هواجس زعامة جنبلاط أمام الخطر الدرزي الوجودي

بقلم مصباح العلي
كان من المفترض أن يحظى تيمور جنبلاط بوراثة سياسية هادئة، عكس أبيه وجدّه وسائر سلالة جنبلاط الذي نادراً ما يموت زعيمهم على فراش الموت، وكان مخطط الوليد أن تختمر تربة بكره في مجلس النواب أولاً ما يتناسب مع طباعه الشخصية الأميل صوب الانعزال والانطوائية.
لكن الخطر الوجودي القادم من الشرق والجنوب، يفرض على الزعامة الجنبلاطية خيارات عصيبة، وهذا ما يضع تيمور أمام مهمة مختلفة عن رئاسة الكتلة النيابية والنقاشات المخملية، بل ارتداء الكوفية والدفاع عن الأرض والعرض والشرف.
إنه القدر، عند اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977، فرض الخطر الوجودي على وليد جنبلاط لبس عباءة الزعامة على يد شيخ عقل الدروز حينها محمد أبو شقرا تاركاً حياة صاخبة، كما فرضت الزعامة أن يكتم الغضب ويعض على الجرح والذهاب الى قاتل أبيه بعد ذكرى الأربعين مباشرة، وهو انتظر 47 عاماً وأكثر وهواجس الاغتيال تلاحقه حيث عاصر دموية الحرب الأهلية وقتال الزواريب، في ظل طغيان الحسابات الضيقة كما ضياع القضايا الكبرى، بين زيارة أنور السادات الى القدس وإبرام اتفاقية سلام الى الاجتياح الإسرائيلي واحتلال بيروت، مروراً بالصراع الفلسطيني – السوري وصولاً الى «اتفاق الطائف» والوصاية السورية المباشرة، افترض وليد جنبلاط بأنّ لحظة 2005 وإعلانه ثورة الاستقلال كافية للأخذ بالثأر، لكنه خاب ظنه نتيجة اتفاق إيراني – سوري بعدم ترك لبنان في عهدة 14 آذار، ثم تكرر إحساسه بدنو أجل القائد عند اندلاع الثورة السورية، وتكررت خيبة أمل، فما كان فيه إلاّ الانصراف الى تحصين الحالة الحزبية وتسليم تيمور مقاليد الزعامة.
لا يمكن الحديث عن خيبة جديدة، كونه حقق حلمه بعد سقوط نظام الأسد رغم ما له وعليه، على غرار نظيره في الشهادة سعد رفيق الحريري، يضاف إليه بأنّ من أشرف على عملية اغتيال كمال جنبلاط بات في قبضة الحكم السوري الجديد، وقد لا ينفع الانتقام بقدر إعلان الانتصار.
كل هذا لا يكفي، شعار إحياء ذكرى كمال جنبلاط حمل ثلاثية الصمود والصبر ثم الانتصار، وهي مفروضة على الخلف كمال جنبلاط في ضوء خطر وجودي يتهدد الدروز من الزاوية السورية، ولا يخفى على أحد بأن إسرائيل تسعى الى القبض على الورقة الدرزية من زوايا متعددة، سواء في البعد الداخلي عن طريق تطويع ما تبقى من عرب فلسطين وانخراطهم بالمشروع الصهيوني، ثم فرض وصاية على دروز سوريا انطلاقاً من فرض الوصاية إن لم يكن الاستيطان في الجنوب السوري.
لن ننصف تيمور جنبلاط، مشاعر الانتقام والبناء عليها بقدر تدبير حنكة سياسية شبيهة بانطلاقة والده، خصوصاً أنّ الهوجس لديه تضيق بين مخاطر التوترات المتصاعدة على الساحة السورية بين حكم الشرع واستقلالية قرار الدروز كما الأكراد في الشمال، هنا أعلنت إسرائيل صراحة استعدادها دعم الدروز كما ادعت حماية المسيحيين في لبنان ودخلت عسكرياً حتى بيروت.
وليد جنبلاط، قال كلمته الأخيرة في ذكرى والده، فيما العواصف تنتظر تيمور بكيفية حماية الزعامة الدرزية انطلاقاً من هويتها العربية وعدم التماهي مع دعوات السلام والتطبيع، والتي بدأت أصوات المطالبة فيها تأخذ الشكل العلني.
مصباح العلي