إيران في سوريا: العسل المرّ

33

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

منطق “شرعيّة” وجود مجموعات الحزب والميليشيات الإيرانية على الجبهات في سوريا يقول إنّ النظام في دمشق هو من طلب. وإنّ هذه القوى هي التي استجابت. هذا هو العقل الإيراني الذي تمّ على أساسه بناء “محور الممانعة” الذي يكلّف طهران تحمّل أعباء قرار الاصطفاف الإقليمي في مواجهتها. وهذا ما يدفع لبنان وسوريا والعراق ثمنه اليوم.

يقول النظام في دمشق إنّه هو الذي استدعى القوّات الروسيّة لدعمه في مواجهة العصاة والمتمرّدين. لا يجرؤ على مناقشة شرعية الوجود الإيراني في سوريا تجنّباً لغضب العواصم العربية التي انفتحت عليه مجدّداً. وكان شرطها الوحيد تخلّيه عن هذا المشروع. لا يتمسّك بالمشروع الإيراني فقط، بل يعلن أنّه سهّل له نقل الكتائب والعصائب العراقية إلى الجبهات في سوريا في خنادق حماة وحمص ودمشق.

لنتذكّر أنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان دعا في رسائله الأخيرة دمشق إلى الانخراط في العملية السياسية وليس التصعيد العسكري. .لكن من الواضح أنّ طهران لن تمكّن الأسد من ذلك. على الرغم من انسحاب مجموعات كثيرة للحزب من الجبهات السورية.

سحب ورقة إيران من سوريا

أقنعت القيادة الإيرانية النظام في دمشق أنّ محور الممانعة سيخرجه من ورطته ويبقيه فوق الكرسي بعدما تآمر عليه الجميع. فقرّرت العواصم الإقليمية التعامل مع النظام وطهران على هذا الأساس. تغيّرت الأولويّات اليوم وذهبت باتّجاه آخر. تمرّ مواجهة النظام في دمشق أوّلاً عبر مواجهة إيران في سوريا وسحب هذه الورقة من يدها. كان لا بدّ من تقديم موضوع إيران على الكثير من الأولويّات في الملفّ السوري. ويبدو أنّه حقّق هدفه وسط المتغيّرات الإقليمية الحاصلة. يبدو أيضاً أنّ قرار التصدّي لإيران ومشروعها وسحب ورقة ميليشياتها سبق خطط العودة إلى تحريك الداخل السوري. كي لا يتكرّر ما جرى بعد انطلاقة الثورة السورية. في المقابل، بدا أنّ بيانات وتصريحات بغداد عن إرسال المزيد من القوات إلى مناطق الحدود العراقية السورية هي رسالة في أكثر من اتّجاه:

  • نحو سوريا ومساعدتها على استرداد عافيتها واستقلاليّتها وسيادتها فوق أراضيها.
  • للحؤول دون دخول المجموعات الإرهابية العراق من سوريا.

 لكنّ الأهمّ كما يبدو هو منع خروج ودخول الميليشيات العراقية المحسوبة على إيران كما تشاء عبر الحدود العراقية السورية.

هل خرج العراق حقّاً من سوريا؟

من هنا وعلى الرغم من بيانات وتصريحات قيادات “الحشد الشعبي” العراقي حول عدم وجود عناصرها خارج العراق، لا تطمئن هذه المواقف لأنّ التمويه والتحرّك تحت مسمّيات أخرى قائمان. تذهب المواقف العراقية باتّجاه أنّ بغداد تريد أن تكون خارج المشهد السوري على طريقة “ما متت ما شفت مين مات”، وكي لا تشرّع ذريعة الآخرين بنقل ساحة المواجهة إلى الداخل العراقي وإشعالها من جديد بعد الساحتين اللبنانية والسورية. يعني احتدام نقاشات الداخل العراقي، التي وصلت إلى قناعة بضرورة تحييد العراق وقطع علاقته العسكرية بالمحور الإيراني، حرمان النظام في دمشق من فرصة الرهان على الميليشيات العراقية وضرورة البحث عن خيار آخر: “قسد” مثلاً!

في هذا السياق نفّذت “قوات سوريا الديمقراطية”، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، هجوماً على عدّة قرى تقع شرقي نهر الفرات في دير الزور، تسيطر عليها قوات النظام والميليشيات الإيرانية المساندة لها. ليس السبب إعلان الحرب على النظام وإيران كما تقول، بل “لوجود مخاطر جدّية لتحرّك وشيك لخلايا تنظيم داعش للسيطرة على مناطق غير محميّة، خاصة في شمال وشرق دير الزور”.

التباعد الكبير بين تركيا وإيران

التراشق الأخير بين وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الإيراني عباس عراقتشي خلال المؤتمر الصحافي المشترك في أنقرة، يعكس حجم التباعد في المواقف والقراءات بين البلدين في سوريا. يتحدّثان عن أهميّة استمرار الحوار والتعاون المشترك للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. لكنّ وصفات العلاج غير متطابقة. إذ يتحدّث فيدان عن آليّة إقليمية جديدة في سوريا. فيما عراقتشي يتمسّك بالآستانة للحفاظ على المكتسبات. ويذكّر فيدان بضرورة احترام المطالب المشروعة للمعارضة السورية وضرورة التزام النظام بالعملية السياسية، فيما عراقتشي يتمسّك بمحور الممانعة وخطط “محاربة الإرهاب الذي تحرّك مجدّداً في سوريا”.

واضح تماماً في ضوء ما جرى أمام العدسات بين الوزيرين التركي والإيراني أنّ طائرة الوزير عراقتشي أخطأت طريقها. وكان عليها أن تقصد موسكو بدلاً من أنقرة. لأنّ مشكلة طهران هي مع الكرملين قبل أن تكون مع الجانب التركي.

العرب أيضاً غاضبون من الأسد؟

لحظة الانفجار العربي مجدّداً في وجه بشار الأسد كانت خلال القمّة العربية الإسلامية الأخيرة عندما أعرب عن استيائه من نتائج القمم العربية السابقة التي لم تتجاوز حدود الإدانة والاستنكار. فقرّرت العواصم العربية على ما يبدو الانفتاح على دعوته إلى تغيير الآليّات والأدوات المستخدمة في مواجهة إسرائيل شرط أن تشمله هو أيضاً.

قد ينفع تحديث آخر لحظة الصادر عن الجانب الإيراني الذي أعلن الحرب على من يهدّد نظام الأسد وسيادة سوريا. لكن يؤكّد رئيس “الائتلاف الوطني السوري” هادي البحرة أنّ العمليات العسكرية شمالي سوريا مستمرّة حتى انخراط النظام السوري بالعملية السياسية. لو دعمت طهران هذا التوجّه قبل 10 سنوات بدلاً من تحريك “محور الممانعة” باتّجاه الداخل السوري، لما وجدت نفسها وسط هذا الازدحام الإقليمي الذي يقطع الطريق عليها. التحديث الآخر هو ما قاله المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركية باتريك رايدر من أنّ الجيش الأميركي فعّل قناة الاتّصال الساخن مع روسيا بشأن تطوّرات الأوضاع في سوريا: “قائد قوّة المهامّ المشتركة استخدم الخطّ الساخن مع روسيا، لإبقاء خطوط الاتّصال مفتوحة، بالنظر إلى حقيقة أنّ قوّاتنا تعمل على مسافة قريبة إلى حدّ ما”، كما يقول رايدر. لذا فعلى طهران أن تستفيد أكثر من المناورات السياسية والدبلوماسية الروسية التي أوصلتها على الرغم من كلّ شيء إلى نقطة تفعيل الخطّ الساخن بين واشنطن وموسكو بعدما قطعت الكثير من خطوط التواصل مع العديد من العواصم الإقليمية. تقول الأسطورة إنّ النعامة تخفي رأسها في الرمال لتجنّب رؤية الصيّادين أو الأخطار. أثبتت الحقيقة العلمية عكس ذلك. بين الوسائل الدفاعية للنعامة في مواجهة الخطر الركض السريع الذي يصل إلى 70 كلم في الساعة. الهروب من الواقع لا يُغيّره، بل قد يؤخّره فقط.

د.سمير صالحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.