الزلزال السوري: الخليج مرتاح لسقوط الأسد وقلقٌ من “العثمنة”
نايف سالم – الكويت
«أساس ميديا»
“ترحيب مشوب بالحذر وارتياح مع ترقّب”… مختصر الموقف الخليجي العامّ تجاه تطوّرات الأوضاع في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد. فدول مجلس التعاون، التي ساندت الثورة منذ بداياتها في آذار 2011، تنظر بعين الرضا لسقوط النظام الذي أغرقها ودولاً أخرى بالكبتاغون، وجعل سورية حلقة الوصل والربط في المحور الإيراني، بيْدَ أنّها تخشى في الوقت نفسه الفوضى والانقسامات، وتقدُّم “المشروع العثماني” على حساب المشروع العربي في بلاد الشام.
صحيح أنّ بعض دول الخليج حاولت في السنوات القليلة الماضية فتح الأبواب أمام النظام السابق، أملاً بتغيير سلوكه، وصولاً لتحسين أوضاع الشعب السوري وإرساء الاستقرار، “إلا أنّنا لم نكن نعوّل كثيراً على خروج بشار الأسد من العباءة الإيرانية، ليس لعدم الرغبة وإنّما لعدم القدرة على ذلك”، على حدّ قول دبلوماسي عربي في الكويت لـ”أساس”.
يضيف أنّ الهدف كان ولا يزال الاستقرار والأمن ومساعدة الشعب السوري، لكنّ التقديرات في بعض الدول الخليجية أنّ الأسد لم يُقدّر أهميّة الجهود التي بُذلت بعد عودة نظامه إلى الجامعة العربية، بل ضرب بعرض الحائط كلّ الوعود التي تعهّد بها لدول خليجية، وحاول أن يلعب دور “الراقص على الحبال” الذي سقط بنهاية المطاف.
6 مرتكزات
أكّدت كلّ البيانات التي صدرت عن دول الخليج 6 مبادئ ومرتكزات رئيسية:
1- دعم خيارات الشعب السوري والوقوف إلى جانبه في هذه المرحلة المفصليّة.
2- ارتياح للخطوات التي تمّ اتخاذها من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة ومقدّراتها.
3- تضافر الجهود للحفاظ على وحدة أراضي سورية وصون سيادتها واستقلالها.
4- الحؤول دون الانزلاق نحو الفوضى والانقسام.
5- ضرورة دعم المجتمع الدولي لسورية مع عدم التدخّل في شؤونها الداخلية من قبل بعض الدول.
6- رفض التحرّكات الإسرائيلية واحتلال المنطقة العازلة في هضبة الجولان.
على غرار السواد الأعظم من الدول العربية، تنظر دول الخليج بارتياح شديد لـ”انكسار” المحور الإيراني وأفول عصر الميليشيات الأجنبية الدخيلة، التي سعت إلى فرض أجندات خارجية على الشعب السوري. وترتكز في موقفها حيال سورية على ضرورة الذهاب نحو الاستقرار من خلال مرحلة انتقالية، تُشرف عليها الأمم المتحدة، وتقود بنهاية المطاف إلى قيام دولة وطنية حقيقية.
جهود جماعيّة
في ظلّ حالة عدم اليقين السائدة، فإنّ الاجتماع الأوّل للحكومة المؤقّتة التي تسلّمت السلطة الانتقالية في دمشق “لم يكن موفّقاً”، برأي الدبلوماسي العربي، لأنّ “علم الثورة السورية يعتبر كافياً في مقرّ رسمي، ولا حاجة لعلم آخر”، في إشارة إلى علم “هيئة تحرير الشام”.
يضيف أنّ “تفرّد فصيل واحد من فصائل المعارضة بتعيين رئيس الحكومة وتسمية وزرائها، هو مؤشّر مُقلق، لأنّ المعارضة السورية ذات تلاوين متنوّعة، ولطالما عملنا معها لسنوات طويلة، سواء عبر الهيئات الرسمية مثل الائتلاف السوري أو الشخصيات المعروفة بمعارضتها للنظام السابق منذ بدايات الثورة”.
يسأل الدبلوماسي: “أين هم هؤلاء في المرحلة الانتقالية؟ وما هو دورهم في ترتيبات انتقال السلطة؟ وهل تتفرّد “هيئة تحرير الشام” والفصائل ذات التوجّهات المتشدّدة بالحكم لبسط سطوتها ونفوذها على مؤسّسات الدولة؟”.
من وجهة نظر خليجية، فإنّ الاستقرار في سورية بحاجة إلى جهود جماعية ليس فقط من أبناء الوطن المُنهك، وإنّما أيضاً من دول الجوار والدول العربية والإسلامية، لأنّ استقرار سورية مصلحة للجميع، وسقوطها في الفوضى سيؤثّر على أمن واستقرار الجميع.
تبقى التجارب السابقة ماثلة في التقويم الخليجي لما يجري في سورية. فسيناريو العراق وتحلّل المؤسّسات عانت منه المنطقة سنوات، وتجربة ليبيا ما بعد القذّافي تشي بالتقسيم بعد اقتتال مرير وصراع على النفط، وما يجري في السودان منذ سقوط نظام البشير يعكس حجم التعقيدات التي تضرب أيّ دولة في مرحلة التغيير والانتقال من حقبة إلى أخرى.
هذا لا يعني طبعاً أنّ دول الخليج تؤيّد الأنظمة الساقطة والمخلوعة، لكنّها “تريد وصول الدول إلى مرحلة الاستقرار بقرارها الذاتي الوطني”، يقول الدبلوماسي، موضحاً أنّ “إرساء حكم متشدّد في سورية ليس في مصلحة أبنائها، لأنّها بلد متنوّع يضمّ عشرات الطوائف والمِلل والجماعات العرقية، وفي الوقت نفسه ليس من مصلحة سورية أن تصبح تابعة لتركيا أو دائرة في فلكها ومشروعها”.
يلفت الدبلوماسي إلى أنّ العلاقات التركية – الخليجية قويّة على المستوى الثنائي والجماعي، سياسياً واقتصادياً وبمجالات متنوّعة، لكنّ ذلك لا يعني الموافقة على “المشروع التركي” الذي يُعدّ أحد المشاريع الثلاثة الكبرى في المنطقة، إلى جانب الإيراني والإسرائيلي.
مفارقات
منذ سقوط النظام وفرار بشار الأسد الأحد الماضي، عبّرت دول الخليج مُجتمعة عن موقفين رئيسيَّين: الأوّل يتمثّل بدعم خيارات الشعب السوري والتحذير من أيّ فوضى، والثاني يعكس إدانة الانتهاكات الإسرائيلية لخطّ فضّ الاشتباك وتوغّلها داخل الأراضي السورية، وتوجيه ضربات واسعة إلى القدرات العسكرية الاستراتيجية.
يمكن تسجيل بعض المفارقات من خلال ما يلي:
– رفضت الكويت، وفق معلومات خاصة لـ”أساس”، رفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة، رابطة أيّ تغيير بوجود اعتراف من المجتمع الدولي بالسلطات الجديدة، وفق الأعراف المستقرّة والسائدة.
– نبّهت الكويت، من خلال بيان تحذيري لوزارة الداخلية، من تنظيم “أيّ مسيرات احتفالية تحت أيّ مسمّى”، ملوّحة باتّخاذ إجراءات صارمة تجاه أيّ مقيم يخالف ذلك قد تصل إلى الإبعاد الإداري عن البلاد.
– شارك سفراء السعودية والإمارات وعُمان والبحرين، إلى جانب سفراء العراق ومصر والأردن وإيطاليا، في لقاء مع إدارة الشؤون السياسية في السلطة الجديدة في سورية، الثلاثاء الماضي، في مؤشّر إلى فتح دول الخليج الأبواب أمام السلطات الجديدة لاستكشاف التوجّهات وبحث آليّات التعاون المُحتمل.
– يتميّز موقف قطر عن باقي دول الخليج بأنّها كانت وبقيت من الدول الأساسية التي ساندت المعارضة بمواجهة نظام الأسد، علاوة على ارتباطها بعلاقة وثيقة مع تركيا، التي باتت اللاعب الإقليمي الأوّل في سورية، وبعلاقات مباشرة مع العديد من فصائل المعارضة، على رأسها “هيئة تحرير الشام” التي يتصدّر زعيمها أحمد الشرع (الجولاني) المشهد السياسي، وسط مؤشّرات إلى أنّ الدوحة ستستعيد دورها ونفوذها الكبيرين في المرحلة اللاحقة.
لا تستبعد أوساط متابعة أن تصبح قطر الداعم العربي الأوّل للحكم الجديد في سورية، وأن تُقدّم مساعدات مالية تحتاج إليها الخزينة السورية، التي “لا تحوي إلا نقوداً بالعملة السورية لا تساوي شيئاً يُذكر بالدولار”، بحسب ما أكّد رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير لصحيفة “كورييري دي لا سيرا” الإيطالية، الأربعاء الماضي، معلناً أنّ سورية ليست لديها حالياً سيولة بالعملات الأجنبية، وأنّ الحكومة الجديدة لا تزال تجمع بيانات عن القروض والسندات.
نايف سالم – الكويت