الكويت “بتتكَلّم” صيني

35

نايف سالم – الكويت

«أساس ميديا»

منذ حوالي عام، تعزّز حضور الصين في الكويت: من القمّة التي عقدت في أيلول 2023 بين الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح عندما كان وليّاً للعهد في ذلك الوقت مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى اللقاءات الوزارية الثنائية (وعددها بالعشرات)… إلى الجولات الميدانية في مواقع المشاريع الضخمة المرتقبة، وصولاً إلى القرار الذي اتّخذته الحكومة الكويتية في 6 آب الحالي بتشكيل لجنة برئاسة وزير الخارجية وعضوية عدد من الوزراء. ومهمّتها متابعة تنفيذ الاتفاقيات مع الصين، ورفع تقرير شهريّ إلى مجلس الوزراء.

يؤكّد كلّ ذلك أنّ القرار الكويتي واضح ومحسوم بالاعتماد على الصين، والاستفادة من خبرتها الواسعة في تطوير البنية التحتية العالمية. لإنجاز حزمة مشاريع كبرى تعوّل الحكومة عليها لتنفيذ خطّتها التنموية الاستراتيجية الطموحة (رؤية الكويت 2035).

في الزيارة المفصليّة التي قام بها الشيخ مشعل لبكين في أيلول 2023، تمّ توقيع 7 اتفاقيات ومذكّرات تفاهم تتعلّق بخطة خمسيّة للتعاون الثنائي تمتدّ من 2024 إلى 2028، والتعاون في مجالات المنظومة الخضراء المنخفضة الكربون لإعادة تدوير النفايات، والبنية التحتية البيئية لمحطّات معالجة مياه الصرف الصحّي، ومنظومة الطاقة الكهربائية وتطوير الطاقة المتجدّدة، ومشروع ميناء مبارك الكبير، والمناطق الحرّة والاقتصادية، والتطوير الإسكاني.

ميناء مبارك

يأتي على رأس الملفّات التي تعكس المصالح المشتركة بين البلدين مشروع ميناء مبارك الكبير الذي يعتبر أهمّ وأكبر مشاريع التنمية العملاقة، وأحد أكبر موانئ الشرق الأوسط، وتعوّل عليه الكويت ليكون محوراً رئيسياً لتجارة الترانزيت والنقل الإقليمي من خلال ربط آسيا الوسطى وشرق آسيا.

ومن أبرز أهداف بناء الميناء ربط البحر باليابسة بوسائط نقل متعدّدة، كالطرق السريعة والسكك الحديدية، وهو ما سيجعل الأراضي الكويتية محوراً رئيسياً لتجارة الترانزيت والنقل الإقليمي، ويساهم في تحويل الكويت إلى مركز تجاري إقليمي، مع تعظيم حجم الاستثمارات المحلّية واستقطاب الشركات والمستثمرين الأجانب.

مع الانتهاء من إنشاء ميناء مبارك الكبير، سيُعاد إحياء “طريق الحرير” الصيني من خلال بوّابة الكويت.

تبلغ تكلفة المرحلة الأولى من المشروع التي أُنجزت في 2014 حوالي 1.2 مليار دولار، تضمّنت تسوية الموقع وتطوير المارينا وجدران الرصيف والأرصفة ومحطّة ملاحيّة ومباني الموانئ.

من خلال الاتفاق مع الصين، تسعى الكويت إلى استئناف العمل في الميناء المتوقّف حالياً، من خلال المرحلة الثانية التي تشمل تركيب المعدّات التي تسمح للميناء ببدء العمليات، في ظلّ معلومات عن استعداد الكويت لرصد ميزانية ضخمة لهذه المرحلة قبل نهاية العام الحالي.

بالفعل تمّ في الأشهر القليلة الماضية تفعيل مذكّرة التفاهم بين البلدين، وأُجريت مباحثات فنّية وميدانية خلال زيارة وفد صينيّ تقنيّ رفيع المستوى للكويت شملت معاينة موقع الميناء ومواقع أخرى مثل ميناء الدوحة وميناء الشعيبة.

لا يتعلّق دخول الصين على خطّ الميناء بخطط التنفيذ والتشغيل وحسب، وإنّما يرتبط أيضاً بالمعطى السياسي، إذ إنّ وجود الصينيين في هذا الموقع الحيوي الواقع على الحدود البحرية مع العراق من شأنه إعطاء ما يشبه “الحصانة” في مواجهة أيّ مواقف سلبية من الجار العراقي، خصوصاً من الجماعات المدعومة من إيران، التي لطالما ردّدت معزوفة أنّ الميناء الكويتي الواقع على جزيرة بوبيان التي لا تبعد سوى 1950 متراً عن الحدود العراقية سوف يقلّل من أهمية الموانئ العراقية ويُقيّد الملاحة البحرية في ميناء خور عبدالله، ويجعل ميناء الفاو الكبير من غير قيمة اقتصادية.

في 2010 وضع العراق حجر الأساس لميناء الفاو، وفي 2011 وضعت الكويت حجر الأساس لميناء مبارك الكبير، ونشبت أزمة سياسية حينذاك قبل أن يتمّ احتواؤها والمضيّ قدماً.

سيعطي دخول الصينيين الآن الكويت دفعاً أكبر لتجاوز أيّ خضّات سياسية محتملة.

تسريع الإنجاز

تشمل المذكّرات والاتفاقيات مع الصين مشاريع كبرى أيضاً في مجالَي الإسكان والكهرباء والطاقة المتجدّدة تحتاج إليها الكويت بشدّة لتحريك عجلة التنمية التي يراد أن تستعيد عافيتها مع استقرار الوضع الحكومي وعدم وجود برلمان يعرقل ويؤخّر الإنجاز.

منذ نهاية العام الماضي بدأت اللقاءات والمحادثات التقنية بين البلدين، لكن يبدو أنّ الإنجاز لم يكن بالمستوى المأمول، وهو ما دفع الحكومة الكويتية قبل حوالي 3 أسابيع إلى تشكيل لجنة برئاسة وزير الخارجية من أجل وضع الاتفاقيات موضع التنفيذ. ويعكس قرارها برفع تقرير شهري إلى الحكومة التوجّهَ الحاسم نحو تخطّي العقبات البيروقراطية والدورة الروتينية للانتقال من التخطيط إلى التنفيذ.

السّياسة والاقتصاد

في حين أنّ الصين تنظر بعين الاحترام إلى ما قامت به الكويت لأنّ الأخيرة كانت أوّل دولة بالمنطقة توقّع معها وثائق تعاون في إطار بناء “الحزام والطريق” في 2014، فإنّ الكويت على غرار الدول الخليجية والعربية والأخرى ترتاح إلى التعامل مع الصين التي ترى أنّ “الشرق الأوسط موطن شعوب الشرق الأوسط، وليس فناء خلفيّاً لأحد”. فقد تعاملت بعض الدول لفترة طويلة مع الشرق الأوسط كأنّه “رقعة شطرنج استراتيجية” ومع الدول الإقليمية كأنّها “بيادق”، و”أثارت صراعات وأقامت حواجز بشكل متكرّر، وهو ما يشكّل عنصراً مهمّاً للاضطرابات الإقليمية”، وفقاً لتصريحات صحافية أخيراً لسفيرها في الكويت تشانغ جيانوي الذي شدّد على أنّ “الصين تسعى إلى العدالة، وليست لديها مصالح أنانيّة في الشرق الأوسط، وهي صديق مخلص للدول العربية”.

هذه الرؤية الصينية، التي تقوم على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى مع الوساطة الهادئة على المستوى الاستراتيجي عندما تسمح الظروف، تشكّل عامل اطمئنان في التعامل معها، وهو ما يؤدّي إلى توسيع التعاون الاقتصادي.

الصين اليوم أكبر شريك استراتيجي للكويت في المجال غير النفطي، مع وصول التجارة الثنائية إلى 22 مليار دولار في 2023.

كما أنّ الكويت هي تاسع أكبر مصدر لواردات النفط الخام للصين بـ24.5 مليون طن، مع توقيع شركات النفط الصينية اتفاقيات طويلة الأجل لشراء النفط الخام من شركة البترول الكويتية.

يعمل حالياً في الكويت نحو 60 شركة صينية تشارك في أكثر من 80 مشروعاً، وهي مرشّحة للزيادة في الأشهر المقبلة.

سندافع عن مصالحنا

مع أنّ الكويت لا تنظر إلى الخلف في مسار التعاون مع الصين، إلا أنّ السؤال الذي يبقى مطروحاً يتعلّق بماهية الموقف الأميركي من تعميق العلاقات الكويتية – الصينية خصوصاً، والخليجية – الصينية عموماً، ربطاً بتجارب سابقة أظهرت حساسية أميركية من الدخول الصيني إلى الخليج من بوّابة المشاريع الكبرى.

في هذا الصدد، كان للسفير الصيني في الكويت تصريح دقيق قبل أسابيع: “سندافع عن مصالحنا الجوهرية بثبات، خصوصاً في القضايا المتعلّقة بسيادة الدولة ووحدة أراضيها. وبالنسبة للتعاون الاقتصادي مع الكويت ودول المنطقة ندعو إلى الفوز المشترك. ولا نتخوّف من أطراف أخرى قد تؤثّر على تنفيذ المشاريع ونثق بحكمة القيادات والشعوب، ومنها الكويت”.

نايف سالم – الكويت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.