ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب
بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط نظام بشار الأسد كان فخّ الرئيس الأميركي جو بايدن، المصمَّم خصيصاً لدونالد ترامب، لمنعه من الفوز في الانتخابات الرئاسية”.
يصف دوغين، وهو المستشار السياسي والعسكري للكرملين وفيلسوف القومية الروسية المتطرّفة، الوضع في سوريا بأنّه “مأساوي للغاية”. ويشير إلى أنّ تصعيد الوضع “كان الخطّة البديلة التي وضعها العولميّون (globalist – دعاة العولمة) في البيت الأبيض في واشنطن. فقد أراد هؤلاء السيطرة على الوضع وإطالة تصعيد الصراع من خلال تأجيج التوتّرات في جورجيا ومولدوفا وأرمينيا ورومانيا وسوريا والشرق الأوسط، وفي كلّ مكان توجد لروسيا مصلحة استراتيجية من أجل إضعاف موقفها في هذه الأماكن الاستراتيجية، واحداً تلو الآخر”.
غير أنّ فوز ترامب بالرئاسة واحتمالات إدارة جديدة في واشنطن سرّعا كلّ الخطط لتقويض روسيا، بحسب دوغين. يقول: “من أجل إعداد ترامب للفشل وإيقاعه في الفخّ، سارع أولئك الذين لا يزالون حاليّاً في واشنطن إلى تسريع جهودهم لتقليص أهمّية روسيا الإقليمية. وإذا بدت روسيا ضعيفة للغاية وغير مستقرّة بحيث لا يمكنها ضمان مصالحها الإقليمية ومصالح حلفائها، فقد يكون ذلك بمنزلة رسالة خاطئة إلى ترامب، ويقوده إلى المسار الخطأ المتمثّل في التعامل مع روسيا باعتبارها قوّة إقليمية ثانوية”.
سوريا الحلقة الأضعف
يعتقد دوغين أنّ “هذه هي الخطّة وراء الوضع في سوريا برمّته. فقد كانت سوريا الحلقة الأضعف في السلسلة. ألقى العولميّون وإسرائيل بكلّ أوراقهم، وكلّ نفوذهم، وكلّ إمكاناتهم في سوريا من أجل توجيه ضربة متزامنة ضدّ الأسد. ربّما كان للجيش السوري الفاسد بعض الاتّفاقات السرّية مع الغرب. وربّما كان لبعض أفراد عائلة الأسد اتّفاقات أيضاً. وكان الهدف هو إخراج روسيا من سوريا، والإطاحة بالأسد، وطرد الإيرانيين ودعم إسرائيل بسوريا ضعيفة، بالإضافة إلى هدف تغيير صورة روسيا في نظر ترامب”.
يكتب دوغين في موقع “أكاديمية الصين”: “يحاول العولميّون في الإدارة الأميركية المؤقّتة اليوم أن يُلحقوا خلال الفترة التي تنتهي فيها ولاية بايدن أكبر قدر ممكن من الأضرار بروسيا من أجل منع تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. وهم نجحوا في ذلك، حيث أطاحوا بالأسد من خلال استدعاء الحركات المعادية من القاعدة وداعش والأكراد، وكذلك الخونة في الجيش السوري وحكومة الأسد. لقد كان هذا في طور الإعداد لأكثر من عشر سنوات منذ أن بدأ العولميون الربيع العربي”.
يضيف: “كان هدفهم الإطاحة بجميع الزعماء التقليديين، وقد نجحوا في ذلك في تونس ثمّ في مصر. كما أثاروا الحروب الأهلية المستمرّة في ليبيا والعراق. لقد كانت سوريا وروسيا والصين دائماً على قائمتهم. تدخّلت روسيا والصين معاً في سوريا، روسيا عسكريّاً والصين اقتصاديّاً بشكل أكبر، لإنقاذ النظام العلماني للأسد، ومنع الإبادة الجماعية، ومنع إبادة الأقلّيات العرقية والدينية في سوريا. نجحنا في القيام بذلك لأكثر من 10 سنوات. لكن اليوم نجح العولميون في التنسيق بين القوى المعادية”.
خسارة فادحة… لكنّها ليست وجوديّة
يقول دوغين الذي يُنسب الفضل إلى كتاباته القومية المتطرّفة في تشكيل رؤية فلاديمير بوتين للعالم، ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالغزو الروسي لأوكرانيا: “إنّها خسارة فادحة، لكنّها ليست خسارة وجودية كما هي الحال بالنسبة لنا في أوكرانيا حيث سنقاتل حتى آخر نفس. فسوريا ليست من الأولويّات العليا، لكنّها مع ذلك كانت مهمّة للغاية بالنسبة لعالم متعدّد الأقطاب ولموقعنا الاستراتيجي في الشرق الأوسط. وهذا يؤثّر سلباً على المساعدات الإنسانية للمدنيين هناك”.
لا يستطيع دوغين “تخيّل ما قد يحدث بعد ذلك”. لكنّه يؤكّد أنّ “القتال بين الفصائل المعادية سيبدأ. والمجتمع المدنيّ السوري والأقلّيات مثل المسيحيين والشيعة كلّهم مهدّدون. وستحدث أشياء مروّعة في سوريا. ولم تعد لدينا القدرة على مساعدة الشعب السوري. لقد فعلنا كلّ ما بوسعنا. وعلينا أن نقبل الضربة باعتبارها ضربة، والألم باعتباره ألماً، والخسارة باعتبارها خسارة. هذا هو الجانب المأساوي من الوجود. ولكن يجب أن نتعلّم جميعاً من هذه المأساة. أعتقد أنّ الهزيمة الحتمية للعولميّين بأجندتهم المعادية للإنسانية والدافع إلى الهيمنة العالمية لن تتسارع إلا من خلال مثل هذه الحلقات”.
يعتقد دوغين أنّ “على روسيا والصين والهند وأقطاب أخرى في عالمنا المتعدّد الأقطاب بذل المزيد من الجهود لتحقيق العدالة والديمقراطية الحقيقية في عالمنا، ومساعدة جميع الأقلّيات على النجاة من أيديولوجيات وممارسات الإرهابيين المتطرّفين”.
قدرة الغرب على التدمير هائلة..
لا يرى دوغين “أيّ حلّ في الشرق الأوسط في الأمد القريب. بل سيتفاقم الوضع حتى يصل إلى نقطة حرجة”. ويكتب: “بالنسبة للسوريين، حاولنا إنقاذ مجتمعهم، لكنّنا خسرنا. نحن بحاجة إلى قبول أنّ هذا سيؤثّر على معركتنا ضدّ العولمة على جبهات أخرى. لكن إذا نأى ترامب بنفسه عن خطّة واشنطن حتى يتولّى منصبه، فربّما يكون قادراً على موازنة أجندة العولمة إلى حدّ ما. لكن في الوقت نفسه، قد يجعل تفانيه الكامل لإسرائيل وللدوائر الأكثر تطرّفاً في إسرائيل الموقف أكثر صعوبة. لا شيء مؤكّد”.
يخلص إلى القول: “اليوم، العالم في حالة اضطراب، في فوضى دموية، وليس فقط الشرق الأوسط. إنّنا بحاجة إلى أن نقود الطريق نحو إقامة علاقات بديلة بين البلدان والأمم والجماعات العرقية والأديان تختلف عن الطريقة التي اتّبعها الغرب في هذا الصدد… لا يمكن للغرب أن يقود البشرية. هو قادر على خلق الصراعات، وإشعال الحروب، والتدمير، لكنّه لا يستطيع أن يبني ويشيد. لا يستطيع الغرب أن يبني أيّ شيء على الإطلاق، لكنّ قدرته على التدمير هائلة”.