كتب عوني الكعكي:
لا يوجد سرّ في العالم، إلاّ ويأتي يوم لينكشف مهما حاول أصحابه كتمانه…
بالفعل، عملية وضع السمّ للرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات لم تفاجئ أحداً، لأنه كان معروفاً أن إسرائيل تريد أن تتخلص منه لأنه كان مُصرّاً على إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين.
وبالرغم من كل العراقيل والصعوبات التي وضعت أمامه، كان الرئيس عرفات صبوراً الى أقصى درجات الصبر، وهو يصر على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها «القدس»، كما كان يردّد دائماً:
وبما أن إسرائيل كانت تتهرّب من موضوع الدولة الفلسطينية، كان لا بد من التخلص من عرفات بأي طريقة حتى ولو أدّى الأمر الى قتله، أو وضع السمّ ليأكله، أو تسميمه بإبرة لا يعرف أحدٌ بها.
من هنا، جاءت «الفكرة» بعد أن اكتشفت إسرائيل أن هناك رئيس حكومة لدويلة فلسطين اسمه «محمود عباس» عيّنه عرفات ليساعده في إدارة حكم دويلة فلسطين.
وفي عام 2001 اتخذت أميركا قراراً حاسماً بالتخلص من الرئيس ياسر عرفات وعزله، وعندما عرضت الأسماء البديلة، وقع الاختيار بموافقة أميركا وبريطانيا وإسرائيل، على محمود عباس الذي كان بنظرهم رجلاً معتدلاً ويلبي مطالبهم في المرحلة المقبلة، ويلتزم بأوامر إسرائيل والولايات المتحدة.
وما يدل على حتمية ما ذكرنا ما جاء في مذكرات كوندوليزا رايس الصادر في كتاب عنوانه «No Higher Honour» وترجمته الى العربية «لا شرف أعلى». هذا الكتاب أصدرته وزيرة خارجية أميركا السابقة السيدة كونوليزا رايس في عهد الرئيس جورج بوش الابن من عام 2005 حتى 20 يناير عام 2009، أي طيلة عهد بوش الابن.
هذا الكتاب يحكي تجربة الوزيرة كوندوليزا رايس في الحكم. كما تطرقت فيه الى علاقة محمود عباس بالولايات المتحدة، وكيف تم تعيينه رئيساً لفلسطين خلفاً للرئيس ياسر عرفات.
ويشير الكتاب الى أن الرئيس عرفات رفض «كامب دايفيد»، وأنّ الرئيس الأميركي بوش الابن كان يرى أن عرفات رجلٌ إرهابي ومخادع ويجب التخلص منه.
عام 2001 اتخذت أميركا قراراً حاسماً بالتخلص من عرفات وعزله. وبدأت باستعراض الأسماء البديلة، فوقع اختيار أميركا وإسرائيل وبريطانيا على محمود عباس لأنه بنظر الولايات المتحدة معتدل ومحترم.
في 18 آذار 2003 تم تعيينه رئيساً للوزراء، من أجل تهيئته لتسلم السلطة.
بعد أشهر قليلة من هذا التعيين، عقدت قمة في شرم الشيخ، دعي إليها محمود عباس بدلاً من عرفات بحجة أن عرفات كان محاصراً في «المقاطعة» رام الله، وكان المؤتمر بهدف دعم عباس.
خطاب عباس في شرم الشيخ أعجب الأميركيين والإسرائيليين. وفي المؤتمر قال عباس: «لا يمكن لدولة فلسطينية أن تنشأ من الإرهاب»، أي إنه كان ضد المقاومة المسلحة… وهذا ما أعجب الأميركيين والإسرائيليين كثيراً، فراحوا يعملون على التخلص من عرفات…
بداية، شوّه الأميركيون صورة عرفات دولياً، وراحوا يمهدون لمجيء عباس الذي لا يستعمل كلمة مقاومة وانتفاضة. فهو في نظر الأميركيين رجل سلام، وسياسته مخالفة تماماً لسياسة عرفات حول الإجراءات الأمنية والعلاقة مع إسرائيل، ودبّ الخلاف بين عرفات وعباس، فاستقال عباس.
هنا بدأت مرحلة تمهيد الطريق أمام عباس. فتمّ تسميم عرفات واختير عباس مكانه.
بعد وفاة عرفات ترشح عباس للرئاسة بمباركة أميركية وإسرائيلية… وكانت وعدته بالفوز بالرئاسة وهذا ما حدث.
وساعدت أميركا عباس ضد «حماس»، بعد فوز الأخيرة بانتخابات 2006 واختيار اسماعيل هنية رئيساً للوزراء.. فحصرت أميركا السلطة بيد عباس وحده، ومنعت الأموال عن «حماس».
واستعان سليم فياض، رئيس وزراء عباس، بشركة أميركية لتيسير الأمور المالية. عملت أميركا لجلب الدعم المالي لعباس، وخصّصت أميركا مبلغ 200 مليون دولار سنوياً لأجهزة حماية عباس التي تدربت في أميركا.
ويبقى السؤال: فلماذا تمّ التخلص من عرفات؟
ولماذا تمّ اختيار عباس؟
وما هي العلاقة بين تسميم عرفات واختيار بديله؟