بقلم كلير شكر
«اساس ميديا»
كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية من التوغّل البرّي من جهة، ونضوج الظروف السياسية للحلّ السياسي من جهة أخرى. وهو ما يشير إلى اعتماد حكومة العدوّ سياسة العصا والجزرة: إمّا قبول لبنان بالمطروح، المتمثّل بمسوّدة الاتّفاق الأميركي الذي صاغه هوكستين، وإمّا استمرار الضربات إلى أجل غير مسمّى!
ترى مصادر مطّلعة على الموقف الأميركي أنّ الغموض المحيط بعودة الموفد الأميركي للإدارة المنتهية ولايتها يعود إلى عدم استعداد الحكومة الإسرائيلية للمضيّ قدماً في المسار الدبلوماسي، خلافاً لتسريبات إعلامها، وبالتالي منح هذا الإنجاز إلى إدارة جو بايدن. ولهذا صار لا بدّ من انتظار دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض لإنضاج الحلّ الدبلوماسي وإنتاج اتّفاق ولو غير مباشر بين لبنان وإسرائيل.
تعتقد المصادر أنّ الهوّة لا تزال كبيرة بين ما تريده إسرائيل وما يستيطع لبنان الرسمي الالتزام به والتعهّد بتنفيذه، خصوصاً أنّه لا يتمتّع بترف تكرار تجربة 2006، أي التطبيق النظري، وصار لا بدّ من إثباتات حسّيّة تقطع الشكّ باليقين وتضع حدّاً للغة الحديد والنار عبر الانتقال إلى مرحلة “اليوم التالي”.
الخطوة الجديدة من الرّياض
وحدها القمّة العربية – الإسلامية، التي استضافتها السعودية، تمثّل خطوة جديدة في تطوّرات المنطقة، لأنّها مؤشّر إضافي إلى انخراط الرياض في المسار الدبلوماسي، سواء في ما يخصّ ملفّ غزة أو ملفّ لبنان، اللذين ما يزالان متعثّرين. إذ أعرب وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته عن رفضه “تهديد أمن لبنان واستقراره وانتهاك سلامته الإقليمية وتهجير مواطنيه، وتؤكّد المملكة وقوفها إلى جانب الأشقّاء في فلسطين ولبنان لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل، وندعو المجتمع الدولي إلى النهوض بمسؤوليّاته لحفظ الأمن والسلم الدوليَّين بالوقف الفوريّ للاعتداءات الإسرائيلية على الأشقّاء في فلسطين ولبنان”.
من هنا تأتي أهمّية زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لبيروت، لأنّها تحصل بعد ساعات قليلة من صدور بيان القمّة العربية – الإسلامية الذي شدّد على “أهمّية الإسراع في انتخاب رئيس للبنان ودعم القوّات المسلّحة اللبنانية باعتبارها الضامن لوحدته واستقراره”، ودعا إلى “التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 (2006) بكامل مندرجاته، والتأكيد على التضامن مع لبنان في مواجهة هذا العدوان”.
بالتفصيل، يتبيّن أنّ التحرّك المصريّ نابع من الحرص على استعادة لبنان لاستقراره، بمعنى أن لا يعالج الاتّفاق، الذي سيتمّ التوصّل إليه، الشقّ الأمني المتّصل بمصير سلاح “الحزب” وبقعة وجوده الجغرافية ومهامّ المؤسّسة العسكرية في المرحلة التالية فقط، إذ يتطلّع المصريون إلى إنتاج تسوية شاملة أمنيّة- سياسية- إنسانية ترعى اليوم التالي، لتكون أشبه بخارطة طريق يستند إليها لبنان والمجتمع الدولي في رسم معالم المرحلة المقبلة لضمان ديمومة هذا الاستقرار.
إذ إنّ نتائج العدوان الإسرائيلي لا تقتصر فقط على الدمار الذي تسبّب به في القرى الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية، وإنّما ثمّة تداعيات إنسانية وسياسية لا تقلّ أهمّية وخطورة إذا لم يُصَر إلى معالجتها، وترتبط بعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم، لأنّها مسألة ملحّة لا بدّ من صياغة حلول عملية لها بالتزامن مع صياغة الحلول الأمنيّة.
إلى ذلك، لا بدّ من العمل على استعادة اللحمة الداخلية التي تعرّضت للتشظّي بفعل الخلافات إزاء حرب الإسناد التي خاضها لبنان، واستطراداً سلاح الحزب، والدفع باتّجاه انتخاب رئيس للجمهورية لإعادة تفعيل الدورة الدستورية في البلاد وإنتاج السلطات وملء الشواغر التي تسلّلت إلى المؤسّسات الدستورية والقضائية والأمنيّة والإدارية.
الأوراق الدّوليّة وعمق الأزمة
في الكواليس الدبلوماسية قناعة بأنّ الأفكار المطروحة التي تعبّر عنها الورقتان الفرنسية والأميركية لم ترتقِ بعد إلى مستوى مقاربة عمق الأزمة اللبنانية بكلّيّتها. فالورقة الفرنسية تشوبها العموميّات في طرحها ولا تقدّم آليّة عمليّة ترضي الإسرائيلي، فيما الورقة الأميركية منحازة كثيراً لإسرائيل وتفرض على لبنان تنازلات قاسية ولا تحاكي هواجس اللبنانيين، وتحديداً الحزب، ولا تقدّم ضمانات كافية تجعلهم يقبلون بما هو مطروح عليهم.
من هنا البحث، لا سيما لدى الدبلوماسية المصرية، عن أفكار أكثر شمولية وعملية، تبدأ بمعالجة الجانب الأمنيّ المرتبط بجنوب الليطاني ومصير سلاح الحزب، وتمرّ بطبيعة الحال بخطّة لإعادة الإعمار وترتيب وضع النازحين لضمان عودتهم إلى قراهم لتطويق احتمال وقوع أزمات اجتماعية لاحقة. كما تعالج الأزمة السياسية بشقّيْها، المؤسّساتيّ بإعادة إنتاج السلطة، والوطني من خلال مصالحات داخلية.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ التحرّك المصري هو أقلّ من مبادرة متكاملة، لا سيما أنّ ظروف الحلّ لم تنضج بعد، لكنّه أكثر من زيارة استكشافية، وهو يندرج في خانة وسطية بين المنزلتين. وتفيد المعلومات أنّ عناوين الزيارة المتعدّدة الجوانب ستتناول:
– الدعم السياسي والإنساني.
– حرص مصر على الخصوصية اللبنانية وتعدّديّتها، بمعنى رفضها كسر أيّ طرف أو طائفة، كما رفضها لمعادلة غالب ومغلوب.
– الاطّلاع عن كثب على الخطوط الحمر التي يضعها لبنان لأيّ اتّفاق يريده، أي لتنفيذ مندرجات القرار 1701.
– تأكيد دعم المؤسّسات الرسمية وفي مقدَّمها الجيش، عملاً بالاتفاق المصري- السعودي- الأميركي بالتنسيق مع فرنسا، والوقوف على حاجات المؤسّسة العسكرية، خصوصاً أنّ لمصر القدرة على دعمها لوجستياً وتقنياً وعلى تعزيز قنوات التواصل مع الدول الداعمة للجيش من خلال اتصالاتها وعلاقاتها معها.
كلير شكر