بقلم خالد البواب
«أساس ميديا»
حركة سياسية متجدّدة تشهدها الساحة اللبنانية لها أكثر من خطّ، وغايتها مواكبة كلّ التطوّرات ما بين الوقائع الداخلية وجبهة الجنوب التي تعيش على إيقاع الحرب المستمرّة على غزة التي تفيد كلّ المؤشّرات بأنّها ستكون طويلة.
تتداخل التحرّكات ما بين الداخل والخارج، وسط مساعٍ لفصل جبهة الجنوب عن الاستحقاق الرئاسي، في مقابل استبعاد ذلك والقناعة بأنّهما أصبحا يرتبطان بعضهما ببعض. لا بدّ من استعراض جملة نقاط وتحرّكات:
– أوّلاً، زيارة أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين للبنان واللقاءات التي عقدها، وفحوى الزيارة التي تشير مصادر متابعة إلى أنّه كان حريصاً على ثبات المسيحيين في دولهم والحفاظ على الدولة الوطنية والتعاطي بواقعية لحماية وجودهم وبقائهم ودورهم، مع إشارات إلى ضرورة التفاوض والتشاور مع كلّ المكوّنات بما فيها المكوّن الشيعي.
– ثانياً، أسهمت زيارة بارولين والملفّات التي ناقشها في إعادة إحياء وتفعيل قنوات التواصل بين بكركي والحزب، من خلال الموفدين أو من خلال تفعيل اللجنة المشتركة بين الحزب والبطريركية المارونية، بالإضافة إلى التوضيح الذي أصدره وليد غياض مستشار البطريرك بشارة الراعي تجاه الموقف من الحزب. هنا تتضارب المواقف والتقديرات، وهو ما ينعكس انقساماً في الآراء السياسية داخل الكنيسة المارونية من جهة، وبين القوى السياسية المسيحية المنقسمة على ذاتها من جهة ثانية. كنسيّاً، يبرز التباين في الآراء بين من يؤيّد العودة إلى الواقعية والتعاطي مع الحزب والانفتاح على الحوار وعدم الدخول في مواجهة سياسية معه حاليّاً في ظلّ الحرب في الجنوب، وبين من يصرّ على التعبير عن رفض كلّ ممارسات الحزب ويتّهمه بالتعطيل. الانقسام نفسه ينعكس سياسياً ويتجلّى بين التيار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية.
– ثالثاً، نشاط الحزبين المسيحيَّين الأكبرين كلٌّ في اتجاه. فالتيار الوطني الحرّ المقتنع بالحوار يسعى إلى تعزيز علاقاته مع غالبية القوى الداخلية والخارجية، فيوازن في مواقفه بين الحفاظ على العلاقة مع الحزب والانفتاح على الجميع، محاولاً فرض شروط على الحوار بشكل يضمن انتخاب رئيس بعد انعقاده. يدخل التيار في مراجعة شاملة لمواقفه من أجل تحسين ظروف العلاقة مع الدروز، السُّنّة والمسيحيين الآخرين، بالإضافة إلى المساعي المستمرّة لتحسين العلاقات مع الدول العربية، وهي نوع من استعادة للدور التاريخي للمسيحيين. في المقابل، تسعى القوات اللبنانية إلى تكبير حجم الكتلة النيابية الاعتراضية ورفعها من 31 نائباً إلى 43، وسط اختلاف مع الحلفاء التقليديين، ولا سيّما الحزب التقدّمي الاشتراكي والسُّنّة.
عودة اللجنة الخماسيّة
– رابعاً، ينبثق عن هذه الاختلافات إحياء متجدّد للّجنة الخماسية من خلال حركة نواب المعارضة الـ31 الذين عقدوا اجتماعاً مع سفراء الدول الخمس، على أن يتوسّع نشاطهم لشرح وجهة نظرهم والقيام بما كان يفترض أن يقوم به المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، أي تقديم المواصفات والبنود والثوابت التي يجب على أساسها انتخاب الرئيس والتي أجمعت عليها الكتل النيابية المختلفة خلال لقاءاتها المتكرّرة بالمبعوث الفرنسي. قد لا يقتصر تحرّك النواب الـ31 على لقاء السفراء الخمس، بل سيتوسّع ليشمل العديد من السفارات لشرح الموقف وتشكيل عناصر ضغط.
– خامساً، تكثيف الاجتماعات بين قوى المعارضة للتنسيق بعد تلقّيهم بعض الانتقادات حول غرقهم في حسابات تفصيلية تسهم في تعميق الخلاف والشرخ بينهم، وإعادة التركيز على الجوانب الاستراتيجية العامّة بدلاً من الخلاف على التفاصيل والحصص والمكاسب، وذلك في محاولة لإعادة إحياء خطّ سياسي خفت لفترة طويلة تحت عناوين أساسية أبرزها رفض الحرب واستعادة التوازن السياسي ووضع خريطة طريق واضحة للخروج من الاستحقاق الرئاسي ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى التحرّك في الشارع.
– سادساً، على وقع النقاش المفتوح بين جهات متعدّدة حول تعديل الدستور أو إحداث تغييرات في النظام، تشهد الكواليس السياسية بعض المساعي لأجل عقد مؤتمر واسع وشامل حول اتفاق الطائف، وتتمّ دعوة كلّ القوى السياسية وكلّ السفراء المعنيين بلبنان والمهتمّين لشرح مضامين هذا الاتفاق والدستور المنبثق عنه وللإيضاح أنّه يحتوي كلّ المطالب أو الملاحظات التي يتحدّث بها البعض كدافع لتعديله، وذلك في محاولة للتشديد على وجوب تطبيقه بما يضمن سدّ كلّ الثغرات المكرّسة بفعل السوابق والأعراف.
الاستحقاق الرئاسيّ على نار حامية
أمام كلّ هذه الوقائع، تشهد الكواليس السياسية نقاشاً حول إمكانية تمرير الاستحقاق الرئاسي خلال الشهرين المقبلين، وتحديداً قبل الوصول إلى الانتخابات الأميركية. بعض التقويمات هنا تشير إلى أنّ الحزب سيكون قابلاً لتكريس ذلك في حال توافرت الظروف المؤاتية لانتخاب سليمان فرنجية، ومن دون ذلك لن يكون مستعجلاً. إلى جانب النقاش الرئاسي المفتوح، يُفتح أيضاً نقاشان جديدان:
– الأوّل يتّصل بالتمديد لقائد الجيش الذي بدأ تفاعله بعد زيارة قائد الجيش جوزف عون لواشنطن، بينما تشير مصادر متابعة إلى نقاش في تثبيت تعيين رئيس الأركان وفق قاعدة مرور الزمن لعدم التقدّم بالطعن والقبول به، وحينها يمكن لرئيس الأركان أن يتسلّم صلاحيات قائد الجيش في سياق قطع الطريق على التمديد له.
– الثاني هو فتح النقاش في مسألة تعديل قانون الانتخاب، والعودة إلى إلغاء النواب الذين يمثّلون الاغتراب في مقابل طرح آخر يتعلّق بتخصيص صوتين تفضيليَّين للمقترع بدلاً من صوت تفضيلي واحد. وعلى الأرجح فإنّ المقايضة هي التي ستكون متحكّمة بالمسارين. وسط كلّ هذه الانهماكات التفصيلية تبقى معادلة أساسية يرفعها سياسيون ودبلوماسيون، وهي أنّ التسوية تبقى المخرج للجميع وتحفظ التوازنات، وأمّا في حال انعدام القدرة على الوصول إليها، فإنّ الحزب سيبقى قادراً على فعل ما يريد.
خالد البواب