إيمان شمص
«أساس ميديا»
بالنسبة لكولن كلارك، مدير الأبحاث في مركز صوفان، وهو مركز أبحاث واستشارات استخبارية وأمنيّة أميركية، “يمرّ “الحزب” بعد عام من الحرب مع إسرائيل بنوع مختلف من التطوّر. وقد يصبح أكثر محليّةً، ويعمل بنفوذ إيراني أقلّ، وهو ما من شأنه تغيير التوازن الأمنيّ الإقليمي المستمرّ منذ أمد طويل”. ويرجّح “أن يستفيد الحزب من موجة جديدة من المجنّدين الشباب الذين أصبحوا متطرّفين بسبب ارتفاع عدد الضحايا والدمار والمعاناة بين المدنيين، بالإضافة إلى استمرار استعداد جزء كبير من مقاتليه للقتال مرّة أخرى”.
يكتب كلارك في صحيفة “نيويورك تايمز”: إنّ الحروب تغيّر الأطراف المنخرطة فيها. في حرب تموز 2006 بين إسرائيل و”الحزب”، خرج الأخير منهكاً، لكن أكثر إقداماً وجرأة نتيجة صموده في وجه أقوى جيش في الشرق الأوسط. وسمحت له هذه التجربة، إلى جانب دعم إيران، بإحراز تقدّم عسكري وسياسي كبيرين في السنوات التالية، وتحويله إلى منظّمة عابرة للحدود الوطنية مجهّزة بنحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، علاوة على وجود ممثّلين له في البرلمان اللبناني.
نوع مختلف من التّطوّر
يضيف: لكن الآن، مع وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الأخيرة بين إسرائيل و”الحزب”، فإنّ الأخير يمرّ بنوع مختلف من التطوّر. فبعدما شهدت الأشهر الأولى من الحرب سلسلة من المواجهات المتبادلة، وظلّت غزة مركز الثقل، تغيّر الوضع اعتباراً من تمّوز، حين كثّفت إسرائيل الحملة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية ضدّ “الحزب”، وتمكّنت من خلال مزيج من الضربات بطائرات مسيّرة والقوّة الجوّية والاستهداف العالي الدقّة، من تدمير القيادة العليا والبنية التحتية العسكرية للحزب الذي بعدما كان العضو الأقوى لمحور المقاومة التابع لطهران، وجد قدرته على العمل عبر الحدود مقيّدة.
من الأرجح، في رأي كلارك، “أن يصبح الحزب أكثر محلّيةً، وأن يعمل بنفوذ إيراني أقلّ، وهو ما من شأنه أن يغيّر التوازن الأمنيّ الإقليمي السائد منذ عقود في الشرق الأوسط. فلقد نجحت إسرائيل عبر إضعاف حماس و”الحزب” على مدار العام الماضي، من إضعاف منافستها اللدود إيران. لكنّ إيران الضعيفة لا تزال تشكّل خطراً، ويخشى المراقبون من أن يحاول المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الحصول على قنبلة نووية عمليّاتية، باعتبارها الرادع الوحيد المحتمل ضدّ إسرائيل الصاعدة”.
يكتب: “مع جفاف حبر الاتفاق على وقف إطلاق النار، قد تكون إسرائيل في موقفها الاستراتيجي الأكثر ملاءمة في تاريخها الحديث: فقد قلّصت من عدد ونفوذ خصومها وتنتظر إدارة دونالد ترامب الثانية التي تبدو مستعدّة لمضاعفة استراتيجية الضغط الأقصى التي ميّزت نهج ترامب تجاه إيران خلال ولايته الأولى. يضاف إلى ذلك أنّ إسرائيل بعد العام الأخير من الصراع المستمرّ، استطاعت بدعم من الولايات المتحدة تفكيك القوّة العسكرية التي كانت تدعم نموّ “الهلال الشيعي” الذي حذّر الملك الأردني عبدالله الثاني عام 2004 من تمدّده عبر العراق وسوريا ولبنان باتجاه دول الخليج العربي ذات الأغلبية السنّية وزعزعة استقرار حكوماتها. بينما دبلوماسياً، من شأن نجاح محاولات التطبيع الإسرائيلي – السعودي أن يعزّز التحالف المناهض لإيران في وقت تقترب فيه قوّة طهران ونفوذها من الحضيض”.
إيران لن تتخلّى عن “الحزب”
لكنّ من الصعب، بحسب كلارك، “تخيّل أن تتخلّى إيران عن “الحزب” تماماً. فالمسألة ليست مسألة تكاليف وحسب، بل هي اعتراف بعلاقة طويلة الأمد ذات جذور أيديولوجية وسياسية وعسكرية عميقة. وإذا كان يُنظَر إلى إيران على أنّها تتخلّى عن حليف قديم لحماية نظامها، فقد يفقد وكلاء آخرون الثقة بطهران ويتحرّكون نحو موقف أكثر استقلالية، وهو ما يقلب استراتيجية سياستها الخارجية الطويلة الأمد رأساً على عقب. وربّما مع تراجع التهديد الذي يشكّله “الحزب”، وحذرها من الانتقام الإسرائيلي الناتج عن استمرار دعمها لكلّ من “الحزب” وحماس، قد تحوّل طهران تركيزها في الأمد القريب على تعزيز حلقة أخرى من شبكة وكلائها، بما فيها الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية المختلفة في العراق”.
يعتبر كلارك أنّ “قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إعلان وقف إطلاق النار إنّ “الحزب بعد عام كامل لم يعد نفسه. لقد أعدناه إلى الوراء عقوداً من الزمن”، يشير إلى مستوى من الغطرسة قد يكون سابقاً لأوانه. فلقد بدا نتنياهو متفائلاً قبل 7 أكتوبر 2023 بأنّ حماس راضية عن الوضع الراهن، وهو الافتراض الذي ثبت خطؤه بشكل قاتل”.
يوضح: “يظهر التاريخ أنّ من الصعب القضاء بالكامل على الجماعات المتمرّدة والإرهابية، و”الحزب” ليس استثناءً. فبعدما خرج واثقاً من معركته مع إسرائيل في عام 2006، أصبح الحزب لاعباً رئيساً في الحرب الأهلية في سوريا، وساعد في دعم الدكتاتور المحاصَر بشار الأسد. وهناك، اكتسب الآلاف من مقاتليه خبرة قيّمة من القتال إلى جانب مجموعة من القوات، من المرتزقة الروس إلى مدرّبي الحرس الثوري الإسلامي”.
يشير كلارك إلى حقيقة أنّ “إسرائيل أضعفت الحزب من خلال حملتها العسكرية الاستثنائية ضدّه، بما في ذلك العمليّة الهوليوودية لانفجارات أجهزة البيجر واللاسلكي، واغتيال زعيمه حسن نصرالله وكبار قادته، وتدمير بنيته التحتية العسكرية القويّة التي تضم قاذفات الصواريخ ومستودعات الأسلحة والذخيرة وشبكة أنفاق تحت الأرض واسعة النطاق”.
“الحزب” أكثر من فكرة
من الأرجح، لكنّه يلفت أيضاً إلى “حقيقة أنّ إسرائيل دمّرت أيضاً أجزاءً كبيرة من لبنان أثناء الحرب، وهو ما يضمن فعليّاً أن يستفيد الحزب من موجة جديدة من المجنّدين الشباب الذين أصبحوا متطرّفين بسبب ارتفاع عدد الضحايا والدمار والمعاناة بين المدنيين. بالإضافة إلى أنّ جزءاً كبيراً من القوّة المسلّحة للحزب البالغة نحو 50,000 مقاتل، على استعداد للقتال في يوم آخر. وبحسب مقولة شائعة قد يمكن هزيمة جماعة إرهابية، لكنّ من المستحيل قتل فكرة. و”الحزب” ليس جماعة وحسب، بل هو أكثر من فكرة. وبخلاف تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، فإنّ الحزب متجذّر بعمق في الجسم السياسي اللبناني، وهو جزء لا يتجزّأ من النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد”.
يخلص إلى القول: “طوال هذا العام من الحرب، ردّد المراقبون مراراً وتكراراً أنّ الشرق الأوسط وصل إلى نقطة تحوّل محورية. وتشعر إسرائيل وحلفاؤها بالتفاؤل بأنّ التحوّلات الأخيرة في ميزان القوى ستستمرّ. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون المنطقة عن كثب، قد يكون هذا الرأي قصير النظر. ووفقاً للدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد هاس، الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته المهنية يعمل على قضايا تتعلّق بالشرق الأوسط، “غالباً ما تسوء الأمور، لكن ليس قبل أن تتحسّن، بل قبل أن تزداد سوءاً”.
*مركز صوفان مركز مستقلّ غير ربحيّ. تأسّس سنة 2017، ويحمل اسم مؤسّسه علي صوفان، وهو مواطن أميركي من أصل لبناني كان ضابطاً في مكتب التحقيقات الفدرالي منخرطاً في قضايا مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وفي العالم.
إيمان شمص