كتب عوني الكعكي:
هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن الرئيس السوري الجديد لسوريا الحبيبة أحمد الشرع. خصوصاً أنني لم أكن يوماً مع الرئيس الهارب بشار الأسد بل على العكس، الكل يعرف أنني انقطعت عن الذهاب الى سوريا منذ اغتيال شهيد لبنان وشهيد الوطن أعني به الرئيس رفيق الحريري، وكان ذلك عام 2005.
منذ بداية الحرب الأهلية أو في الحقيقة منذ اندلاع الثورة كنت أعلم أن العقل المتخلف للرئيس الهارب لا يستطيع أن يحل أي مشكلة، وأنه سوف يدمّر سوريا، وهذا ما حصل بالفعل.
كذلك، لا أزال لا أعرف كيف صمد 13 سنة في الحكم، إلاّ إذا كان الهدف تدمير سوريا، وهذا ما حصل.
على كل حال، هذا الزلزال الذي حصل، كان في مصلحة الشعب السوري الذي عانى من فشل حكم الرئيس الهارب. والمصيبة الكبرى أنه بعد أن قتل مليوناً ونصف المليون من شعبه، وهجّر 12 مليوناً آخرين، لا يزال لا يريد إجراء أية مصالحة. المهم أن الرئيس الهارب فرّ ولا أسف عليه.
اليوم، هناك رئيس جديد هو أحمد الشرع الذي يبدو عاقلاً وهادفاً ويريد حقيقة أن يعيد بناء سوريا.
وقع بين يدي تقرير من جريدة الـ «لوموند» الفرنسية مهم جداً يرجّح تسمية الشرع لرئاسة الحكومة السورية لـ «المليادير» أيمن أصفري. وأيمن الصفري رجل أعمال سوري يعيش في لندن. شغل منصب المدير التنفيذي لشركة «بتروفاك» التي تبلغ قيمة أصولها أكثر من خمسة مليارات جنيه استرليني.
أطلق الشركة هو والمهندس اللبناني مارون سمعان عندما انتقل الى لندن عام 1991 بعدما كان يعمل في حقل المقاولات في سلطنة عُمان.
وشركة “بتروفاك Petrofac” رائدة في مجال النفط والغاز، مقرها في وستمنستر، ولها فروع في العالم مثل الشارقة وبومباي وشباني في الهند. مدرجة في بورصة لندن، وعدد موظفيها 14 ألف موظف.
وهنا أتمنى أن يطلع القراء الكرام على تقرير الـ «لوموند» بقلم غزال غولشيري وإيلين صالون، وهنا نصّه:
يتم تداول اسم رجل الأعمال السوري -البريطاني، مؤسس «مدنية»، المنصة الخاصة بالمجتمع المدني السوري، لمنصب رئيس الوزراء. بعد عودته إلى بلاده، لأول مرة منذ عام 2010 حيث التقى رجل الأعمال السوري -البريطاني أيمن أصفري في 5 يناير مع أحمد الشرع، الزعيم الجديد للبلاد. ومع أن الزعيم السوري الجديد لم يظهر مهتماً كثيراً بالتواصل مع المعارضة في الخارج، فقد استقبل الملياردير البالغ من العمر 66 عامًا، الذي يمتلك شبكة علاقات واسعة، بصفته مؤسس منصة المجتمع المدني، «مدنية».
وقد أبدى «أصفري» إعجابه بعد اللقاء الأول مع أحمد الشرع، حيث قال إنه «تفاجأ بشكل إيجابي»، وأكد أن الرجل يبدو «مؤهلاً» و «متمكنًا» في التعامل مع القضايا. وأضاف أنه لا شك لديه في أن الشرع يحمل «مشروعًا وطنيًا حقيقيًا لسوريا» وأنه يعمل لصالح الشعب السوري.
وأكد الرئيس السوري المؤقت عزمه على تشكيل حكومة شاملة وتنظيم انتخابات حرة وضمان المساواة لجميع السوريين كمواطنين. وأشار أيمن أصفري إلى أن «الوعود طموحة، لكن هناك تساؤلات ودواعي قلق حول تنفيذها». ومع ذلك، قال إنه يفهم التحديات التي يواجهها أحمد الشرع: القضايا الأمنية، انهيار المؤسسات، تعدد القضايا التي يجب التعامل معها، والاختلافات في الآراء داخل محيطه.
ويبدو أن أيمن أصفري كان مُقنعاً بدوره. فقد تم تعيين عدد من الخبراء والكوادر الشابة السوريين الذين أوصى بهم ضمن الإدارات السورية. فتم تعيين المحامي «ابراهيم علبي»، عضو مجلس إدارة «مدنية»، مستشارًا قانونيًا في وزارة الخارجية، فيما تم تعيين «هدى الأتاسي»، المؤسسة المشاركة في «مدنية»، و «هند قبوات»، الناشطة المدنية، ضمن لجنة التحضير للحوار الوطني، وهما الممثلان الوحيدان للمجتمع المدني بجانب خمسة رجال مقربين من أحمد الشرع.
«يمكننا دائمًا القول إننا كنا نفضل أن تكون اللجنة أكثر شمولًا. لكنني أفهم أيضًا أن الحكومة يجب أن تجد توازنًا بين مصالح جميع الأطراف المعنية. نحن بحاجة إلى مزيد من الأشخاص الأكفاء. نفس الشيء ينطبق على الحكومة. نحن في انتظار رؤية تشكيلتها»، وهذا علماً أن البعض يرشّحونه هو لتولي رئاسة الحكومة المستقبلية.
«نحن نثق بأصفري»
ظهر أيمن أصفري على الساحة في المؤتمر الدولي حول سوريا في باريس، في 13 فبراير/شباط. وقد تعاونت وزارة الخارجية السورية، بقيادة «أسعد حسن الشيباني»، مع وزارة الخارجية الفرنسية في المؤتمر الذي نظمته «مدنية» بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس. وتمّت دعوة أيمن أصفري وأقرب مساعديه، المهندسة المعمارية «سوسن أبو زين الدين»، لحضور الاجتماع الذي ضم ديبلوماسيين فرنسيين وسوريين.
سمعة طيبة
أيمن أصفري يحظى بسمعة ممتازة في المجتمع المدني. «الشرع» يولي أهمية لرأيه، ما يمنحه نفوذًا حقيقيًا. نحن لا نثق في «الشرع»، لكننا نثق في أصفري»، كما يقول أحد أعضاء المجتمع المدني السوري. «أيمن أصفري لديه طموحات سياسية واضحة. نموذجه هو رفيق الحريري. إنه يشارك في اللعبة السياسية مع السلطة. إنه ذكي و «كاريزمي»، لكن هل يمكنه جذب اهتمام أحمد الشرع؟»، يتساءل أحد الديبلوماسيين.
حول موقفه من السلطة، قال أيمن أصفري: «الأهداف التي حددها أحمد الشرع لهذه الفترة الانتقالية تتماشى مع أهداف «مدنية». إذا لاحظنا أي انحرافات عن هذه الالتزامات، سيكون من مسؤوليتنا الإشارة إليها، وتقديم التصحيحات، وضمان البقاء على المسار الذي نريد جميعًا اتباعه».
وكانت تلك المرة الأولى التي أعلن فيها أيمن أصفري، في 6 يونيو 2023، عن إطلاق «مدنية»، بحضور 170 منظمة عضو و10 من الديبلوماسيين الغربيين. في وقت كان فيه نظام بشار الأسد يبدو غير قابل للإزاحة، راهن أصفري على جمع أولئك الذين في سوريا والشتات يمكنهم تقديم حل آخر للحكم، خاصة بين الشباب. وقد وفّرت له منصّة «مدنية» المصداقية. ومع 200 منظمة عضو وأكثر من 50 منظمة أخرى قيد الانضمام، أنشأت «مدنية» شبكة قوية. لديها الآن مكتب في دمشق، داخل منزل «فارحي»، القصر القديم الذي اشتراه الملياردير في 2008 في قلب الحي اليهودي في المدينة القديمة، بهدف تحويله إلى فندق. «لم نكن نعتقد أننا سنتمكن من العمل بهذا المستوى من الحرية في سوريا، بعد أن اضطررنا للعمل في الخارج أو في السرية»، حسب أصفري.
حملة هيلاري كلينتون
عند اندلاع الاحتجاجات السورية في عام 2011، أصبح الملياردير من كبار ممولي المعارضة المدنية من الخارج. وهو ابن طبيب أصبح نائبًا ثم ديبلوماسيًا، وُلد في إدلب عام 1958. درس في جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأميركية). وقد حقق ثروته في مجال النفط والغاز. قامت شركته بيتروفاك (Petrofac) بالعديد من المشاريع في سوريا في أوائل الألفية. ثم ترك إدارة الشركة في 2020 بعد فضيحة فساد في المملكة المتحدة، ليؤسس شركة فينتيرا(Venterra) التي تقدم خدمات لصناعة توربينات الرياح البحرية. وحسب مراقب مطلع، «أيمن أصفري شخصية فريدة في عالم الأعمال، وله سمعة نظيفة ولم يتورط في شؤون النظام”.
وقد قامت المؤسسة التي تحمل اسمه، التي أسّسها مع زوجته في 2006 بتمويل المنح الدراسية للسوريين في الخارج، بدعم جماعات المعارضة. وفي 2012، تبرع لجامعة بيروت الأميركية لإنشاء «معهد أصفري»، لدعم بيئة المجتمع المدني الناشئة في المنطقة. وعمل مع «بسمة قدماني»، إحدى شخصيات المعارضة السورية التي توفيت في 2023، لتطوير مشاريع ضمن القطاع الخاص والشتات.
طوال الوقت كان أصفري داعمًا لحزب المحافظين البريطاني، كما نصح فريق هيلاري كلينتون الديموقراطي بشأن سوريا خلال حملتها الانتخابية في 2016، والتي خسرتها أمام دونالد ترامب. وفي ذلك العام، قرر العودة إلى سوريا، حيث استثمر في شركة «جلفساندز بتروليوم» (Gulfsands Petroleum) البريطانية التي ما تزال أنشطتها في حقول النفط بشمال شرق سوريا معلقة بسبب العقوبات الأميركية.
العودة الى دمشق
لقد تركت عودته إلى دمشق في شهر يناير مشاعر مختلطًة. فقد أساءه التدهور الاقتصادي ومستوى الفقر في البلاد، ولكنه أضاف: «في الوقت نفسه، شعرت بفرح كبير. الكثير من الناس قرروا طي الصفحة ويستعدون الآن للنظر إلى المستقبل بتفاؤل». وبرأيه فإن الأهم الآن هو العدالة الانتقالية، والتنمية، والانتقال السياسي.
لكنه يقول إن الأولوية الآن هي لرفع العقوبات الدولية. «سوريا كالمريض المحتضر الذي تم نقله إلى العناية المركزة. اليوم، وعلاوة على مرضها، فإن سوريا تتحمل أيضًا عبء العقوبات المدمرة»، كما يقول آسفاً. «ما يثير قلقي هو أنه إذا فشلت هذه الحكومة في هذه الفترة الحرجة، فستكون هناك حركات إضراب خطيرة قد تعرقل العملية السياسية الانتقالية الجارية».
aounikaaki@elshark.com