الشّرق الأوسط بعد مناظرة بايدن الكارثيّة
بقلم نديم قطيش
«أساس ميديا»
أثار الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن في المناظرة الرئاسية، الذعر في العالم كلّه، لا في أوساط الديمقراطيين وحسب.
رئيس الولايات المتحدة، في كثير من النواحي، هو رئيس الكوكب برمّته، بوصفه رأس أكبر اقتصاد في العالم والقائد الأعلى لأقوى جيش على وجه الأرض. وعليه فإنّ ما يصيب هذا الرئيس أو ما يصدر عنه من قول وفعل يؤثّر في عموم السياسات الدولية السياسية والاقتصادية والأمنيّة.
لا شأن أخطر اليوم، بالنسبة للشرق الأوسط، من الفترة الفاصلة بين الآن وموعد تسلّم رئيس جديد في البيت الأبيض، في ظلّ انكشاف حال الضعف البدني والذهني للرئيس الأميركي بايدن، والرسائل التي يبعثها ذلك لكلّ من حلفاء وخصوم أميركا.
منطقتنا في أمسّ الحاجة إلى قيادة أميركية قوية ونشيطة وقادرة على رعاية الحلول والمبادرات المطلوبة. ليس خافياً أنّ الشرق الأوسط، منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ثمّ الحرب التي نجمت عن ذلك، يعيش أخطر حال من الاضطراب المنذر باحتمالات التوسّع إلى ما هو أشدّ هولاً. فاقتراحات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء بين إسرائيل وحماس، المرفوضة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقائد حماس في غزة يحيى السنوار، باتت في وضع أسوأ بعد المناظرة، التي أظهرت الرئيس الأميركي في حال من الضعف وفقدان الرصيد السياسي لفرض إرادته. ولن يكون مستبعداً أن يستغلّ الطرفان هذه الأسابيع الـ 18 الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لمحاولة تغيير الواقع على الأرض، مع كلّ ما يعنيه ذلك من قتل وتهجير ومعاناة، لا سيما على الجانب الفلسطيني.
لبنان على حافة حرب
يقف لبنان على حافة حرب غير مسبوقة مع إسرائيل، تهدّد بجذب إيران ودول أخرى إليها في أيّ لحظة. قبل أيام هدّد أمير سعيد، رئيس بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، بأنّ إسرائيل ستواجه حرباً تدميرية، بما في ذلك “فتح جميع الجبهات في وجهها”، إذا شنّت هجوماً على الحزب. سبق ذلك تهديد فريد من نوعه لزعيم ميليشيا الحزب حسن نصرالله لقبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي. صحيح أنّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قد نجح حتى الآن في تثبيت قواعد اشتباك بين الحزب وإسرائيل، بيد أنّها قواعد بالغة الهشاشة، تضع الحرب المفتوحة على بعد خطأ واحد من أيّ من الجانبين.
أمّا في اليمن، فتُبرز اعتداءات ميليشيا الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر حيث يمرّ ما لا يقلّ عن 15% من التجارة الدولية، والهجمات على السفن العسكرية الأميركية، تنامي جرأتهم وقدرتهم على تهديد طرق الشحن الحيوية، وصمودهم في وجه جهود الولايات المتحدة لوقف هذه الاعتداءات.
المبادرات على الرفّ
سياسياً، يبدو أنّ المبادرات الكبرى في الشرق الأوسط ستوضع على الرفّ، لا سيما الصفقة الكبرى الطموحة بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة والتي تتضمّن تطبيعاً للعلاقات الإسرائيلية السعودية مقروناً بمعاهدة دفاع استراتيجي سعودية أميركية، وتفاهمات حول بناء مفاعل نووي سلميّ للرياض يتضمّن برنامجاً لتخصيب اليورانيوم. فلا أحد من أصحاب المصلحة في هذه المبادرات، لا في إسرائيل ولا في المملكة، سيهدي رئيساً كبايدن انتصارات دبلوماسية كبيرة، مع العلم أنّ الرئيس الأميركي لا يوحي بأيّ ثقة بأنّه قادر على حماية تعهّداته وضماناته في صفقات ومناورات تنطوي على الكثير من التنازلات الاستراتيجية من الأطراف كافّة.
كما الحلفاء، كذلك الخصوم، سيرون في الأسابيع الـ 18 المقبلة، إمّا فرصة للانتظار وتجميع الأوراق، وإمّا مناسبة لرفع مستوى التحدّي لمصالح واشنطن واختبار حدود التصعيد والتوتّر التي يمكن الذهاب إليها، مراهنين على أنّ الردّ الأميركي سيكون من نفس خامة الضعف التي ظهر عليها بايدن في مناظرته.
في فترة مماثلة من التاريخ، اختار الخميني انتظار اكتمال الانتقال الرئاسي من الرئيس الضعيف جيمي كارتر إلى الرئيس رونالد ريغان لإتمام التفاوض على صفقة الإفراج عن رهائن السفارة الأميركية في طهران، وأطلق سراحهم في 20 كانون الثاني، أي في يوم تنصيب ريغان رئيساً ودخوله البيت الأبيض.
نجاحات الجهود الدبلوماسية أو العسكرية الأميركية الماضية، مثل اتفاقات كامب ديفيد والاتفاقات الإبراهيمية، والائتلاف الدولي الذي قاده الأميركيون لتحرير الكويت، وقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بُنيت على أسس إدارات أميركية قويّة وحاسمة. استمرارية مثل هذه القيادة مسألة ضرورية للحفاظ على السلام العالمي، وضمان الأمن، وتعزيز العمل المشترك في مواجهة التحدّيات العالمية الملحّة.
مع مواجهة الشرق الأوسط تحدّيات غير مسبوقة، لم تكن الحاجة إلى قيادة أميركية قويّة وفعّالة أوضح ممّا هي الآن.
النقاشات التي يجريها قادة الحزب الديمقراطي الآن، بشأن انسحاب الرئيس بايدن من السباق أو استمراره فيه، لا تتعلّق فقط بمصير أميركا وحدها، بل بأولويات اقتصادية وسياسية وأمنيّة عالمية، من شأن إهمالها أو القفز فوقها أن يهدّد دور الولايات المتحدة كركيزة للقوّة والاستقرار على المسرح الدولي.
نديم قطيش