بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
ماذا يعني أن ترسل إيران وزير الدفاع عزيز نصير زاده إلى دمشق الأحد، بعد أيام على إرسالها كبير مستشاري المرشد علي لاريجاني الخميس؟ ولماذا هذه العجالة التي تدفع القيادة في طهران إلى أن تبعث برسائل محدّدة، من خلال لقاء موفديها بالرئيس السوري بشّار الأسد؟
قد يكون حافز إرسال الوزير الإيراني أيضاً ما سمعه قبل ذلك لاريجاني في دمشق ومن الرئيس السوري، وما أوحى به ما قيل عن ضغوط متعدّدة المصادر، منها روسية، تطلب من نظام دمشق أخذ مسافة واضحة من أجندة طهران وميليشياتها في سوريا.
حمل لاريجاني قبل ذلك، على الأقلّ في ما أُعلن، دعماً لسوريا. شيء من هذا القبيل قاله في بيروت دعماً لما تقرّره الدولة، لكن أيضاً لما تقرّره “المقاومة”، في شأن وقف إطلاق النار، وبالطبع في شأن انتخاب رئيس للجمهورية.
في رحلتَيه إلى العاصمتين، صاحبه قصف إسرائيلي نوعيّ مكثّف على حيّ المزّة ليس بعيداً عن مكان اجتماعه مع الرئيس السوري، وقصف لم يتوقّف على ضاحية بيروت الجنوبية ليس بعيداً عن مراكز اجتماعه برئيسَي الحكومة ومجلس النواب، وطبعاً بمسؤولي الحزب.
إيران تتفقّد نفوذها في بيروت والشّام
تسعى إيران إلى الحفاظ على أوراقها في سوريا ولبنان. وهي في التوجّه مباشرة لرأس النظام في دمشق وقادة الحكم في بيروت، تتفقّد بإلحاح عدم انزياح الحكومتين عن أجندة طهران وقواعد اشتباكها مع العالم وخضوعهما للمواقيت الإيرانية في التشدّد والتنازل. ظهر ذلك جليّاً في ارتجاف موقف بيروت بعد إطلاق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، وبعده رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، من بيروت، مواقف تحذيرية تصويبية وتهديدية لمواقف رسمية لبنانية بشأن دعم دعوة دولية إلى وقف إطلاق النار كانت صدرت من نيويورك، وإعلان الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
تأتي زيارة وزير الدفاع الإيراني لدمشق لتبعث لمن يهمّه الأمر، لا سيما إسرائيل والولايات المتحدة وحتى روسيا، أنّ لإيران علاقات استراتيجية مع سوريا هي بمستوى عالِ يحتاج تفقّدها إلى كبار الموفدين. الأمر مختلف عن زيارة كبار ضبّاط الحرس الثوري، بمن فيهم قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، ويأخذ شكل العلاقة بين الدول. لكنّ الزيارة قد يكون لها مضمون آخر لإخراج قرار عسكري رسمي قد يكون قيد الدرس ويجب وضع سيناريوهات له مع الحليف في دمشق.
يأتي تحرّك طهران صوب دمشق على خلفيّة دخول الميدان السوري ساحة العمليات العسكرية التي باشرتها إسرائيل بشكل متصاعد ومكثّف ضدّ لبنان. بات القصف الذي طاول مواقع للحزب وحركة الجهاد وميليشيات أخرى تابعة لإيران في الجغرافيا السورية، جزءاً من مسرح عمليات لم يعد يلحظ حاجزاً حدودياً بين البلدين. ويأتي أيضاً على خلفيّة أنباء عن استعدادات عسكرية إسرائيلية في الجولان تحضيراً لتحرّك عسكري جنوب سوريا اضطرّت معه روسيا إلى إخلاء نقاط عسكرية لها في تلك المنطقة.
بوتين حذّر الأسد: إنْأَ بنفسكَ
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استبق التحرّك الإسرائيلي، وأبلغ ضيفه الرئيس السوري في 25 تموز الماضي، بلهجة يقين، أنّ الوضع في الشرق الأوسط يتّجه نحو التصعيد و”ينطبق ذلك بشكل مباشر على سوريا”. وكان يهدف بشخصه إلى دعوة الأسد إلى النأي بنفسه تماماً عن أيّ انخراط قد يؤدّي إلى استدراج حرب كبرى إلى سوريا. أرسل لاحقاً سيرغي شويغو، الأمين العامّ لمجلس الأمن القومي في روسيا، والمقرّب منه شخصياً، إلى طهران في 5 آب الماضي. وسرّبت وسائل إعلام روسيّة أنّه حمل رسالة تطلب من إيران عدم استخدامها الأراضي السورية في إطار أيّ ردّ كانت تتوعّد به إسرائيل. ويُعتقد أنّ طهران استجابت لضغوط موسكو وأوعزت إلى الأمين العامّ للحزب الراحل الإعلان في اليوم التالي، في 6 آب، عن إعفاء سوريا من أيّ تدخّل لدعم “المقاومة” في لبنان بسبب “الظروف الخاصّة” التي تمرّ بها سوريا.
على الرغم من أنّ دمشق لم تتّخذ أيّ مواقف متماهية مع “محور المقاومة” منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأوّل 2023، وعلى الرغم من أنّ الأسد أحجم عن الإدلاء بأيّ مواقف كتلك التي اتّخذها في حرب 2006 من حيث الالتصاق بسرديات إيران وحزبها في لبنان وانتقاد العرب ودول الخليج… غير أنّ الأنشطة الإيرانية في سوريا بقيت فاعلة، خصوصاً في مسألة تهريب الأسلحة للحزب من خلال الحدود.
وفيما اتُّهمت الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، بالتعاون وتسهيل تلك الأنشطة، فإنّ غارة إسرائيلية تحذيرية على فيلا يمتلكها في منطقة يعفور في أواخر أيلول الماضي، أجبرت، وفق تقارير، الفرقة وقائدها على وقف هذا التعاون وتسريب أوامر للنأي بالنفس عن أيّ اختلاط مع ميليشيات إيران وقوّاتها في سوريا. بدا في الأشهر الأخيرة أنّ طهران غاضبة من تورّط أجهزة في دمشق في مقتل ضبّاطها، وينشط في الساعات الأخيرة همسٌ بشأن اغتيال مسؤول الإعلام في الحزب محمد عفيف الأحد، في مركز حزب البعث في منطقة رأس النبع في بيروت.
ماذا عن الوجود الإيرانيّ في سوريا؟
تأتي زيارة وزير الدفاع الإيراني لدمشق على خلفيّة تضارب في المعلومات ما بين طهران وموسكو بشأن الوجود العسكري الإيراني في سوريا. كان مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف قد كشف أنّ إيران والتشكيلات الموالية لها قلّصت وجودها العسكري في سوريا، قبل بدء الحرب الإسرائيلية على إيران. وبدا أنّ في تصريحات الدبلوماسي الروسي رسائل إلى إسرائيل مفادها نفيٌ كاملٌ لاستخدام قاعدة “حميميم” الروسيّة في سوريا لنقل وإمداد الحزب بالأسلحة في لبنان.
بالمقابل، وكأنّه ردّ على مبعوث بوتين، نفى كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر حاجي، أن تكون طهران قد اتّخذت “أيّ قرارات لتغيير عدد قوّاتها في سوريا”، مؤكّداً أنّ “وجود مستشارينا العسكريين في سوريا مستمرّ، ولا توجد قرارات بشأن تغييرات في عدد قوّاتنا وأفرادنا حتى الآن”. وكان تقرير لوكالة “رويترز” نقل عن 5 مصادر مطّلعة، في شباط الماضي، أنّ الحرس الثوري الإيراني سحب كبار ضبّاطه من سوريا، بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية، لافتاً إلى أنّه سيعتمد بشكل أكبر على الميليشيات المتحالفة معه للحفاظ على نفوذه هناك.
الأرجح أنّ طهران استنتجت تقاطعاً أميركياً إسرائيلياً روسيّاً ضدّ الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وأنّها في زيارات لاريجاني ثمّ نصير زاده، وقبلهما عراقتشي وقاليبان، تستعرض بضاعة ما تملكه من نفوذ في سوريا ومن علاقات مرتبطة باتّفاقات بين البلدين. وفي هذا الاستعراض رسائل إلى المجموعة العربية أيضاً المعوِّلة على ابتعاد الأسد عن طهران، وهي رسائل تريح الأسد ولا تحرجه.
توجّه طهران أيضاً رسائل إلى موسكو بمحوريّة وجودها في سوريا داخل “محورها”. لكنّ أهمّ الرسائل هي لواشنطن، ومفادها جهوزيّتها من سوريا لتسهيل صفقة تتقاطع إدارتا جو بايدن ودونالد ترامب على إتمامها في لبنان. وهو ما بدأ يظهر في ليونة الحزب في القبول بالمقترح الأميركي، مقابل القبول بمسلّمة نفوذ إيران في سوريا، التي تُسرّب أوساط ترامب استمرار ميله إلى سحب القوات الأميركية منها. يبقى أنّ إيران تستمرّ في استخدام عُدّة شغل في المناورة بين أقصى التشدّد والإفراط في المرونة. غير أنّ تلك العُدّة قد تكون تقادمت في زمن حروب إسرائيل التي تحظى بغطاء أميركي مطلق في عهد بايدن كما في عهد ترامب.
محمد قواص