طوني جبران
قبل ان يبزغ فجر الاول من العام المقبل يكون وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيين جان نويل بارو وسيباستيان لوكورنو قد أمضيا الساعات الأخيرة من العام المشرف على نهايته في بيروت في زيارة تقليدية سنوية دأب عليها وزير الدفاع الفرنسي الذي كان يمضي ليلة رأس السنة الى جانب الجنود الفرنسيين العاملين في صفوف القوات الدولية منذ انشائها. وسبق ان قام بمثيلاتها وفي شكلها ومضمونها كلا من وزيري الدفاع الايطالي والاسباني كما رئيس الأركان الايرلندي مرات عدة.
هذا كان من الماضي، كما قالت مصادر سياسية وديبلوماسية محلية وغربية مطلعة لـ”المركزية” في تقويمها لما يرافق الزيارة الفرنسية في شكلها الاستثنائي، فاعتبرت ان ما جرى العام الماضي كان مختلفا ومميزا عما سبقه من سنوات عدة، بالنظر الى حجم المتغيرات التي حملها والظروف الاستثنائية التي دفعت الى هذه الزيارة المزدوجة للمرة الأولى التي جمعت وزيرين مكلفين بالشأنين الأمني والديبلوماسي في موازاة التطورات المتسارعة التي لم يغب عنها الفرنسيون ولا سيما لجهة المفاجآت التي قادت إليها الانهيارات الدرامية التي شهدتها المنطقة وكان لبنان في قلبها.
ولفتت المصادر الى ان ما جرى في لبنان على مدى عام ونيف لم يكن محتسبا، ذلك أن اراضيه شهدت حربا اقتيد إليها اللبنانيون منذ ان اعلن “حزب الله” من طرف واحد حرب “الإلهاء والإسناد”، قبل ان تتدحرج الأمور لتشن اسرائيل عدوانها الكبير في السابع عشر من ايلول الماضي بعدما وفرت دعما دوليا غير مسبوق تسببت به المواقف التصعيدية الخاطئة لـ “حزب الله” ومن خلفه “محور الممانعة” بقيادة ايران.
وتأسيسا على ما تقدم تكتسب زيارة الوزيرين الفرنسيين طابعا مميزا، ولن تكون بروتوكولية طالما انها لثلاثة ايام – من نهار غد الاثنين وحتى عصر الأربعاء – ولن تقتصر على تفقد قوات “اليونيفيل” في مقر القيادة في ديركيفا الجنوبية، ضباطا وعناصر تجاوزوا الألف بقليل. فالفرنسيون من القوى الثلاث الكبرى الى جانب رفاقهم من الإيطاليين والإسبان. ولذلك فانهما يوسعان من لقاءاتهما على المستويين العسكري والديبلوماسي بحيث سيلتقيان الى كبار المسؤولين وزيري الخارجية والدفاع عبدالله بو حبيب وموريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون حيث من المقرر مناقشة مختلف التطورات وما انتهت اليه عملية تثبيت الهدنة توصلا الى وقف النار الشامل في نهاية مهلة الستين يوما وقد عبرت نصفها أول أمس.
وفي المعلومات التي توفرت لـ “المركزية” ان الوزيرين الفرنسيين والى جانب حملهما رسالة دعم ومساندة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى اللبنانيين طلبا عقد اجتماعات مع ممثل لبنان في لجنة الإشراف ومراقبة وقف النار العميد إدغار لاوندوس، وزملائه أعضاء اللجنة سعيا إلى تفكيك العقد التي عرقلت حتى اليوم تطبيق ما انتهى إليه تفاهم 27 تشرين الثاني وما قال به القرار 1701 الذي بوشر بتطبيقه لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وضمان انتشار الجيش واليونيفيل في المناطق جنوبي نهر الليطاني.
هذا على المستوى العسكري والأمني، أما على المستوى الديبلوماسي فلا يتجاهل الوفد الفرنسي الزائر اهمية ابراز الدور الفرنسي الفاعل في التوصل الى التفاهم الاخير. فهو نتاج مبادرة اميركية – فرنسية مشتركة اطلقها رئيسا البلدين جو بايدن وايمانويل ماكرون في الأسبوع الأخير من ايلول الماضي على هامش مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ونالت دعما إضافيا من مجموعات عربية وخليجية واوروبية قبل ان تحظى بدعم الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب قبل أسبوعين على موعد وقف النار .
وفي معلومات “المركزية” أنه واستباقا لزيارة الوزيرين الفرنسيين الى بيروت اجرى الرئيس ماكرون اتصالات مع كبار القادة العرب والاوروبيين تناولت الوضع في لبنان على خلفية التعهدات التي قطعها بمساعدة اللبنانيين على تجاوز الأزمتين الدستورية والأمنية والمساعي التي لقيت دفعا كبيرا منذ القمة الفرنسية – السعودية الاخيرة وما انتهت إليه من تفاهمات لدفع مساعي التهدئة وممارسة الضغوط لإنجاز استحقاق انتخاب الرئيس تمهيدا لتوفير الدعم العسكري والمالي . قضايا بات مصيرها رهن نجاح اللبنانيين في تجاوز الاستحقاقين بالإضافة إلى الاتصال الذي أجراه أول أمس بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حيث كانت مقاربة تناولت القضيتين اللبنانية والسورية وسجلا موقفا متوافقا مما يجري على الساحتين بما يخدم التهدئة والأمن والاستقرار في المنطقة بانتظار التفاهم على الصيغ التي تحاكي مستقبل الوضع في غزة.
وقبل ساعات قليلة على وصول الوزيرين، شدد الرئيس ماكرون على أن “يجب القيام بكل شيء لإنجاز انتخاب الرئيس في لبنان”. وانتهى الى القول: “نعمل مع أميركا لضمان احترام اتفاق وقف النار في لبنان”.