أبرز دلالات المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب / 2

67

المحامي د. أسامة العرب

ولذلك، سعى العديد من الديمقراطيين في اليومين الأخيرين، للضغط على الرئيس وإقناعه بالتنحي، في أعقاب أدائه «الكارثي»، على حدّ وصف بعضهم؛ حيث كتب توماس فريدمان الذي يعتبر نفسه «صديقاً» للرئيس الأميركي، في صحيفة نيويورك تايمز، أنّ بايدن رجل طيّب، ورئيس جيّد، لكنّه ليس في وضع يسمح له بالترشّح لولاية ثانية، كاشفاً أنه «بكى» لدى رؤيته مُنهَكاً في المناظرة، ومتلعثماً أمام كاميرات شبكة «سي أن أن» الإخباريّة؛ فيما كتبت ماريا شرايفر، ابنة شقيقة الرئيس الراحل جون كينيدي، وحليفة بايدن، على منصة إكس، «قلبي مفطور»؛ أما رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون، فأكّد أنّ بايدن «ليس قادراً على أن يكون رئيساً، ولا يسعدنا قول ذلك؛ لأنّ الأمر خطير جداً»؛ أما نائبة الرئيس، كامالا هاريس فقد اعترفت بأن الأمور لم تسر على ما يرام وأن أداء بايدن اتسم بـ»بداية بطيئة»، لكنها رفضت مناقشة ذلك في مقابلة مع قناة «سي إن إن»؛ أما السيناتور الديمقراطي السابق كلير مكاسكيل من ولاية ميسوري فقد صرح لشبكة MSNBC إنه كان لدى جو بايدن شيئاً واحداً ليفعله الليلة، وهو طمأنة أميركا بأنه على مستوى الوظيفة رغم عمره المرتفع، «لكنه فشل في ذلك»؛ في حين قال مسؤول في البيت الأبيض لموقع «بوليتكو» واشترط عدم نشر اسمه: «إنه أمر محزن، ولكن أيضا أشعر بالجنون الشديد لتفكير بعض الأشخاص الأذكياء، الذين يكذبون ويحاولون إنجاح هذا الأمر والوقوف خلف ترشح بايدن»؛ أما نيكولاس كريستوفر فقد كتب في نيويورك تايمز: «آمل أن يراجع بايدن أداءه في المناظرة وينسحب من السباق، ويدفع باختيار مرشح ديمقراطي آخر للمؤتمر في آب».

ولكن الرئيس بايدن رفض التنحي، وصرّح أمام تجمّع لأنصاره في ولاية كارولاينا الشمالية مساء الجمعة الماضي، بأنه وإن لم يعد يسير بسهولة أو يتكلم أو يناظر بطلاقة كما كان يفعل سابقاً،  إلا أنه يعلم كيف يقول الحقيقة، ويعلم الصواب من الخطأ، ويعلم كيفية تأدية مهام الرئاسة، وكيفية إنجاز الأمور، مشيراً إلى أنه حين يسقط فإنه ينهض مجدداً.

غير أن تمنع بايدن عن التنحي، لا يعني أن الحزب الديمقراطي ملتزم نهائياً بتبنيه كمرشح له، إذ بعد 6 أسابيع سينعقد المؤتمر المفترض فيه الإعلان عن اسم المرشّح الرسمي للحزب الديمقراطي؛ وها هي دعوات الديمقراطيين انطلقت منذ الآن للاستغناء عن بايدن لمصلحة مرشح آخر، وأصبحت علنية، حتى بات هنالك قوائم قصيرة تم إعدادها كبدائل للرئيس بايدن، منهم حاكمة ولاية ميشيغان جريتشن ويتمير، وحاكم ولاية كنتاكي آندي بيشير، وحاكم ولاية كارولينا الشمالية روي كوبر، والأهم حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، بينما استُبعدت كامالا هاريس نائبة الرئيس، نظرا لتدني شعبيتها، رغم كونها الوريث السهل والطبيعي لبايدن.

وما يعزّز هذا التوجه، أن مسؤول سابق في إدارة أوباما كتب عن توقعه لكيفية انسحاب بايدن مستقبلاً، حيث صرّح بما يلي: «نحتاج إلى اتفاق مفتوح، عليه أن يذهب»، وسرد الأسماء الرئيسية التي يمكن أن تواجه بايدن بالواقع المؤلم، وهي 3 حلقات: «عائلته، وخاصة زوجته جيل وشقيقته فاليري بايدن، كما أقرب مستشاريه، وهم تيد كوفمان، توم دونيلون، رون كلاين، ستيف ريتشيتي وأنيتا دن، وكذلك المسؤولون السابقون وكبار الحزب الديمقراطي، مثل باراك أوباما، آل غور، نانسي بيلوسي، أو جيم كلايبورن»،  لاسيما أن الديمقراطيين اليوم بدأوا يخشون من احتمالات فوز ترامب المرجّح، فيما لو بقي بايدن، ويتحسسون عدد المقاعد التي سوف يخسرونها مستقبلاً في الكونغرس الأميركي نتيجة خسارتهم لموقع الرئاسة.

ولكن يبقى السؤال الأكثر تداولاً: هل سوف يتم استبدال بايدن من قبل الحزب الديمقراطي في هذا التاريخ المتأخر، أم أنه من غير المرجح حدوث ذلك؟

برأينا الشخصي، بكافة الأحوال، وسواء تم استبدال بايدن بمرشح آخر أم لا،  فلقد ظهرت الملامح العامة لسياستي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في قضايا الاقتصاد والسياسة الخارجية والحروب والانسحاب من أفغانستان وقضايا الهجرة والإجهاض، وكلها سيئة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وقضية فلسطين، حتى في ظل إذعان أميركا مؤخراً بوجود تحوّلات في النظام السياسي الدَّوْليّ، وقوى دولية كبرى تنازعها القرار على الساحة العالمية، وهذا ما بدا واضحاً من أسئلة المذيعين إبان المناظرة التي دار أغلبها حول روسيا وانعكاسات العالم المتعدّد الأقطاب على أمن أميركا واقتصادها الداخلي وعلاقتها بربيبتها إسرائيل، والتي للأسف لا يزال يصرّح الحزبان الحاكمان المتنافسان اليوم على الحكم الرئاسي فيها، بأنهما أكبر داعمين لها، وأنهما يرغبان بالقضاء على كل من يقاومها ويتصدّى لها، وبالأخص حركة حماس، فبئس هكذا إيمان بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في دولة عظمى راعية للإرهاب الصهيوني وتسليحه، ورافضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ولوقف إطلاق النار في غزة ووقف استخدام التجويع والإبادة الجماعية كأداة ممنهجة للتطهير العرقي والتهجير القسري من أوطان المستضعفين.

المحامي أسامة العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.