الجولاني يتوجّه لمحاصرة دمشق؟؟ (1/2)
بقلم ابراهيم ريحان
«أساس ميديا»
بعد وقف إطلاق النّار في لبنان، كانت الأنظار تتّجهُ إلى سوريا. توقّع كثيرون أن يكونَ الجنوب السّوريّ من الكسوة في ريف دِمشق إلى محافظة السّويداء هو مسرح الأحداث المُنتظرة على السّاحة السّوريّة. لكنّ ما لم يكُن في الحُسبان هو أن تشتعِل جبهة الشّمال بهذه السّرعة، وأن تسقطَ العاصمة الاقتصاديّة لسوريا مدينة حلب في أقلّ من 24 ساعة، وأن يصل المعارضون إلى حماة. والجديد هو الرسالة التي أطلقها أبو محمد الجولاني أمس مخاطباً “أهالي درعا وحمص ودير الزور”، ما يعني أنّه مصمّمٌ على التوجّه إلى محيط العاصمة السورية دمشق. وبالتالي يبدو أنّ تركيا متّجهة إلى محاصرة الرئيس بشّار الأسد في الشام.
ماذا يحصُل في سوريا؟
يشهدُ النّزاع السّوريّ تحوّلاً نوعيّاً بعدما أطلقَت فصائل المُعارضة في الشّمال بالتّعاون مع “هيئة تحرير الشّام” (“جبهة النّصرة” سابقاً) هجوماً واسعاً من إدلب وصل إلى حلب وحماة تحت مُسمّى “ردع العدوان”. استطاعت المُعارضة ومعها “تحرير الشّام” التي يتزعّمها أحمد الشّرع، الملقّب بـ”أبي محمّد الجولانيّ”، السّيطرة على مدينة حلب ومساحاتٍ واسعة في ريفها الشّماليّ والغربيّ والجنوبيّ وما تحتويه من مراكز ومطارات عسكريّة، وقطع طريق إمداد النّظام المعروف باسم طريق “M5”. فعلت الشيء نفسه في حماة حيث تخوض معارك ضاريةتنتهي بالسيطرة على حماة وريفها.
وقد علم “أساس” أنّ هناك محاولات قطرية لعقد اجتماع يوم الاحد المقبل بين قادة فصائل المعارضة السورية، ووزراء خارجية ممثّلين عن دول عربية وأوروبية، لبحث المستجدّات السورية، ولمحاولة رسم أطر المرحلة المقبلة وإمكانية التغيير السياسي في سوريا.
لكنّ مصادر تركية قالت لـ”أساس” إنّ التطوّرات العسكرية، خصوصاً بعد دخول حماه والتوجّه صوب حمص وطريق دمشق، لم تعد تسمح للمعارضة بالقبول بما كانت تطالب به قبل أسابيع وأشهر وسنوات. وأنّ ميزان القوى تغيّر كثيراً.
تركيا تريد مشاركة “الإخوان” في السّلطة
يقول مصدرٌ مسؤول في العاصمة السّوريّة دمشق لـ”أساس” إنّ هجوم المُعارضة جاءَ بطلبٍ تُركيّ للضّغط على النّظام بعدما رفضَ 3 مطالب تُركيّة طوال فترة المُفاوضات التي كانت ترعاها روسيا حتّى لحظة بدء هجوم المُعارضة في حلب.
يُلخّص المصدر “المطالب التّركيّة” بالآتي:
- دمج مُسلّحي المُعارضة الموالين لتركيا في قوّات الجيش النّظاميّ.
- إفساح المجال أمام جماعة “الإخوان المُسلمين” للدّخول في الحكومة السّوريّة وللترشح إلى مجلس الشّعب.
- إعادة 3 ملايين لاجئ سوري من دون أيّ ترتيبات سياسيّة واقتصاديّة في ظلّ ما تعانيه حكومة دمشق بسبب العقوبات الأميركيّة وأبرزها “قانون قيصر”. إذ يعتبر النّظام أنّه لا يُمكن لحكومته أن تستوعب هذا العدد من اللاجئين وتحمّل كلفة معيشتهم من دون أيّ خطوةٍ من شأنها إعادة تعويم وضعه الاقتصاديّ.
تعتبر دمشق أنّ أنقرة تُحاول استغلال 3 عوامل ميدانيّة لفرضِ واقعٍ جديدٍ على السّاحة السّوريّة.
أوّلها: الضّربات الإسرائيلية العسكريّة القاسية التي تعرّضَ لها “الحزبُ” في لبنان.
ثانيها: أنّ “الحزبَ” نقلَ قسماً وازناً من قوّاته التي كانت تتمركَز في مدينة حلب وريفها الغربيّ والجنوبيّ إلى الجبهة اللبنانيّة وأيضاً إلى الجنوب السّوريّ، خصوصاً بعد الأنباء التي تحدّثت عن إمكانيّة أن يقوم الجيش الإسرائيليّ بعمليّة التفافٍ عبر الجولان السّوريّ المُحتلّ نحوَ البقاع الغربيّ.
ثالثها: اغتيال الأمين العامّ لـ”الحزبِ” السّيد حسن نصرالله، والآثار المعنويّة التي ترتّبت على ذلكَ على معنويّات مُقاتلي “الحزبِ” وجميع الفصائل الموالية لإيران.
تراجع نفوذ إيران… وتغيّر “المزاج” الرّوسيّ
رابعها: ضعف النّفوذ الإيرانيّ بعد الضّربة التي تعرّضَ لها “الحزبُ” في لبنان ومقتل عدد كبير من المُستشارين الإيرانيين بفعل الاغتيالات الإسرائيليّة في سوريا ولبنان، علاوة على القرار الإسرائيليّ بمنع هبوط طائرات الشّحن الإيرانيّة التي تحمل أسلحةً في مطارات سوريا، وصعوبة نقل المُقاتلين عبر معبر البوكمال الحدوديّ مع العراق بسبب المُتغيّرات الإقليميّة. تُضاف إلى ذلكَ الأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي تعصفُ في الدّاخل الإيرانيّ بسبب العقوبات الأميركيّة.
خامسها: الأزمة الاقتصاديّة التي تُعاني منها دِمشق، وهو ما ينعكسُ سلباً على البيئات الحاضنة ومناطق سيطرة النّظام من دمشق إلى حلب مروراً بحماة وحمص والسّويداء ودرعا.
سادسها: نقلت روسيا ثقلها العسكريّ والسّياسيّ نحوَ الجبهة الأوكرانيّة مع الغرب وأوروبا. إذ أدّت أولويّة هذه الجبهة بالنّسبة لموسكو إلى خفضِ التّركيز العسكريّ على الجبهة السّوريّة. في هذا الإطار تشير معلومات “أساس” إلى أنّ قاعدة حميميم الرّوسيّة كانت تعملُ في الآونة الأخيرة بـ10 طائرات حربيّة نشِطة وعددٍ محدود من أنظمة الدّفاع الجوّي. وذلك بعدما نقلت موسكو قسماً وازناً من تجهيزاتها الهجوميّة والدّفاعيّة والخبراء العسكريين لدعم العمليّات على الجبهة الأوكرانيّة.
سابعها: قامت تركيا طوال الفترة الماضية بتنظيم عمل مجموعات المُعارضة، وتكاد تكون المرّة الأولى التي تقوم فيها المُعارضة بشنّ عمليّة تحت إشراف قيادة وغرفة عمليّات موحّدة. كما باتَ واضحاً أنّ المُعارضة باتت تستعمل أسلحةً وتقنيّات جديدة، أبرزها الطّائرات المُسيّرة البعيدة المدى التي اعتمَدَت عليها بشكلٍ أساسيّ لضربِ مواقع أساسيّة واستراتيجيّة ومستودعات إمداد قوّات النّظام.
تُركيا تُحاول طمأنة العَرَب؟
يُدركُ القائمون على الملفّ السّوريّ في تُركيا أنّ الدّول العربيّة تولي أهميّة قصوى لـ”استقرار وتماسك مؤسّسات الدّولة”، وأن لا تكونَ سوريا مُجدّداً ملاذاً للمُقاتلين المُتطرّفين من مُختلفِ الجنسيّات، لما لذلكَ من انعكاسٍ مُباشر على الأمن القوميّ العربيّ. وقد كانَ ذلكَ واضحاً في الموقفيْن المصريّ والإماراتيّ، اللذيْن عبّر عنهما اتّصال رئيس دولة الإمارات الشّيخ محمّد بن زايد بالرّئيس السّوريّ بشّار الأسد، والاتّصال الذي جمَع وزيرَيْ خارجيّة مصر وسوريا، ووزيرَيْ خارجيّة مصر والولايات المُتحدة، وزيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للإمارات.
أكّدَ بن زايد وقوفَ الإمارات إلى جانب سوريا. كما أكّدَ وزير الخارجيّة المصريّ بدر عبدالعاطي لنظيرَيْه السّوريّ بسّام الصّبّاغ والأميركيّ أنتوني بلينكن “موقف مصرَ الثّابت والدّاعم للدّولة السّوريّة وسيادتها ووحدةَ أراضيها”. وأكّد البيان الإماراتي السعودي المشترك “ضرورة تجنيب المنطقة أزماتٍ جديدة تهدّد أمنها واستقرارها”.
يقول مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الخارجيّة التُركيّة لـ”أساس”، اشترطَ عدم الإفصاح عن هويّته، إنّ أنقرة تواصلَت مع العواصم العربيّة، وخصوصاً الرّياض والقاهرة وأبو ظبي، ونقلَت وجهة نظرها التي تقوم على أنّ الحلّ السّياسيّ هو الحلّ الوحيد للأزمة السّوريّة.
تواصل سعوديّ – تُركيّ: استقرار… ولا أجانب
تحدّث وزير الخارجيّة التُّركيّ حقّان فيدان مع نظيره السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان يومَ الأحد الماضي. وبحسب المصدر، فإنّ بن فرحان نقلَ رسالةً سعوديّةً مُفادها الآتي:
يتبع غداً
ابراهيم ريحان