الشرق – تتفاوت توقعات المحللين حول مدى قدرة الاقتصاد الأميركي على الإفلات من الركود في 2024، كما بشأن توقيت بدء الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة ومقدارها، وانعكاس ذلك على الأسواق، وفي النهاية مدى تأثير كل ذلك على فرص الرئيس جو بايدن في الانتخابات المقررة أواخر العام المقبل. فبعد عام خيّم عليه التضخم وشبح الركود والصراعات المستمرة تحت قبة الكونغرس، يستعد صناع القرار، الاقتصادي والسياسي، في الولايات المتحدة لسنة جديدة حافلة بالتحديات. «الشرق» ألقت الضوء على سيناريوهات الاقتصاد الأميركي للعام المقبل، وانعكاساتها على الأسواق والانتخابات الرئاسية، في حلقة خاصة حملت عنوان: «أفاق الاقتصاد الأميركي في 2024». انخفض التضخم في نوفمبر قرب أدنى مستوياته منذ 2021 عند 3.1% على أساس سنوي، وتشير التوقعات إلى استمرار تباطؤه خلال العام القادم باتجاه المستهدف، ما لم تحدث مفاجآت تعرقل مساره. ويتوقع «الفيدرالي» انخفاض التضخم الأساسي إلى 2.4% في 2024، على أن يصل إلى مستهدف 2% بحلول عام 2026. أما بخصوص نمو الاقتصاد، فيتوقع المركزي الأميركي تراجع النمو الاقتصادي في العام الجديد إلى 1.4%?، من 2.6%? هذا العام، قبل أن يعود للارتفاع إلى 1.8%? في 2025 و1.9%? في 2026 بما يتماشى مع النمو المستهدف على المدى الطويل والبالغ 1.8% في المتوسط.
هبوط سلسل أم ركود؟
عائشة طارق، المؤسسة المشاركة في «ماكرو فايزر»، رأت في مداخلة خلال الحلقة الخاصة، أن احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في ركود خلال العام المقبل لا تتجاوز 50%، كما اتفقت مع توقعات الفيدرالي بنمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.4% في العام المقبل. وأرجعت استبعادها لحتمية دخول الاقتصاد الأميركي في ركود إلى الشواهد التي تشير إلى أن المستهلك لم يضعف، كما أن ميزانيات الأسر لا تزال قوية، والمدخرات التي تمّ جمعها خلال الفترة الماضية ستُبقي الاستهلاك قوياً لفترة. مضيفةً: «عندما يبدأ أثر رفع الفائدة في الظهور، ستكون اللحظة التي يبدأ فيها الفيدرالي في خفض معدل الفائدة، وهو ما تدل عليه نبرة مسؤولي الفيدرالي المتساهلة». توماس سايمونس، الاقتصادي الأول في «جيفريز»، لم يوافقها الرأي، حيث يرى أن الاقتصاد الأميركي لن يفلت من الركود العام القادم، وتوقع هبوطاً حاداً بنسبة 70%، وتراجعاً في النمو خلال الربع الأول وحتى الثالث بالناتج الإجمالي المحلي ليبلغ صفراً، قبل أن يبدأ الاقتصاد في التعافي بدايةً من الربع الرابع. واعتبر سايمونس بأن المستهلك مُنهك الآن، حيث أن مدخراته بدأت تنفد بعد أن أنفق الكثير منها في الربع الثالث من 2023، متوقعاً أن يكون الإنفاق بالفعل انخفض في الربع الرابع بانتظار البيانات الشهر المقبل. لكن رغم ذلك، فإنه يرى أن الركود سيكون سطحياً، ولن يطول عن ثلاثة فصول كفترة قصوى، كما توقع أن ترتفع البطالة قرب 6% لتتحسن بعدها بشكل سريع. بالمثل، تباينت توقعات بنوك الاستثمار العالمية لآفاق الاقتصاد الأميركي في عام 2024. فبينما رجح «جيه بي مورغان» أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.6% وأن ينخفض التضخم إلى 2.4%، يتوقع «غولدمان ساكس» نمواً بنسبة 2.2% وتراجعاً للتضخم إلى 2.7%. وفي أقل توقعات النمو يرى «دويتشه بنك» تراجع نمو الاقتصاد الأميركي إلى 0.6% وتضخماً عند 2.1% خلال العام القادم.
توقيت خفض الفائدة
بالنظر إلى المسار الهابط للتضخم والتباطؤ المحدود في النشاط، ترجح الأغلبية في «وول ستريت» تحول «الفيدرالي» إلى التيسير النقدي العام المقبل. لكن موعد ووتيرة خفض الفائدة تظل محط اختلاف بين «المركزي» والأسواق. يرجح «الفيدرالي» 3 تخفيضات مجملها 75 نقطة أساس، بينما تسعر الأسواق وفق 6 تخفيضات محتملة يصل مجملها إلى 150 نقطة أساس، وفي ظل هذه المساحة الواسعة بين التوقعين، يبحث الدولار وسوق السندات عن اتجاه. بيتر شيف، كبير الاقتصاديين والاستراتيجي العالمي في «باسيفيك كابيتال»، أكّد أن «الفيدرالي» لا يسيطر على معركة التضخم، وخفضه للفائدة، المرجح أن يبدأه العام القادم، سيؤدي إلى انهيار حاد في قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهو ما من شأنه أن يعيد مسار الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى بمعدلات بعيدة تماماً عن مستهدفه عند 2%.