كتب عوني الكعكي:
كثر الحديث في هذه الأيام حول المعركة التي يقودها حزب الله اللبناني العظيم لمساندة أهل فلسطين في غزة… ومع اشتداد هذه المعركة وتوسّعها وخروجها عن “الحدود التي كانت معتمدة في بدايتها” لتشمل مناطق مدنية أبعد وأوسع، واللجوء الى اغتيال عدد من عناصر حزب الله ارتقوا شهداء في سبيل الوطن… وتحوّل هذا الحديث الى مجال لانتقاد موقف حزب الله من هذه المساندة وفائدتها وأهميتها. هذا الانقسام في الرأي انعكس مواقف تبلغ حدّ التشنّج في كثير من الأوقات، وراحت بعض الآراء ترتفع مطالبة بإيجاد حلّ “لسلاح حزب الله”، منادية بخطة دفاعية، حتى ان البعض اتهم قيادة حزب الله بالتفرّد باتخاذ القرار من دون أن تتشاور حتى مع شركاء الوطن الآخرين.
ومع اشتداد المعارك في الجنوب، وتوسّع مداها، ودخول أنواع جديدة من المسيّرات والصواريخ والقذائف، زادت حدّة الانتقادات، وتوسّعت رقعتها في أوساط معيّنة. وذهب البعض بعيداً مطالباً برفض “توريط” لبنان بهذه الحرب، فانعكس الوضع -وللأسف الشديد- ليتحوّل الى موجة احتجاجات ورفض لهذا الوضع القائم وخصوصاً من قِبَل الشركاء في الوطن… حتى ان البعض ذهب الى حدّ القول إنه لا يريد أن يشارك في الحرب، وهو ضد المشاركة فيها. وراح هذا البعض يسأل ويتساءل: لماذا دخل الحزب في هذه الحرب، وأقحم لبنان فيها؟.. وهل حصل الحزب على موافقة “الشريك الآخر” في الوطن؟.. وإذا كانت الحال هكذا… فقد ذهب بعض ثالث الى مواقف أكثر تشدّداً ومعارضة، إذ قالوا “خلونا نعيش وحدنا… وما بدنا نعيش معكم”. وتابعوا: “إذا كان الأمر كذلك… فلماذا لا نقسّم البلد؟.. فمَن أراد الحرب فليلتحق بحزب الله، ومَن عارض فلينضم الى الفريق الذي يرفض الحرب”.
ببساطة… هؤلاء ينادون بالتقسيم ويطالبون به، وبغض النظر عن صوابية المساندة أو صوابية عدم الانجرار إليها… فإنّ الوضع بات خطيراً جداً لا يبشّر بالخير ولا يطمئن أبداً.. لهذا الفريق التقسيمي، أقول وبكل صراحة وموضوعية “Too Late” بالانكليزية، أي لقد تأخرتم كثيراً بالعربية.
وبوضوح أكثر، أقول: إنّ هذا الكلام لا ينفع اليوم، وقد أصبح لبنان تحت حكم “الحزب العظيم”… ومن يتصوّر أنّ حزب الله، بعد بذله الدم والجهد وتقديم أغلى ما عنده، سيتراجع فهو مخطئ… بل هو مخطئ جداً وواهم.
حزب الله اليوم، لا يستطيع أن يترك ساحة المعركة مهما ارتفعت بعض الأصوات التي تدعوه الى التخلّي عن الحرب، والعودة الى الوضع الذي كان قائماً قبل تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
وطالما بات بعض اللبنانيين منشغلين بمشاركة حزب الله، ومساندة أبطال غزة، والشعب الفلسطيني المنكوب الجائع والمقهور… فإننا نذكّر هؤلاء اللبنانيين المعارضين لتدخل حزب الله، بأنّ مطالبتهم بحياد لبنان اليوم قد جاءت متأخرة أيضاً وأيضاً. لقد كُسِر هذا الحياد عام 1969 مع “اتفاقية القاهرة”.
وللتذكير فقط، أقول إنّ المنظمات الفلسطينية المسلحة، لا سيما حركة فتح، بدأت بالنشاط العسكري في لبنان منذ العام 1963، وقد أخذ هذا النشاط بالتصاعد بعد حرب حزيران عام 1967، حيث أصبح هذا الوجود واقعاً قائماً، وأصبح السلاح منتشراً بكثرة، وانقسم اللبنانيون بين مؤيّد لهذا السلاح (أكثرية المسلمين) ومعارض له (أكثرية المسيحيين)، لكن المسيحيين عادوا ووافقوا على الاتفاق باستثناء المرحوم العميد ريمون إدّه.
وقد جاء “اتفاق القاهرة” 1969 إثر توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية يمثلها ياسر عرفات والجيش اللبناني يمثله العماد اميل بستاني وبوساطة من الحكومة المصرية. وقد وقع الاتفاق في 3 تشرين الثاني (نوڤمبر) من العام 1969 كما أشرنا. وهو يهدف -كما قيل- الى تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بعد عدد من المصادمات التي حدثت بين المسلحين الفلسطينيين والجيش اللبناني.
“اتفاق القاهرة” أقحم لبنان بالصراع العربي – الاسرائيلي، وقضى على حياد لبنان.. وللتذكير فقط أقول، إنّ جميع اللبنانيين ومن مختلف فئاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم وافقوا على هذا الاتفاق الذي عقد خلال “قمة القاهرة”، كما أذكّر ان الاتفاق وافق عليه مجلس النواب اللبناني يومذاك…
لذا أقول أيضاً: إنّ لبنان لم يعد حيادياً منذ “اتفاق القاهرة”، وبموافقة شبه إجماعية. ولم يَعُد البكاء يُجدي ولا العويل ينفع.
بالتأكيد، “اتفاق القاهرة” ظلم لبنان.. لكن الاتفاق وافق عليه اللبنانيون.. وصار الحديث عن الحياد اليوم أمراً لا فائدة منه ولا جدوى من التشدّق به.
دعونا ننتهي من “إسرائيل” وشرورها وعدوانيتها، وعدم احترامها القرارات والمواثيق الدولية… وإذ ذاك يكون لكل حادث حديث.