الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

31

نايف سالم – الكويت

«أساس ميديا»

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال التدقيق في جنسيات عشرات الآلاف من الكويتيين والكويتيّات، بالتوازي مع العمل الجادّ لحلّ معضلة “البدون” الذين لا يمتلكون أيّ جنسية ويُعرفون رسمياً بفئة “المقيمين بصورة غير قانونية”.

منذ خطابه الشهير في 10 أيار الماضي الذي أعلن فيه حلّ مجلس الأمّة وتعليق الحياة البرلمانية ربطاً بتعليق بعض موادّ الدستور، وضع أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ملفّ “الهويّة الوطنية” على رأس الأولويّات، وعهد به إلى النائب الأوّل لرئيس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية الشيخ فهد يوسف الصباح، الذي يرأس “اللجنة العليا لتحقيق الجنسية”، العاملة بشكل يومي تقريباً، للتدقيق في آلاف الملفّات.

منذ بداية 2024، يُقدّر عدد الذين سُحبت جنسيّاتهم (بسبب حصولهم عليها بالغشّ أو التزوير) أو فقدوها (بسقوط أحد شروط منحها مثل انتهاء الرابطة الزوجية) بأكثر من 2,000، يضاف إليهم من اكتسبوها معهم بالتبعية ليصل العدد إلى ما لا يقلّ عن 5,000.

فئات الجنسيّات

تشير التقديرات والمعلومات إلى أنّ عملية التدقيق ما زالت في بداياتها، وأنّ عشرات آلاف الملفّات على الطاولة، وأنّ الأمر لا يتعلّق فقط بسحب الجنسيّات وإنّما أيضاً بتعديل فئاتها.

قِلّة من يعرفون أنّ في الكويت عدّة فئات من الجنسيّات، يمكن تقسيمها إلى ثلاث:

1- كويتي بالتأسيس: أي المتوطّن في الكويت قبل سنة 1920.

2- كويتي بصفة أصلية بالميلاد لأب كويتيّ: أي المولود لأب كويتي، ولا يشترط أن تكون الأم كويتية أو الأب على قيد الحياة.

3- كويتي بالتجنيس: أي الشخص الذي يحصل على الجنسية بمرسوم، وليس بقوّة القانون بعد استيفاء مجموعة من الشروط.

من ضمن الفئة الثالثة زوجات الكويتيين الأجنبيات اللواتي كُنَّ يحصلن على الجنسية بعد الزواج بفترة مُعيّنة، وبعد تحقيق الشروط المطلوبة وعلى رأسها الإنجاب. لكنّ ذلك أصبح من الماضي، مع التعديلات التي أقرّتها الحكومة على قانون الجنسية قبل أسابيع، بحيث لم يعد يترتّب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية، ولا على كسب الأجنبي الجنسية الكويتية أن تصبح زوجته كويتية.

يعني ذلك عمليّاً أنّه لم يعد بالإمكان حصول المرأة الأجنبية التي تتزوّج من كويتي على جنسيّته، إلا في حالات ضيّقة ونادرة وضمن شروط صارمة.

واللافت أنّ الأشخاص الذين سُحبت منهم الجنسيّات في الآونة الأخيرة، غالبيّتهم من النساء اللواتي كنّ متزوّجات من كويتيين، ثمّ خالفْنَ الشروط الواجبة بعد انتهاء الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة (حَصَلْنَ مثلاً على جنسية ثانية أو استَرْجَعنَ جنسيّاتهن الأصلية التي تنازَلْنَ عنها عند الحصول على الكويتية).

أمّا الأشخاص الآخرون فهم الذين حصلوا على الجنسية من خلال الواسطات والمحسوبيّات والتزوير والأقوال الكاذبة وما شابه.

التّعديل والتّصويت

تحكم الفئات الثلاث للجنسيّات 8 موادّ في القانون، أي أنّ الكويتيين يحملون جنسيّات وفق مادّة 1 (بالتأسيس)، مادة 5 (خدمات جليلة)، مادة 7 (أولاد المتجنّس) وغيرها.

يبدو وفق بعض المؤشّرات أنّه عند عودة الحياة البرلمانية أو الانتخابات بأيّ شكل من أشكالها، لن يكون ممكناً التصويت والانتخاب إلا لحملة “المادّة 1” (الكويتيين بالتأسيس).

اللافت أنّه على الرغم من وجود آلاف الحالات، إلا أنّه لم يُسجّل أيّ اعتراضات على السحب من قبل الأشخاص المعنيين، وهو ما يؤكّد ضمنياً إقرارهم بعدم صحّة حصولهم على الجنسيات، ويؤكّد أيضاً صحّة الإجراءات المتّخذة من اللجنة العليا لتحقيق الجنسية التي تضمّ ثلّة من أفضل الخبراء الدستوريين على مستوى الكويت والمنطقة.

في المحصّلة، يتوقّع كثيرون أن تؤدّي هذه الاجراءات الحازمة والمتواصلة بلا هوادة منذ أشهر عدّة، إلى تقليص أعداد المواطنين بعشرات الآلاف، علماً أنّ عدد الكويتيين حالياً، بحسب أحدث الأرقام الرسمية، يصل إلى حوالي 1.56 مليون شخص، من أصل 4.9 ملايين العدد الإجمالي لسكّان الكويت.

من ضمن هؤلاء 834 ألفاً كانوا في عداد الناخبين الذين يحقّ لهم التصويت في الانتخابات الأخيرة التي جرت في نيسان 2024، فيما يتوقّع أن ينخفض هذا الرقم بشكل كبير بعد إنجاز ملفّ “الهويّة الوطنية” وسحب الجنسيّات من غير مستحقّيها.

يعني ذلك أنّ أيّ انتخابات مقبلة، سواء كانت جزئيّة أو شاملة، ستؤدّي إلى نتائج مُغايرة تماماً لم تألفها الكويت منذ بدء الحياة السياسية فيها.

علاوة على ذلك، سينخفض حجم التقديمات الاجتماعية للمواطنين بشكل ملحوظ، وهو ما سيؤدّي تلقائياً في نهاية المطاف إلى تراجع سقف الإنفاق المخصّص للمواطنين (رواتب، قروض، أراضٍ، دعومات…) في ميزانية الدولة.

من الانعكاسات الآنيّة التي ظهرت أنّ الأشخاص الذين كانوا كويتيين وأصبحوا بلا جنسية، قد يخسرون أعمالهم بشكل تلقائي، مثل المحامين، حيث تضمّنت آخر دفعة من المسحوبة جنسيّاتهم، قبل أيام، 5 محاميات تمّ تعديل وضعهنّ مباشرة من قِبل جمعية المحامين، بحيث بتن يُعاملنَ كأجانب.

كذلك برَزَ موضوع القروض لأنّ المواطن يحصل على معاملة تفضيلية في القروض من البنوك، لكنّ من هو مُقترض منذ سنوات وخسر جنسيته، بات الآن يعامل كالمُقيم، وبالتالي لا تسري عليه الشروط السابقة، وربّما يصبح مُلاحقاً إذا لم يُسدّد ما عليه.

البدون

من النتائج المباشرة أيضاً أنّ كتلة جديدة ستنضمّ إلى فئة “البدون”، الذين يُشرف على أوضاعهم جهاز خاصّ مرتبط بوزارة الداخلية، يُعرف بالجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية.

هؤلاء يعيشون في الكويت منذ عقود، وهم ليسوا مواطنين ولا شأنهم كشأن المقيمين العرب والأجانب وإنّما بين الاثنين. فهم لا يحملون أيّ جنسية وتعود أصولهم إلى مشارب متنوّعة.

بعضهم يحمل إحصاء سنة 1965، وهو ما يعني أنّه قريب من التجنيس، وبعضهم الآخر تعود أصوله إلى العراق أو السعودية أو سورية أو إيران أو غيرها من الدول.

تندرج قضية “البدون” ضمن المفهوم الأشمل والمعنى الأوسع لملفّ “الهويّة الوطنية”، الشائك والمُعقّد، لأنّهم بنهاية المطاف موجودون كأمر واقع في الكويت، ولا بدّ من معالجة قضيّتهم.

في الآونة الأخيرة، أشارت تقارير إلى أنّ هناك توجّهاً أيضاً لحلّ هذه القضية بشكل جذري من خلال مسارين:

  • الأوّل: منح “البدون” الذين يكشفون عن وثائقهم الأصلية أو يعترفون بجنسيّاتهم إقامات طويلة من نوع خاصّ مع بعض الحوافز.
  • الثاني: “البدون” الذين لا يمكن إثبات أنّهم ينتمون لدولة أخرى بأيّ شكل من الأشكال، يتمّ تجنيسهم بجنسيّات دول أخرى، ويحصلون على معاملة تفضيلية أثناء وجودهم في الكويت.

من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت فئة المسحوبة جنسيّاتهم ستسلك هذين المسارين أيضاً، لكنّ الترجيحات تصبّ في إطار هذا التوقّع، على اعتبار أنّ من سُحبت جنسيّاتهم هم أشخاص لديهم جنسيّات أصلية (غالبيّتهم من السوريين حتى الآن بحسب بعض التقارير)، وبالتالي يمكنهم بسهولة العودة إلى أصولهم، سواء اختاروا البقاء في الكويت أو مغادرتها.

نايف سالم – الكويت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.