وسط التوتّر الذي يلف المنطقة وتشير وتيرته إلى المزيد من الاضطرابات والقتل، جاءت أمس من إيران خطوة ملفتة جدّاً وتحمل دلالات كثيرة إذ سلّم المرشد الإيراني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني ملف المفاوضات مع أميركا وفي هذه اللّحظة الإيرانيّة الحرجة بعد حادث الطوافة الغامضة التي أطاحت برئيس إيران السابق إبراهيم رئيسي ومن معه وأهمّهم وزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان، ماذا تعني هذه الخطوة، وهل هي مدعاة تفاؤل أم لا، وما هو الصّيت الذي يعرفه اللبنانيّون عن علي شمخاني الذي سبق وزار لبنان وتعامل معه على أنّه دولة، وإن ظاهراً.
سبق وأنهى المفوّض الإيراني بملفّ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية ملفّات معقّدة جداً في المنطقة، فالرّجل تسلّم ملفّ العراق بعد إزاحة قاسم سليماني ، وأنجز شمخاني ملفّ تنحية نوري المالكي عن المشهد السياسي العراقي منهياً باستبعاده أزمة كبرى كادت تطيح بالنفوذ الإيراني فيه، بالإضافة إلى أنّ حقبة شمخاني أعادت الحرارة المباشرة إلى خطّ الاتصال الأميركي ـ الإيراني، وأعادت كذلك شيئاً من التفاؤل بعودة التنسيق السعودي ـ الإيراني بعد اجتماع وزيريْ خارجيّة البلديْن في نيويورك، مع ما تلا ذلك من بعض التفاؤل بأن أول ترجمة لعودة التقارب هذا ستحلحل الوضع المعقّد في لبنان، ونذهب باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، بصراحة أليس في كلّ هذا مدعاة للتفاؤل وفي هذا التّوقيت بالذّات الذي تضعضت فيه إيران فجأة، وتحطّم كيان العدو الإسرائيلي على صخرة طوفان الأقصى التي ستعيد في السنوات القليلة المقبلة اليهود من حيث أتوْا وبرغبتهم، فالذّي يفرّق بين المسلم واليهودي الاعتقاد في الموت، اليهود وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى:» يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍۢ» اليهودي يخاف الموت بشدّة، أمّا المسلم فستجد تقبّله للموت في قول الصحابي الجليل خُبَيْب بن عدي:» وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً على أي شِقِّ كَانَ لله مَصْرَعِي»، أساساً هذا التقبّل لقضاء الموت الذي أباد عائلات وأطفال ونساء وشيوخ في غزّة وخرج من بقي منهم ليواجه الحمد لله استوقف الأميركيين والأوربيّين وفتح أعينهم على حقيقة العدو المجرم.
عندما زار علي شمخاني لبنان نهاية أيلول عام 2014 تعرّفنا على وجّه لم نعهده في إيران لأوّل مرّة تتحدث إيران عن «الحوار» في تصريح شمخاني: «هناك عبارة واحدة يعلق عليها الجميع آمالهم وهي أن الحوار هو الطريق الوحيد»، ولأوّل مرة تُبدي رغبة «عمليّة وسريعة» في دعم الجيش اللبناني: «إيران قررت أن تقدم هبة عربون محبة وتقدير للبنان ولجيشه الباسل»،وفي زيارته تلك تحدّث شمخاني عن «الجغرافيا» التي تفصل بين لبنان وإيران وأيضاً في زيارته تلك لم يذكر شمخاني كلمة «المقاومة الإسلاميّة» بل تعاطى بصورة واضحة مع «الدولة اللبنانيّة»، وهذا ـ إن صحّ وصدق أمرٌ سيرحّب به اللبنانيّون، خصوصاً أن أكثر من نصف الشعب اللبناني يرفض الدور الهدّام الذي لعبته إيران طوال ثلاثة عقود عبر تسليح فريق لبناني يعتبر نفسه فوق الدولة والقانون والجيش!! حتّى الجانب الإسرائيلي توقّف عند علي شمخاني وتصدّره الصورة الإيرانيّة يومها، فاعتبر تقرير نشره موقع «ديبكا» الاستخباراتي الإسرائيلي أنّ «شمخاني يهيئ الأجواء الجديدة داخل إيران، وأنّ واشنطن تفاعلت سريعاً مع تعيينه، والتواصل الأميركي مع طهران يتمّ عبر شمخاني قبل وزير الخارجيّة الإيراني». خطوة تسليم علي شمخاني ملف المفاوضات الأميركية ـ الإيرانيّة في هذا التوقيت مهمّة جدّاً، فهل تنتهي مآسي المنطقة بحنكة ومهارة شمخاني على الرّغم من أنّ العيب الوحيد الذي يقلقنا هو المتشددين الإيرانيين المهدويين ورؤاهم وهلوساتهم الخاصة بعلي شمخاني لسبب بسيط «هو أن والده يحمل اسم صالح» راجع www.almontaqem.comـ،وهذه الهلوسة نجدها في تكرار لـ «حكاية عنوانها: «اليماني والخراساني والسفياني»، إذ يعتقدون أن اليماني هو الخميني والخراساني هو ﺍﻟﺨﺎﻣﻨئي،وشعيب بن صالح هو علي الشمخاني!! وبصرف النظر عن هلوسات المهدويين المتطرفيّن، علي شمخاني يملك من الحكمة والعلاقات والذكاء ما يستحقّ التوقّف عنده.
m _ syoufi@hotmail.com