أهمية عودة الرئيس سعد الحريري إلى ربوع الوطن

108

بقلم: المحامي د. إبراهيم العرب

إنّنا اليوم في لبنان، وخصوصاً في بيروت بحاجة ماسة إلى الشيخ سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل، الشهيد رفيق الحريري، رحمه الله، لاسيما أنه ذو ثقافة اقتصادية ومالية واسعة فهو خريج جامعة جورج تاون العريقة في واشنطن، الذي دخل الساحة السياسية بعد اغتيال والده عام 2005، فتولى قيادة تيار المستقبل وشغل منصب رئيس الوزراء في فترتين من 2009 إلى 2011، ومن 2016 إلى 2020، وركّز صلب اهتمامه حينها على تعزيز الاستقرار والأمن في لبنان، وقاد جهودًا لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي طالب فيها مؤتمر سيدرز وصندوق النقد الدولي، وساهم في إطلاق عدة مشاريع كبرى في البنية التحتية ، بما في ذلك تحسين شبكة الطرق والمطارات والموانئ. كما لعب دورًا رئيسيًا في الحوار الوطني بين مختلف الأطراف السياسية في لبنان، ساعيًا إلى تخفيف التوترات الطائفية وتعزيز الوحدة الوطنية، وإلى إعادة أموال المودعين وإقرار خطة التعافي المالي. كما أن إنجازاته شملت أيضًا تحسين علاقات لبنان مع المجتمع الدولي والعربي، مما ساعد في جلب الدعم الاقتصادي والسياسي للبنان؛ وتحت قيادته، شهد الوطن تقدمًا في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، رغم كل التحديات الكبيرة التي واجهها، والعراقيل التي وضعت في وجهه، لاسيما في مجال مكافحة الفساد.

لذلك، تتزايد الدعوات اليوم لعودة الرئيس سعد الحريري إلى الساحة السياسية اللبنانية في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف في البلاد، حيث تعكس هذه الدعوات القلق الوطني والحاجة الملحة لوجود قيادة سياسية قوية قادرة على إعادة التوازن والاستقرار إلى لبنان على عدة أصعدة:

-1على الصعيد السياسي:

تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة من الترقب والتوتر السياسي، حيث تتداخل الأزمات الداخلية مع التوترات الإقليمية التي تحول دون انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، بعد حوالي سنتين تقريباً من الفراغ الرئاسي. ولذلك تأتي المطالبة بعودة الرئيس سعد الحريري ضمن سياق فتح الباب أمام احتمالات تغييرات جذرية في التسويات السياسية المرتقبة، لدفع العملية السياسية في إطار السلة المتكاملة نحو الاستقرار. من هذا المنطلق، يَنظر المجتمع الدولي إلى الشيخ سعد الحريري كشخصية محورية يمكنها المساعدة في تخفيف حدة التوترات وإعادة التركيز على الحوار الوطني والحفاظ على السلم الأهلي وتطبيق مقررات الشرعية الدولية.

من جهة أخرى، فهنالك مساعٍ أميركية وفرنسية وقطرية وغربية جارية لإعادة ترتيب الواقع الإقليمي وخريطة النفوذ الدولي في المنطقة، حيث أُعادت هذه الدول، فتح ملف عودة الحريري للعمل السياسي على معادلات التسويات والتحولات التي ستنتج رئيس جمهورية جديد في لبنان، وتوقف استكبار بعض الأطياف السياسية على بعضها البعض، وتعيد دولة لبنان إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية، بما يتوافق مع مصالحه الوطنية.

كما كثرت الضغوطات الدولية مؤخراً لإعادة الرئيس الحريري لعمله السياسي، على اعتبار أنه عراب التسويات والأقدر على قيادة دفّة البلاد في ظل المشهدية التي باتت تمسّ بالسلم الأهلي والعيش المشترك وتركيبة النظام السياسي اللبناني برمّته، وبالأخص اتفاق الطائف. ومن هنا، تشكل عودة الدفء في العلاقات السعودية مع الحريري عبر لقاءات جمعته بمسؤولين سياسيين سعوديين أمراً إيجابياً للبنان، وكذلك أيضاً اللقاء الذي جمع بين مستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان ومستشار بوتين لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف في موسكو، مما يعدّ مؤشراً على دعم خارجي إضافي لعودة الحريري وترحيباً روسياً ضمنياً بعودته إلى رحاب العمل السياسي، فهذا اللقاء يشير أيضاً إلى ضرورة حلّ الملفات الإقليمية بالأطر السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن شعبان مقيمٌ في موسكو ويلتقي المسؤولين هناك باستمرار. هذا عدا عما سمعناه مؤخراً عن وجود زيارة مرتقبة  للرئيس الحريري إلى موسكو قريباً، تهدف إلى شكر القيادة الروسية على الدور الذي تلعبه إقليمياً، لاسيما على صعيد الحفاظ على التقارب السعودي-الإيراني ونصرة قضية غزة في المحافل الدولية.

ولهذا، فإننا نرى أنه يتوجب على اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان إعادة طرح ملف رئاسة الحكومة مع رئاسة الجمهورية انطلاقاً من تلازم الملفين على المستوى المحلي، وكذلك الاستراتيجي للسعوديين والقطريين والإماراتيين والمصريين. وبالتالي، فمن الطبيعي أن يكون الشيخ سعد الحريري على الخارطة الإقليمية الحكومية لصناعة الحلّ الجدّي في لبنان، لاسيما أنه الأكثر قدرة على إيجاد حلٍ حقيقي لملف النازحين السوريين ومنع مشاريع التوطين المستقبلية للفلسطينيين كونه الأكثر تمثيلاً للسنة في وطنه، والأكثر ميلاً لمشروع الدولة الوطنية الجامعة عوضاً عن للمشاريع الأممية، ولأنه يعتمد دوماً أسلوب الخطاب المعتدل والمتوازن الذي يستسيغه العرب والمجتمع الدولي، مع حفاظه في الوقت نفسه على صيغ التسوية التي تصون العيش المشترك وتحقق الانصهار الوطني، ناهيك عن دعمه المستمر لمؤسسة الجيش كممثل للشرعية اللبنانية المؤهلة حمل السلاح، إلى جانب مؤازرته لمؤسسة قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات التي نمت كثيراً في عهده، وسائر المؤسسات الأمنية اللبنانية.

-2 على صعيد إعادة بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها:

إنّ الرئيس سعد الحريري ليس مجرد سياسي عادي، ولا حتى وريث لإرث سياسي كبير تركه والده الشهيد رفيق الحريري؛ وإنما هو رمزٌ للوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف الطوائف. ولذلك فإن عودته إذا تحققت، تشكل فرصة لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس من الوحدة والتعاون بين جميع مكوناتها، فالحريري يمتلك رؤية شاملة لتحقيق السلم الأهلي والتنمية المستدامة، مستندًا إلى دعم شعبي واسع وعلاقات دولية، وحتى خليجية قوية.

كما تتمثل أهمية عودته في قدرته على إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وتطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي وإعادة أموال المودعين ومكافحة تهريب المخدرات والفساد وتفعيل عمل المؤسسات الأمنية والدستورية .أضف إلى ذلك،  أن  مساهماته في المجالات الاجتماعية والصحية ماتزال  تساهم رغم غيابه، في دعم الفئات المحتاجة وتعزيز العيش الكريم للمواطنين. إلى جانب أن علاقاته القوية مع الدول العربية والغربية تفتح آفاقًا للتعاون الدولي والاستثمار في لبنان، مما يعزّز فرص النهوض الاقتصادي، ويسهّل في الحصول على المساعدات الخارجية وعلى تعزيز الثقة في السوق المالية اللبنانية.

ولهذا فلا عجب، أن ترى مؤيديه يعملون في كل ذكرى لاستشهاد والده على تأمين البيئة الملائمة لعودته النهائية من خلال التواصل مع القوى السياسية والشعبية. خصوصاً أنهم يأملون أن تشكل عودته إلى العمل السياسي الوطني، نقطة تحوّل في السياسة اللبنانية، من خلال تبوّئه منصب رئاسة الحكومة، أو حتى خوض الانتخابات النيابية المقبلة وإعادة تنظيم كوادر تيار المستقبل بشكل يعزّز من دورها القيادي في البلاد.

ختاماً، نعود لنؤكّد من جديد بأنه منذ اعتزال الحريري في كانون الثاني 2022، شهدت الساحة اللبنانية فراغًا سياسيًا وتراجعًا في التمثيل السني القوي. كما أدى هذا الغياب إلى اختلال التوازن الطائفي في البرلمان والحكومة، مما أثر سلبًا على الاستقرار الوطني، وخلق فراغًا لم يتمكن أحد من ملئه بشكل فعّال، مما أدّى إلى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية. كما أضعف هذا الغياب قدرة البرلمان على اتخاذ قرارات حاسمة وأثّر على دور رئاسة الحكومة في حماية مصالح الطائفة السنية، وبالتالي مصالح الوطن ككل، لاسيما أن الشيخ سعد ما يزال أقوى رئيس وزراء لبناني على الساحة الشعبية والمؤسساتية حتى الآن، ما يعني أنه الأولى بالقيادة الوطنية التي تحتاجها المنطقة العربية وتحديداً دول الخليج، نظراً لشعبيته الواسعة وخبرته وقوة أدائه الوطني.

ومن هنا، تُظهِر الدعوات المتزايدة لعودة الشيخ سعد الحريري إلى الحياة السياسية اللبنانية، حاجة ملحة لإعادة التوازن والاستقرار في لبنان، لأنه بفضل خبرته السياسية وعلاقاته الدولية، يمتلك القدرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل. كما أن عودته تُعَدُّ خطوة ضرورية لتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء الدولة على أسس قوية وفعالة، في وقت حاسم يحتاج فيه لبنان إلى قيادة حكيمة وفعّالة لتحقيق التغيير المنشود وضمان مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للجميع.

المحامي د. إبراهيم العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.