لا يختلف اثنان على أن الملف الاقتصادي يشكل أحد أكبر التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة في لبنان، إن كان من حيث من بوابة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة ومحاربة الفساد ورد ودائع المواطنين واستقرار سعر الصرف، وكذلك الحصول على دعم خارجي لإعادة إعمار ما تهدم في الحرب الأخيرة ووضع خطة إصلاحية نقدية شاملة تنهض البلاد من الأزمة الكبيرة التي شهدتها في خريف عام 2019.
يكشف لنا الوزير جابر عن الخطوط العريضة للخطة الاقتصادية للحكومة، مؤكداً أن تضافر الجهود والإصلاح هما السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان. وأشار إلى تجانس التشكيلة الحكومية وعزمها على وضع لبنان على مسار التعافي، موضحاً أن أولويات الإصلاح تشمل تعيين الهيئات الناظمة وتفعيل القوانين الإصلاحية وتحسين الجباية الضريبية ورقمنة وزارة المالية، إلى جانب معالجة أزمة سعر الصرف والدين العام، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية.
وفي ما يخص أزمة أموال المودعين، شدد جابر على أن الحكومة لن تلجأ إلى شطب الودائع، بل ستعتمد آلية منظمة لاستعادتها تدريجاً.
يعد وزير المالية أن “الحكومة الجديدة أطلقت على نفسها حكومة الإصلاح والإنقاذ” بهدف واضح ورؤية واضحة تقوم على مبدأ أنه لا إنقاذ من دون الإصلاح الذي هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان من أزمته المالية والاقتصادية الخانقة. وحول العناوين العريضة للخطة المالية في المرحلة المقبلة، أوضح جابر أن “الحكومة ستبدأ بتعيين الهيئات الناظمة وتفعيل القوانين الإصلاحية التي هي موجودة بالفعل إنما لم تطبق”، مشدداً على أهمية إطلاق مراسيم تطبيقية لتنظيم عمل المؤسسات العامة.
أما عن الإصلاحات الهيكلية، فيكشف الوزير أنها ستمتد إلى قطاعات حيوية مثل الكهرباء والاتصالات والطيران، إضافة إلى تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما كشف عن اجتماع مرتقب للمجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، حيث سيتم وضع الأطر اللازمة لتنفيذ المشاريع المشتركة بين الدولة والقطاع الخاص.
وفي ما يخص الشأن المالي، شدد جابر على أن “الحكومة أصدرت موازنة عام 2025 بمرسوم سريع لضمان الانتظام المالي، متجاوزة الضغوط المطالبة بإعادة دراستها”، مؤكداً أن “تحسين الجباية الضريبية وإصلاح قطاع الجمارك من الأولويات الضرورية لإعادة التوازن المالي إلى الدولة”. كما أشار إلى العمل على “مشروع رقمنة وزارة المالية عبر إنشاء مركز بيانات موحد (Data Center) لجمع كل المعلومات المالية والضريبية والعقارية، مما يسهم في تحسين الأداء الحكومي ومكافحة الفساد الإداري”.
مع استمرار تذبذب سعر صرف الدولار وتأثيره في الاقتصاد اللبناني منذ انفجار الأزمة الكبيرة عام 2019، التي تدهور معها سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية من 1500 ليرة إلى نحو 89 ألفاً، تطرح تساؤلات حول استقرار العملة الوطنية والإجراءات الكفيلة بضبط السوق المالي. وفي هذا السياق أوضح جابر أن “هذا الملف يعني مباشرة الإصلاح المالي الذي لا يكتمل من دون تحقيق المحاسبة والمساءلة، وهذا الإصلاح يعني حتماً محاسبة المسؤولين عن الفشل المالي الذي شهده لبنان خلال العقود الماضية”.
أما بالنسبة إلى سعر الصرف، فأكد أن “استقرار الدولار يتطلب استعادة ثقة الأسواق المالية والمستثمرين، مما سيسهم في زيادة تدفق العملات الصعبة إلى البلاد”. ورأى أن “التحكم في سعر الصرف لا يعني تثبيته عند مستوى معين، بل يجب أن تكون هناك مرونة في التحرك وفق المعطيات الاقتصادية المتغيرة”.
نسأل الوزير “من حاكم مصرف لبنان التالي”؟ فيجيب شارحاً في البداية عن آلية تعيين الحاكم التي تتم عبر قيامه شخصياً من موقعه كوزير للمالية باقتراح مجموعة أسماء، نحو ثلاث شخصيات كفؤة، وتعرض سيرتهم الذاتية على مجلس الوزراء ومن ثم يتم اختيار شخص محدد لتعيينه، ويكشف لنا أن هذا الأمر سيتم حكماً قبل نهاية مارس (آذار) الجاري أي خلال أسبوعين كحد أقصى، ويقول “الحكومة ستعمل على تعيين حاكم جديد قبل نهاية الشهر الجاري، على أن يكون شخصاً له إطلالة خارجية وذا كفاءة وخبرة في القطاعين المالي والنقدي، وقادر على قيادة مرحلة إصلاحية حاسمة داخل المصرف المركزي والقطاع المصرفي ككل”.
وحول العلاقة بين وزارة المالية والمصرف المركزي، شدد جابر على أن “التعاون بين الجهتين يسير بصورة إيجابية”، موضحاً أن “اختياره للحاكم الجديد سيكون مبنياً على فهم مشترك للأزمة الاقتصادية وضرورة العمل معاً لإيجاد الحلول المناسبة”.
اضاف: “يحتاج لبنان اليوم دعماً مالياً خارجياً كبيراً، عربياً وغربياً، لإعادة إعمار ما هدمته الحرب خلال السنة الماضية بخاصة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة، إنما بات من المؤكد أن الدعم لن يأتي من دون إصلاحات جوهرية تبدأ من محاربة الفساد والإصلاح المالي والسياسي وتنتهي بحسم مسألة السلاح غير الشرعي وعلى رأسه سلاح “حزب الله”.
وهنا يبرز التساؤل حول إمكانية عقد مؤتمرات مشابهة لـ”باريس 1 و2″ السابقين للحصول على مساعدات جديدة. وفي هذا السياق، كشف جابر أن “الحكومة دخلت في مفاوضات مع البنك الدولي، ونجحت في تأمين تمويل بقيمة مليار دولار لإعادة إعمار البنى التحتية، حيث سيسهم البنك الدولي بـ250 مليون دولار كقرض، فيما سيتم استقدام مساعدات بقيمة 750 مليون دولار من جهات مانحة أخرى”.
وأوضح أن “إعادة الإعمار يجب أن تبدأ من البنية التحتية”، مؤكداً أن أي “مشروع تنموي يجب أن يرتكز على إعادة تأهيل الطرقات وتأمين المياه وتحسين شبكة الكهرباء، قبل التوسع في مشاريع أخرى”. كما أشار إلى “وجود وعود بعقد مؤتمر جديد في باريس لدعم لبنان”.