إفلاس فلسطيني… وإسرائيلي
بقلم خيرالله خيرالله
من الطبيعي تأجيل جولة المحادثات المتعلّقة باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينيّة التي كان مقررا أن تجري بين «فتح» و«حماس» في بيجينغ (بكين) قريبا. ليس لدى «حماس» ما تقدمه لـ «فتح»، أي للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ومنظمة التحرير الفلسطينيّة وليس لدى «فتح» ما تقدّمه لـ «حماس». هناك افلاس فلسطيني من النوع الذي سابق له في ظلّ إفلاس إسرائيلي على كلّ صعيد. تحاول إسرائيل التعويض عن
هذا الإفلاس عبر ممارسة الإرهاب الذي لا وجود لمن يرغب في وضع حدّ له… خصوصا بعدما ربط بنيامين نتانياهو مصيره السياسي باستمرار حرب غزّة الإعداد لحرب لبنان.
المضحك المبكي أنّ «حماس» تربط حاليا موفقتها على مبادرة الرئيس جو بايدن ذات المراحل الثلاث بوقف دائم للنار في غزّة. ما دامت الحركة تريد وقف النار في غزّة لماذا شنت هجوم «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي؟ لماذا ترفض تحمّل مسؤوليتها عن هذا الهجوم الذي أفلت من بين يديها وحوّل إسرائيل إلى وحش لا همّ لديه سوى الإنتهاء من غزّة. يختزل الوضع في غزّة سؤال واحد: هل القطاع أفضل مما كان عليه قبل «طوفان الأقصى» أم لا؟ الجواب لا والف لا، خصوصا أن معظم بيوت غزّة تهدّمت وأن القطاع صار ارضا طاردة لأهلها بسبب نوعية القنابل السامة، التي لم ينفجر قسم منها بعد، والتي القتها إسرائيل من دون تفرقة بين مقاتل وغير مقاتل وبين رجل وإمرأة وطفل…
لا حاجة إلى وحدة وطنيّة فلسطينيّة في غياب مشروع وطني فلسطيني قابل للتطبيق من جهة وغياب أي طرف قادر على وضع حدّ لما تمارسه إسرائيل التي باتت أشبه بآلة دمار ولا شيء آخر. ليس هناك من يستطيع ردع إسرائيل فيما لا فارق لدى «حماس» عاش الشعب الفلسطيني أم قضى منه الآلاف كما حصل في غزّة. ثمّة مشكلة ذات طابع حضاري عنوانها غياب أي إكتراث لدى «حماس» بالإنسان الفلسطيني، تماما كما الحال في إسرائيل حيث الإعتراض الشعبي على نتانياهو وليس على ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني. في النهاية لا مفرّ من التساؤل ما الحاجة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية بين طرفين مفلسين هما «حماس» والسلطة الوطنيّة التي ليس هناك في العالم من يتعاطى معها بجدّية؟
الأهمّ من ذلك كلّه، هل تخلت «حماس» عن فكرة السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينيّة كي يكون هناك معنى لمصالحة مع «فتح»؟ في الواقع، لا هدف لدى «حماس» غير السيطرة على القرار الفلسطيني. يحدث ذلك في حين يعرف القياديون في الحركة شيئا عن العالم وكيف تتحرّك الديبلوماسيّة الدوليّة هذا إذا كان هناك مثل هذه الديبلوماسيّة. لو كانت القيادات في «حماس» تعرف شيئا عن العالم لما كان هناك «طوفان الأقصى» الذي كان طوفانا آخر للكوارث التي حلّت بالشعب الفلسطيني منذ النكبة في العام 1948 وحتّى ما قبل تلك النكبة عندما اختار الحاج أمين الحسيني التقرب من هتلر في أثناء الحرب العالميّة الثانيّة.
لا قدرة لدى «حماس» على الإعتذار من الشعب الفلسطيني وما يعنيه ذلك من إعتراف بأن «طوفان الأقصى» كان فشلا ذريعا ليس بعده فشل إستغلّه اليمين الإسرائيلي إلى أبعد حدود. وحدهم الكبار يعتذرون ويقولون علنا أنّهم أخطأوا. أمّا الصغار، فلا همّ لديهم سوى إيجاد تبريرات للخطأ الذي ارتكبوه.
في المقابل، ليس لدى السلطة الوطنيّة ما تقدّمه لـ»حماس». هذه السلطة عاجزة عن تقديم شيء لنفسها في ظلّ حكومة جديدة اثبتت أنّها غير موجودة بعدما سيطر عليها «أبو مازن» سيطرة كلّية. كلّ ما في الأمر أن العقم السياسي لدى رئاسة السلطة الوطنيّة انتقل إلى الحكومة. صار الترحم على حكومة محمد إشتية واجبا من الواجبات. كان لدى الرجل ما يقوله وكان يظهر على الشاشات وفي المحافل الدوليّة دفاعا عن الظلم الذي لحف بغزّة وأهلها.
لا تستطيع «حماس» الإرتقاء إلى مستوى الأحداث الدائرة منذ «طوفان الأقصى». ينطبق ذلك على السلطة الوطنيّة التي لم يعد من حدود لمدى ترهلها وانفصامها عن الواقع. إسرائيل نفسها تعاني حاليا من غياب أي تفكير ذي مضمون سياسي عميق. لا وجود لخطة إسرائيلية لمرحلة ما بعد غزّة. لا وجود سوى لرغبة في الذهاب من حرب إلى أخرى وإلى السعي إلى الإنتهاء من القضيّة الفلسطينيّة من دون إدراك أنّ هذا أمر مستحيل… ما دام الشعب الفلسطيني موجودا على الخريطة السياسيّة للشرق الأوسط.
في غياب من يضع حدّا للدوران في حلقة مقفلة هي حلقة العنف والعنف المتبادل لا فائدة من مصالحة فلسطينية ولا فائدة من سياسية إسرائيلية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسياسة. يحصل ذلك كلّه فيما يعتبر بنيامين نتانياهو أنّه ذاهب إلى واشنطن لتحدي جو بايدن في عقر داره. حسنا، زودت أميركا إسرائيل كلّ الأسلحة التي تريدها. ماذا بعد ذلك؟ هل تضمن هذه الأسلحة، التي ستقضي على ما بقي من غزّة، تصفية القضيّة الفلسطينية والإنتهاء من الشعب الفلسطيني؟
لا تدرك «حماس» أنّ لا مستقبل سياسيا لها وأنه لم يعد من وجود لغزّة التي تريد العودة إليها، كأنّ «طوفان الأقصى» لم يحصل، وكأن إسرائيل لم تردّ على هذا الهجوم. لا تدرك السلطة الوطنيّة أنّ عليها الإبتعاد عن الواجهة والسماح ببروز قيادات شابة نسبيا تمتلك خبرة في كيفية التعاطي مع إسرائيل وفي كيفية التحرك على الصعيدين الإقليمي والدولي.
تبقى التعقيدات الإسرائيلية التي لا نهاية لها، وهي تعقيدات يعبّر عنها غياب أي مشروع سياسي قابل للحياة باستثناء مشروع الحروب المستمرّة، وهو مشروع لا تستفيد منه سوى «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران التي تخوض بدورها حروبا على هامش حرب غزّة… من أجل تفتيت المنطقة العربيّة.
خيرالله خيرالله