إنهيار الكيان … بإنتظار العنوان

46

بقلم د. باسم عساف

إنطلاقاً من وعد بلفور الإنكليزي سنة/ ١٩١٨ وبعد أن دانت الأرض الفلسطينية لإحتلال بريطانيا، من بعد إنتهاء الحرب العالميّة الأولى، التي إنتصرت بها دول الحلفاء، على دول المحور ومنها تركيا، فقد بدأت الحركة الصهيونية العالميّة، بالتحضير لتجميع اليهود من أوروبا وروسيا ومنظومتها الشرقية، ونقلهم إلى فلسطين، التي جعلوها وُجهتهم لإقامة دولة إسرائيل وفق مفهومهم التلمودي، الذي إخترعوه للسيطرة على العالم وسيادتهم عليه، حيث يعيشون حالة الإستعلاء، بأنهم شعب الله المختار، الذي يحكم العالم، وأنَّ الأرض قد جُعلت لهم ولعيشهم بسلام، والباقي من المخلوقات فإنما وُجدت لتأمين خدمتهم.

من هنا… وبوجود الصهاينة في الإدارة الإنكليزية، فقد وفَّرت لهم ما يُريدون وما يبغون، من إستيطان هذه الأرض المقدسة، وإيجاد المناطق المُلائمة لمخطَّطهم، مع توسُّعهم بالإستيطان، فقد وجدوا من المناسب أن يُزيلوا قرىً وبلداتٍ من الوجود الفلسطيني، للإحلال مكانهم، فكان التسلح بواسطة الإنكليز المحتلِّين، والمباشرة بالمجازِرِ والإبادة أو النشريد الداخلي أو الخارجي لأبناء الأرض الأصليين، والتي هي مستمرَّة حتى يومنا هذا.

إن ما يجري من مجازر إبادةٍ جماعية وتدميرٍ شاملٍ في غزَّة والضِّفّة، وما تطاله يدُ الإجرام الصهيوني على الأرض الفلسطينية واللبنانية والعربية، وهذا التمادي والإمعان في القتل والتدمير، لم يكن، لولا مساندة ومساعدة كل الدول والمنظمات الدولية، التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية بالسر والعلن، ومنها العربية التي وجب أن تكون، إلى جانب الشعب الفلسطيني الشريد والطريد، والمنكوب والمنهوب بالأرض والعرض، ووجب أن تلتزم بما يعلنونه في مؤتمرات القمة العربية من تحرير وصد العدوان وإزالة آثاره إلى عدم التفاوض والإعتراف والصلح مع العدو الصهيوني.

وإذا بنا نراهم، ينفذونها جميعاً بالوجه الآخر، الذي كانوا يُخفونه عن شعوبهم العربية، المتمثل بالعمالة والخيانة والنفاق، الذي أدَّى إلى سيطرة إسرائيل على المنطقة كلها، وتنفيذ مآربهم وغايتهم بالوطن القومي اليهودي تحت شعار (أرضك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل)…

خمسة حروبٍ خاضتها الدويّلة الصهيونية مع الدول العربية، وجميعها أتت بنتيجة الهزائم، التي كانوا يغلِّفونها تارَةً بمعنى النكبة أو النكسة، وطوراً بالهدنة والإتفاقات والمعاهدات، التي تخضعهم لشروطها، في كل المفاوضات والإتفاقيات والتطبيع، والتي جعلت منهم طَيِّعين لأوامرهم، في كل الشؤون المتعلِّقة بفلسطين، وكافَّة الدول والأراضي والشعوب العربية.

كل ذلك كان يجري بعمليّات إرتهانٍ وخضوعٍ وإذلالٍ، قد شهدها العالم والعرب بعد كل إتفاق، كما شهدتها الأيام الأخيرة من حرب القضاء على قطاع غزَّة والضفَّة، والإبادة الجماعية التي تستخدمها سياسة الكيان مع الفلسطينيين، والتدمير الشامل لأرضه، من دون أيِّ موقفٍ أو قرارٍ أو تحركٍ، لمواجهة هذا العدو، الذي أشبعوا شعوبهم بالعداء له، والعمل على دحرِه وردعِه والقضاء عليه، مع تحرير الأرض من براثن أنيابه، الملطَّخة بدماء الأبرياء، من أطفالِ ونساءِ وشيوخِ أصحاب الأرض السليبة، والذين يتاجرون بهم في سوق النخاسة الدولية.

جاءت عملية طوفان الأقصى، مع بدائية وسائلها، وبساطة رجالها، وقلَّة عتادها، ومحدوديَّة قوتها، لتشكِّل أكبر هزيمةٍ (للجيش الذي لايقهر) بنظر كل الدول، التي خاضت الحروب المسرحِيَّة مع الكيان وأدوارها التمثيلية على شعوبها.

إنقلب السِّحر على السَّاحر، مع المواجهة الحقيقية من أبسط قوة، في العدد والعتاد والسلاح، ضد أعتى الجيوش في المنطقة والعالم، وهم يملكون أقوى سلاحٍ للدَّمار الشامل، وأحدث ما يملكه الإنسان، من وسائل الفتك والقتل، والإجرام النووي والجرثومي، والتغيير الجيني، والغلبة بعد تسعة أشهر من المواجهات غير المتعادلة، تشير إلى غلبة ونصر الفئة القليلة، على الفئة الكثيرة ولو أعجبتهم، بإيمانها وصمودها، وبالدفاع عن حقوقها وأرضها وشعبها، فأعطت العالم والتاريخ، الدروس والعبر بالإخلاص للقضية المحقة، من دون خيانةٍ وعمالةٍ ونذالةٍ، تبقى هي المنصورة وتدين لها الأرض المعمورة..

إن العدو الذي إغتصب الأرض والعرض، وعاش كل تاريخِه بالحرب والقتل والتدمير من جهة، وعاش بالكذب والرِّياء والنِّفاق من جهة أخرى، وإستمر بالمواربة والإفتراءآت والمتاهات، وإستعمل التورية والتعمية والتسوية، مع المراهنين على إستلاب الكروش والعروش، وإستعراض الجيوش، ليسودوا في الأرض، ويبقى لهم التسلُّط والهيمنة المرَكَّبة على الحبال البهلوانية، والمعتمدة على عصيِّ السّحرة، لتأتي عصا المقاومة في غزّة، لتطيح بعِصيِّهم، كما تلقَّفت عصا موسى سَحرَةُ فرعون .

فبُهِت الذي كفر، وإرتدُّوا على فرعون وربوبيَّته، كما إرتدَّ العالم اليوم، على هيمنة الصهيونيَّة وبرتوكولاتها، وكما نسَفوا إدِّعاء تلمودِهم، وألغوا من حساباتهم قصَاصَ العداء لسامِيَّتهِم المزيَّفة الباهرة، وإنكشف القِناع عن الوجوه السافِرة والعاهِرة، بتسميات النفوس الطاهِرة، والعيون الساهِرة، والكذِب بالسلام مع القدس وعَمَّان والقاهرة، ثمَّ بالتطبيع مع البحرين وعُمَان والإمارات الزاهِرة، ومع الترغيب والترهيب للعواصم الأخرى بالأساليب الواهرة، فتصدت لها صواريخ المقاومة الزاجرة، وقضت عليها عملِيَّة الطوفان الناصرة.

مع تقلب الزمان والمكان، ومع تبدل الأشكال والألوان،  ومع صمود غَزَّة الذي كشف إنهيار الكيان، وأمعن التفكك في جيشه ومجتمعه وحكومته الذي بات ظاهراً للعيان، كما أثقلته بالقصف والتهجير جبهة جنوب لبنان، ليتحقَّق النصرُ المُبِينُ بفضل المنَّان، فلتكن تسميتُه بأيِّ عنوان.

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.