الكويت… ما حدَثَ وما سيحدُث

42

بقلم نايف سالم – الكويت

«أساس ميديا»

قبل 23 شهراً من اتّخاذه القرارات التي فتحت صفحة جديدة في تاريخ الكويت، قال أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد (عندما كان وليّاً للعهد) كلاماً يُفهم منه أنّ استمرار مسار التأزيم سيؤدّي إلى نتائج وخيمة، لا يمكن السكوت عنها. فهل أخطأ الساسة والنواب في قراءة المشهد وتوقّع الخيارات المتاحة أمام القيادة؟ وهل دفع النواب ثمن “استئسادهم” على الحكومة وعيشهم لسنوات طويلة في “وهم” شراكتهم للسلطة التنفيذية؟

إذا كانت الإجابة على الأسئلة التالية تستنبط تحليل الماضي والخيارات الخاطئة للنواب التي أدّت إلى “تقاعدهم المبكر”، فإنّ الأهمّ يتمثّل في تزاحم الأسئلة عن المستقبل والتوقّعات الكبرى من الحكومة الجديدة التي توشك على إدارة “توربيناتها” لتحقيق الانطلاقة القصوى المأمولة.

في 22 حزيران 2022، قال الشيخ مشعل الأحمد في خطاب ألقاه، بصفته وليّاً للعهد، نيابة عن شقيقه الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، لإعلان حلّ مجلس الأمّة والدعوة إلى انتخابات مبكرة: “نناشدكم أبناء وطننا العزيز أن لا تضيّعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنّا عليه. لأنّ هذه العودة لن تكون في مصلحة الوطن والمواطنين، وستكون لنا في حالة عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث“.

بعد 18 شهراً، أصبح الشيخ مشعل أميراً للكويت، وبعدها بخمسة أشهر وتحديداً في 10 أيار 2024، ألقى خطابه الشهير الذي أماط اللثام عن ماهيّة الإجراءات الأخرى الـ”ثقيلة الوقع والحدث“، التي تمثّلت في وقف موادّ في الدستور لمدّة لا تتجاوز أربع سنوات “يتمّ خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية“. وحلّ مجلس الأمّة بعد حوالي 36 يوماً من انتخابات مُبكرة. تلاها وسبقها جنوح ثلّة من النواب إلى الجانب الأقصى من استخدام “الأدوات الدستورية” والتلويح بها، وصولاً إلى تجاوز كلّ الخطوط الحمر بمحاولة بعضهم التدخّل في اختيار الحاكم المقبل (وليّ العهد)، وكلّه تحت غطاء “الدستور”.

7 نقاط في الخطاب

في قراءة متأنّية لخطاب الشيخ مشعل الذي جاء شاملاً ودقيقاً وغير مسبوق في المُصارحة والمُكاشفة، يجدر التوقّف عند 7 نقاط من شأنها أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة:

1- حديث الأمير عن حجم التمادي الذي “وصل إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكّله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية“.

2- انتقاده وصول تمادي البعض “إلى التدخّل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخّل في اختياره لوليّ عهده“.

3- إظهار الحزم الشديد بقوله: “لن أسمح على الإطلاق أن تُستغلّ الديمقراطية لتحطيم الدولة“.

4- التأكيد أنّ زمن المُسايرة انتهى، مع وصول “اضطراب المشهد السياسي في البلاد إلى مرحلة لا يمكنني السكوت عنها“.

5- توصيف واقع التأزيم بعمقه وليس بظاهره، وحتمية العمل على “معالجة الأسباب والحيلولة دون تكرارها في المستقبل حرصاً على مصالح البلاد والعباد“.

6- التعبير النهائي عن “رفض كلّ هذه الممارسات” ووضع حلّ لها “بما ينهيها ليعود لقاعة عبدالله السالم بهاؤها“. في إشارة إلى قاعة مجلس الأمّة التي تحوّلت خلال السنوات الماضية ليس فقط إلى ساحة لتبادل الشتائم والألفاظ النابية والاتّهامات المتبادلة وإنّما أيضاً مسرح للتشابك بالأيدي والتضارب بين بعض النواب، في كثير من الأحايين.

7- التدخّل النهائي من القيادة السياسية لـ”تحقيق الهدف” المتمثّل “في وقف الانحدار والحيلولة دون أن نصل إلى مرحلة الانهيار“.

الفوارق بين 3 حالات

سارع البعض إلى تشبيه الإجراءات المتّخذة التي تُعرف إعلامياً وسياسياً بـ”الحلّ غير الدستوري” (أي حلّ مجلس الأمّة ووقف العمل ببعض موادّ الدستور) بحالتين مماثلتَيْن شهدتهما الكويت في تاريخها السياسي:

الأولى كانت في عام 1976 في عهد الشيخ صباح السالم الصباح، وجاءت نتيجة تراكم مشاريع القوانين وتأزّم الموقف بين الحكومة ومجلس الأمّة. وكانت المرّة الأولى التي يظهر فيها “التأزيم”.

الثانية في عام 1986 نتيجة التصعيد أيضاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتقديم مجموعة من الاستجوابات للوزراء في اليوم نفسه.

إذاً هو التاريخ يُعيد نفسه في ما يتعلّق بالوصول إلى “الطريق المسدود”، لكنّ الفوارق كبيرة جداً بين الحالات الثلاث، لناحية الأسباب والنتائج، إذ يُجمع المراقبون والمحلّلون على أنّ هذه المرّة عندما تعود السلطة التشريعية ستكون بـ”ثوب جديد” وقد تصبح مُكوّنة من غرفتين (مجلس أمّة ومعه مجلس شورى أو أعيان …). في حين أنّ المرّتين السابقتين انتهتا بعودة العمل بالموادّ الموقوفة من الدستور من دون تغييرات فيها، أو في المشهد البرلماني.

كانت العوامل الخارجية من أهمّ الفوارق. ففي عام 1976 كان الغليان يلفّ المنطقة والحرب الأهلية تعمّ لبنان وتنشر تداعياتها على المحيط. وفي 1986 كانت الحرب بين الجارَيْن (العراق وإيران) في أوجها ومسرحها على مرمى حجر من الكويت. أمّا في 2024 فالوضع مختلف جذرياً، إذ لا توجد عوامل خارجية ضاغطة أو نيران مشتعلة يُخشى انتقالها إلى الداخل الكويتي، والأسباب هي داخلية حصراً ومرتبطة بشكل واضح بفشل التجربة السابقة التي أدّت إلى “جوّ غير سليم (…)  شجّع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة. بل وصل إلى المؤسّسات الأمنيّة والاقتصادية مع الأسف. حتى إنّه نال مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرّياتهم“، بحسب ما ورد في الخطاب الأخير للأمير.

نظرة سريعة على عدد حالات حلّ مجلس الأمّة، منذ بدء العمل بالدستور في 1962، تؤكّد أنّ التغيير الشامل بات حتمياً ومستحقّاً: لقد بلغ العدد 11 مرّة خلال 62 عاماً، ومن النادر أن أكمَلَ برلمان ولايته المحدّدة بأربع سنوات.

خطايا النّواب

ترى أوساط سياسية مطّلعة أنّ النواب السابقين ارتكبوا أخطاء فادحة، ليس في الممارسة فحسب، وإنما في قراءة توجّهات القيادة الجديدة والمدى الذي يُمكن أن تقبل به في مسرح اللعبة السياسية.

تشير الأوساط إلى أنّ أصحاب الرؤوس الحامية والأصوات العالية (ومن يقف وراءهم) تمادوا إلى مدى غير مسبوق. سواء في التعبير عن مواقفهم السياسية، أو في استخدام الفضاء الإلكتروني (الحسابات الوهمية على منصّة “إكس”) لتجاوز الخطوط الحمر وضرب مفاصل الدولة، في سياق الصراع المرير على المناصب والمنافع والتكسّبات. ولم يتوقّعوا أنّ الأمير يمكن أن يذهب إلى هذا الحدّ ويقلب الطاولة، لأنّهم فشلوا في قراءة رؤيته لـ”كويت المستقبل” واستيائه الشديد من توقّف المشاريع الكبرى وعرقلة العمل ومنع السلطة التنفيذية من أداء مهامّها، نتيجة غرقها في دوّامة الصراع مع النواب.

توربينات الحكومة

بالصراحة نفسها التي طبَعَت خطابه في 10 أيار، تحدّث الأمير عن متطلّبات المرحلة المقبلة في خطابه أمام الحكومة بعد أدائها القسم أمامه يوم الأربعاء الماضي. فلوّح أيضاً بالمحاسبة للمُقصّرين في عملهم. وهو ما يعني أنّ الحزم الذي طال السلطة التشريعية يسري أيضاً على السلطة التنفيذية.

كما سجّل حدثاً نادراً غير مسبوق منذ سنوات برئاسته اجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء، ليوجّه الوزراء ويشير عليهم بالعمل “ليل نهار” للوصول إلى “إنجازات فعليّة على أرض الواقع” تفضي إلى “تحقيق نهضة شاملة لكويت الحاضر والمستقبل“.

وقال بوضوح: “أؤكّد متابعتي للحكومة في تنفيذ أعمالها وواجباتها، ومحاسبة من يقصّر في أداء عمله“.

في هذه “المرحلة الجديدة من مراحل العمل الجادّ المسؤول“، شدّد الأمير على “الإسراع في تنفيذ مشاريع استراتيجية تنموية طال انتظارها، وإحداث تطوّر شامل من خلال معالجة الملفّات والقضايا والموضوعات المتعلّقة بالبنية التحتية“، و”تطوير كلّ القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، وصولاً لاقتصاد مستدام“.

على وقع هذه التوجيهات، أدارت الحكومة الجديدة “توربينات” العمل، في ظلّ أجواء من الآمال الكبرى أن تقدر على تغيير المشهد نحو الأفضل، والبدء بتحقيق إنجازات خلال فترة وجيزة، بعدما زالت من أمامها العقبة الكبرى المتمثّلة بالأزمات الدائمة مع مجلس الأمّة.

نايف سالم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.