”، أنّ مسألة تفوّق التحالف العالمي الجديد اقتصادياً بوصفه ثقلاً وازناً قادراً على الوقوف بوجه “مجموعة السبع”، لم تعد أمراً بعيداً.

تزامناً مع قمّة “البريكس” في قازان، كان سعر الذهب يقفز إلى مستويات تاريخية، مسجّلاً 2,745 دولاراً للأونصة الواحدة، في مشهد وصفه خبراء غربيون بأنّه:

1- مظهر جديد من مظاهر تآكل الدور المهيمن للدولار الأميركي.

2- تبدّل تدريجي في عملية تشغيل النظام العالمي.

العالم بأسره، كما دول مجموعة “بريكس”، يجمعون على أن لا عملة أخرى أو “نظام دفع” قادر أو حتى راغب بإزاحة الدولار عن المشهد العالمي. لكنّ ثمّة محاولات جدّية لتنويع الاحتياطيات في المصارف المركزية في العالم، ولخلق نظام اقتصادي عالمي أكثر توازناً… وهو حقيقة ما تسعى إليه دول مجموعة “بريكس”.

نظام عالميّ جديد… ودخول عربيّ كبير

يأمل بوتين بناء نظام عالمي جديد للدفع المالي لمواجهة الدولار وهيمنة واشنطن على النظام الاقتصادي العالمي وسياسة فرض العقوبات المفرطة. إذ ارتفع عدد الأشخاص الخاضعين للعقوبات الأميركية بنسبة تزيد على 900% (نحو 9,400 شخص) في غضون عقدين. وهو ما يعني أنّ النظام الذي تديره واشنطن إلى جانب عملة الدولار أمسيا سلاحاً تستخدمه واشنطن من أجل فرض الإذعان على خصومها.

تطمح موسكو إلى بناء هذا النظام، الذي يُطلق عليه اسم “جسر بريكس”، في غضون عام، وسيسمح بتسوية التعاملات النقدية عبر الحدود باستخدام منصّات رقمية تديرها مصارف مركزية، سوف تعيد تشكيل مسارات نقل الأموال.

من المقرّر أن توفّر خطّة “بريكس” معاملات أرخص وأسرع، ربّما تكون عامل جذب وإغراء إضافيَّين للاقتصادات النامية والناشئة.

مع دخول المجموعة دول جديدة مثل مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران، ووقوف دول أخرى في “صفّ الانتظار” مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وغيرهما، أصبحت المجموعة تضمّ الآن دولاً تمثّل نحو نصف سكّان العالم (45%) وأكثر من 35% من الناتج الاقتصادي العالمي.

روسيا تعرض عضلاتها

أصرّت روسيا على أن تكون قمّة قازان هذا العام ما يشبه “عرضَ عضلات”، حتى تكون عاملَ جذب وإغراء لدول جديدة بالانضمام إلى التحالف. بكين التي تطلق على التجمّع تسمية “العائلة”، وكذلك موسكو، حريصتان على رؤية تحالف “بريكس” يتوسّع بشكل أكبر. لهذا حاول الكرملين دعوة ممثّلين عمّا يصل إلى 20 دولة، سبق أن أعربت عن اهتمامها بالحصول على مقعد في المجموعة.

منذ صباح الثلاثاء (أوّل أيام القمّة)، بدأت الوفود تتقاطر إلى مطار قازان الدولي، الذي أقفل أبوابه في هذا اليوم من أجل استقبال طائرات الرؤساء حصراً. بينما أظهرت روسيا كلّ قدراتها الأمنية والعسكرية من أجل إظهار أعلى قدر من التنظيم للفعّالية.

افترشت الشرطة الطرقات منذ ما قبل بدء القمّة بأيام. بينما بعض القوى العسكرية كانت موزّعة في الأحراج والغابات.

أمّا الصرح الذي استضاف القمّة، فقد قُسّم إلى 3 مستويات:

– الأوّل: مكان استقبال الزعماء العالميين.

– الثاني: للوفود المرافقة (وزراء ومستشارين).

– الثالث: للصحافيين الذين طغى عليهم الحضور الروسي بطبيعة الحال باعتباره من طرف الجهة المنظّمة، والإعلام الصيني الذي حضر بقوّة، بينما كان الحضور الإعلامي العربي الأكثر خجلاً في اليوم الأوّل نتيجة تأخّر وصول الوفود الرئاسية العربية (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي آخر الواصلين)، خصوصاً مع تواتر معلومات في أروقة القمّة عن احتمال عدم حضور وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بعد غياب وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان على الرغم من معاملة المجموعة للمملكة كـ”عضو أصيل” حتى قبل انضمامها بشكل رسمي.

تفيد معلومات “أساس” بأنّه خلال الأيام التي سبقت القمّة، حضر فريق البروتوكول السعودي، وأشرف على التحضيرات على قاعدة أنّ وليّ العهد محمد بن سلمان قد يكون من بين الزعماء الحاضرين، ومن دون إضافة المزيد من التفاصيل.

أمن صينيّ… وشيشة إيرانيّة

حول مكان إقامة زعماء “بريكس”، تكشف معلومات خاصة بـ”أساس” أنّ الكرملين قد خصّص زعماء الدول بثمانية مساكن رئاسية فارهة وفخمة، جرى تشييدها بشكل مسبق على ضفاف نهر الفولغا (انتهى بناؤها قبل نحو شهر). كلّ شقّة من تلك الشقق تضمّ أفضل وسائل الراحة، وتبعد عن مثيلتها بضعة أمتار. كما تبلغ مساحة كلّ واحدة منها قرابة 3 آلاف متر مربّع.

تفيد المعلومات أيضاً بأنّ الأجهزة الأمنيّة الروسية اضطرّت إلى وضع بروتوكول أمنيّ احتياطي ومختلف، بعد طلب رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد زيارة مقرّ البعثة السعودية فيما لو حضر وليّ العهد.

تفيد المعلومات نفسها بأنّ الوفد الإماراتي طلب من السلطات الروسية أيضاً توفير معدّات رياضية لزوم استخدامات الوفد، بينما طالب الوفد الإيراني بإطفاء أجهزة استشعار الحرائق من أجل تنفيخ الشيشة.

أمّا الوفد الصيني فشذّ عن هذا كلّه، إذ رفض الإقامة في واحدة من تلك المساكن الفخمة، وفضّل حجز فندق كامل بشكل مسبق، ويتألّف من قرابة 20 طابقاً للضرورات الأمنية للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي ينظر إلى “المولود الصيني” (بريكس) بوصفه أداة حديثة من أدوات الوصول إلى ريادة العالم.

عماد الشدياق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.