بقلم عماد الدين أديب
«أساس ميديا»
لا تستطيع إيران أن تكون ثورية إسلامية شيعية، وتكون واقعية براغماتية منفتحة دينياً!
لا تستطيع إيران أن ترفع العقوبات عنها وأن تصنع القنبلة النووية في الوقت ذاته!
لا تستطيع إيران أن تكون دولة ولاية الفقيه وتكون دولة وطنية مندمجة في العالم في الوقت ذاته!
لا تستطيع إيران أن تكون محترمة لسيادة جيرانها ولديها على الأقلّ خمسة أذرع من الوكلاء من الميليشيات المسلّحة في الوقت ذاته!
لا تستطيع إيران أن تدعم وكلاءها بالمال والسلاح والتدريب والتكنولوجيا ثمّ تتخلّى عنهم حينما يتعرّضون للإذلال والمهانة وحرب إبادة وحشيّة!
لا تستطيع إيران أن يكون لها، مرشد أعلى ورئيس، وجيش وحرس ثوري، واقتصاد وطني و”دخل الخمس الشيعي”، كلّ ذلك في آن واحد!
لا يمكن لإيران أن تفعل الشيء ونقيضه في آن واحد وتغضب حينما يغضب منها عقلاء هذا العالم!
دولة غنيّة… أهلها فقراء
حان الوقت كي تتوقّف عقول القيادة في إيران التي حكمت البلاد والعباد منذ عام 1979 وتراجع نفسها بأمانة وموضوعية وشجاعة العلماء العقلاء وتسأل: هل النموذج الإيراني الذي ابتدعته قد نجح أم فشل؟
إنّ دولة مثل إيران بلغ تعدادها 85 مليون نسمة، وهي ثاني دولة من ناحية المساحة في الشرق الأوسط بعد السعودية، ولها تاريخ ضارب في المنطقة منذ عام 625 قبل الميلاد وعضو أساس في مجموعة أوبك بلاس، والدولة الثانية من حيث احتياطات الغاز، ويبلغ ناتجها المحلّي الإجمالي أكثر من نصف تريليون دولار، ويبلغ متوسّط دخل الفرد فيها 4,500 دولار سنوياً، هي دولة لا تستحقّ أن تكون مأزومة اقتصادياً، وأن يعاني سكّانها أزمة.
هذا النموذج الآن لا يصنّف في أيّ مقدّمة لأيّ إنجاز أو مؤشّر عالمي إلا في إنتاج النفط والغاز. وهو في حقيقة الأمر هبة إلهية وصدفة جغرافية لا فضل للدولة والنظام أيّ فضل فيه.
أزمة الاقتصاد الإيرانيّ
لكنّ المتأمّل للاقتصاد الإيراني غير النفطي سوف يكتشف الآتي:
1- ارتفاع معدّل البطالة وارتفاع معدّل التضخّم وفقدان العملة المحلّية لقيمتها بنسبة مئة في المئة في السنوات الخمس الأخيرة.
2- ابتعاد اقتصادها عن التطوير والحداثة بسبب المقاطعة الشاملة لها، وسوء إدارة الاقتصاد الذي أصبح يسيطر عليه رجال الأمن في الحرس الثوري بعيداً عن الكفاءات المتخصّصة.
من هنا لم يكن غريباً ولا مفاجئاً أن يكون هتاف شباب المتظاهرين في الثورة الخضراء: “لا سوريا ولا لبنان، أنا أريد أصفهان وطهران”.
تلك دعوة شباب وطن ثائر يريد، وهذا حقّه، عدم الانغماس في الصراعات الخارجية وتبديد ما بقي من مداخيل البلاد المتأثّرة أساساً بالعقوبات الدولية على تغذية تلك الحروب وهذه الصراعات.
لذلك كلّه نقول إنّ “النموذج الإيراني”، الذي يحاول تسويق ثورة إسلامية معادية للهيمنة ومدافعة عن المظلوميّات الحديثة المعاصرة، يعاني أزمة مصداقية ضاغطة ويعيش حالة انكشاف قاسية أمام جمهوره في الداخل ثمّ لدى أنصاره في صراعات وكلائه في المنطقة.
شروط الخروج من الأزمة
لذلك كانت معضلة إيران ثلاثية الأبعاد صعبة الشروط معقّدة التفاصيل مكلفة في الثمن. فما هو المطلوب للخروج من هذه الأزمات؟
أوّلاً: مطلوب من القيادة الإيرانية أن تثبت هيبتها وقوّتها في الداخل الإيراني.
ثانياً: مطلوب من القيادة أن تثبت لوكلائها في المنطقة، وبالذات جمهور الحزب، أنّها لم تتخلّ عنهم، ولم تستخدم معهم أسلوب “اذهب أنت وحزبك وقاتلا”، لتفادي خسارة بعد الخسائر الفادحة للوكلاء في القيادات وفي العتاد وفي العمران.
ثالثاً: إذا قامت القيادة بإثبات نفسها بممارسة القوّة المباشرة فإنّها تضع نفسها أمام خطرين:
1- إمكانية تدحرج الأمور وانزلاق العمليات العسكرية إلى حرب إقليمية شاملة.
2- الخطر الثاني وهو الأهمّ يرجع إلى احتمال القيام بعمل عسكري يعرّض للخطر التفاهم الإيراني – الأميركي الذي تمّ في العاصمة العمانية بعدم رفع العقوبات الاقتصادية المؤلمة على طهران.
هذه المعضلة تجعل صانع القرار الإيراني يسير على سلك مشدود فوق بركان مشتعل من النار الملتهبة فإذا انزلق سقط فيه واحترق!
أسوأ أعوام إيران
7 أكتوبر 2023 بدا للوهلة الأولى بداية الصعود الإيراني في التحكّم بمفاصل الأمن الإقليمي في المنطقة. لكن يأتي 7 أكتوبر 2024 لكي تصبح إيران تحت مطرقة القوّة وبين سندان الحقيقة المؤلمة لهذه القوّة.
هذا العام هو أسوأ أعوام انكشاف الثورة الإيرانية منذ عام 1979… لماذا؟
لأنّه عام الخيارات الصعبة. عام لا تستطيع فيه إيران إمساك العصا بين كلّ الاتّجاهات.
إنّه العام الذي يتعيّن فيه على إيران أن تختار بين “مصالح الدولة” و”ضلالات الثورة”.
عماد الدين أديب