الحرب العبثية … أخطر من الحرب النفسية
بقلم د. باسم عساف
تتسارع الأحداث يوماً بعد يوم، جرّاء نتائج عملية طوفان الأقصى، التي قضت على كل ما بناه بني صهيون منذ أكثر من مائة سنة حيث إستخدم فيها الحرب النفسية على العرب والمسلمين في العالم، والمنطقة العربية بالذات، الني جعلها محوراً أساسياً لخوضها والتركيز عليها، تحت شعار العودة لقيام مملكة داوود ويهوذا، وإعادة بناء هيكل سليمان وإنشاء الكيان الصهيوني اليهودي( إسرائيل من الفرات إلى النيل ) ليكون مقدمة لحكم العالم، وقد نجح في حربه النفسية، التي أنتجت هزائم متكررة للجيوش العربية بفعل التآمر والخيانات من قادة أنظمتها، التي إرتضت بالهزائم، مقابل إستمراريتها على المناصب والعروش، لها ولحاشيتها وأنصارها، على حساب الأرض والعرض والفرض، بالإعداد والقتال لطرد اليهود من الأراضي المقدسة وفي مقدمتها الأقصى الشريف.
إن الفضائح التي كشفت الوجوه وأزالت الأقنعة عن رؤوس القادة والزعماء في العالم، وعند العرب بالذات، قد أزالت أيضاً الهيبة المصطنعه، لتتبين الخيبة المُمَنعة، تحت ستارات الوحدة والتحرير وإزالة الكيان من الوجود، وليتبين أن ذوي القربى أشدُّ مضاضةً من العدو ووقع الحسام المهند على شعوبها، والتي تساوي حالياً أشد أنواع البطش والقصف والتدمير، وإستخدام أسلحة الدَّمار الشامل مع شعوب المنطقة العربية لكشفها حقيقتهم.
بينما نجد عندها، عكس المطلوب منها، حيث أرسلت على مدى سنين طويلة، المساعدات والتقديمات للكيان الغاصب، بشتى أنواع المواد وعلى أكثر من صعيد، ومع الإعتذار الشديد لهم، لو أن مساعداتهم لهم كانت أكبر وأكثر، حتى يكتمل الوفاء بالتطبيع الكامل، لئلا يغضب عليهم قادة الكيان، الذين هم أسيادهم وأولياء نعمائهم وسبب وجودهم ودوام حكمهم وإستمرار تسلطهم على رقاب العباد والبلاد.
اليوم. ومع إنتهاء مفعول الحرب النفسية، التي تعتمد على العمليات السرية والتعاون الخفي مع القادة والحكام وكل الخونة، الذين يروِّجون التعليمات والمعلومات الكاذبة والمعاكسة، حيث تنتشر عبر الأتباع والأنصار والعملاء، الذين يجيدون نشر الأكاذيب والإشاعات والإفتراءآت، خاصة التي تتفشى بسرعة نظراً لشد الأعصاب عند إحتدام الأمور الأمنية، والخوف لدى الناس والشعوب من المجهول القادم عليهم بالصورة الطائفية والمذهبية والعنصرية، وتحوي في مضمونها القتل والإبادة الجماعية، أو الترحيل والنزوح والتشريد، أو التعسيف والإستبداد والسحق، لكل معترض أو مواجه أو مقاوم، وكل من لايسير على دربهم، ويقدم الطاعة والولاء والجلاء بالموقف المؤيد والمناصر لمسيرتهم الظافرة.
هذا الأمر، وهذه الصورة عن واقع الحال، وهذه المشاهد التي بانت على حقيقتها في أرجاء الأرض، وفي معظم الدول العالمية، والتي تتوضح أكثر مع الدول العربية والإسلامية، لأنها الهدف الأكبر والأساسي لدى قادة الكيان الصهيوني، حيث ستكون خارطة الطريق لقيام دولة إسرائيل الكبرى على أراضيها وإنطلاقاً منها.
لذا نشهد من جهة العمل، الذي هو جارٍ بسرعة كبيرة مع الأنظمة للتطبيع، والتدابير التي تستعجل الحرب، وإستخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة للإذعان والتنمير، مع الشعوب الرافضة، أو التي تقاوم الإحتلال وتعمل للتحرير.
من هنا، ومع عملية طوفان الأقصى، فقد ظهرت هشاشة العدوان وخذلان العملاء، وضعف الكيان المركب بتركيب المصالح والأضاليل والأكاذيب، التي إعتمدت الحرب النفسية والإشاعات معها، وقد إنكشفت حقيقتها ولم تعد تجدي مع الشعوب العربية والعالمية، حيث لم تعد تنطلي عليها هذه الإفتراءآت.
لذلك فالعدو الصهيوني بات يستخدم البدائل في حروبه العبثية، التي تعتمد على إثارة العواطف وخاصة النعرات العشائرية كما حدث في غزة لتقليبها على المقاومة فيها، وقد باءت بالفشل، وقبلها بالإثارة الحزبية والفصائل الفلسطينية على بعضها، وقد أفشلها المجاهدون والمقاومون بوعيهم وحميتهم للدفاع عن أرضهم.
إنتقلت قيادة الكيان إلى الإثارة العنصرية والطائفية والمذهبية، لدى الشعوب المناهضة في المنطقة العربية، وخاصة في دول الطوق بالأردن والعراق وسوريا كما اليمن، وأيضاً في لبنان أخيراً حيث كانت له تجارب سابقة في هذه الفتن، لتعود وتبرز من جديد، لإثارة الحرب العبثية والفصل بين أبنائه بدواعٍ واهيةٍ، تثير الشعور العنصري تجاه النازحين السوريين وطردهم، أو إبعادهم عن مناطق دون أخرى، كما حدث سابقاً مع الفلسطينيين لأجل إخراجهم أو إبعادهم عن مناطق محددة.
كانت الأحداث المشؤومة على لبنان ككل، في فتنٍ عمياءٍ طالت البشر والحجر، أكان بالقتل أو بالتدمير، أو بتفريغ الدولة ومؤسساتها حتى آخر حصن فيها.
المأساة اليوم، تتكرر مع إحتقانٍ جديدٍ، ودعواتٍ للفتن العنصرية والمذهبية والحزبية، ضمن صِيغٍ شعبويةٍ تحت شعار : (كل حزب بما لديهم فرحون)، ولا يستبعد منها تنفيذ أجندة تسوية المنطقة على أساس خارطة الطريق.
البدائل في المواجهة تفرض نفسها لدى كل الأطراف، سيما أن الحق الذي سُلب لأعوامٍ عديدةٍ، وأستبدل بالتورية والكذب والتقية، وخوفاً مما إستجد على الساحة الفلسطينية وخلفيتها العربية والإسلامية عملاً بالقاعدة الوجودية : (وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا )، وقد بانت حقيقة الجميع عندما تحرك أصحاب الحق وأبناء الأرض الحقيقيين لإستعادة أرضهم ولوقف الإذعان بهم من هنا وهناك خاصة من كسر شوكة وهيبة العدو المحتل، وأتباعه من كل نظام معتل، حتى بدأت الخطط البديلة والتحرك لإستبدال الحرب العسكرية والنفسية، التي هزموا بها إلى حروب فتنوية وعبثية أخرى، علهم يحصلون على أي نصرٍ مركب، ليغطّوا به نكباتهم ونكساتهم المتجددة والمتكررة أمام المجاهدين في فلسطين الصامدة.
لقد أثبتت المواجهات الحربية على أرض الواقع، بأن جيش الكيان مُنِيَ بهزائمَ عديدةٍ، وغير متوقعةٍ، أو كما إعتاد عليها مع جيوش الأنظمة، التي تتقهقر أو تنهزم قبل بدء المعركة التي تسبقها الحرب النفسية، وتأجيجها من قبل الأنظمة المتعاونة، حتى تكون مُبرَّرةً أمام شعوبها لتقبَل الهزيمة المُتفَق عليها مسبقاً مع الأسياد.
وما إستخدام معلومات وأهداف أجهزة الإستخبارات المعادية إلا وسائل جديدةٍ، تنفذها عبر الإغتيالات المباشرة أو عبر المسيرات والتكنولوجيا التي تحتويها لإغتيلات القادة الميدانيين أو السياسيين، حتى تحدث بلبلة عند قيادة المقاومة، أو إحداث فجوة كبرى في قيادتها تستطيع من خلالها إضعافها أو هزيمتها بفقدان عناصرها الأساسية، كما حصل في لبنان وسوريا وحاولوا عبثاً أن يحققوها في غزة وفلسطين، التي إحتسبوا وأعدوا العُدُة الكاملة لهذا الحدث، مما إنعكس سلباً على قيادة الكيان، وباتت هي بين فكّي الكماشة من الخارج والداخل، وتأثيرها السلبي بات عبئاً على وجود الكيان وتركيبته الصهيونية الفارغة.
وإن حروبها الفتنوية والعبثية، ستلقى ذات النتائج لحروبها الحربية والنفسية، لأن قواعد الإشتباك ليست كما هي عند الأنظمة والسلطات المتوافقة والمتناسقة بالمصالح والأهداف، حيث غايتها تؤكد مبدأ وسيلتها، ولا تبررها لمصلحة الوصول إلى غايتها.
د. باسم عساف