هزة سياسية وأمنية في إسرائيل.. إقالة رئيس ”الشاباك” تؤجّج الانقسامات

تزامناً مع حرب لم تنته بعد وفي ذروة خلافات داخلية حادة حول تشكيل لجنة تحقيق رسمية بملابساتها، تشهد إسرائيل هزة سياسية/ أمنية غير مسبوقة تتمثل بإعلان رئيس حكومتها نتنياهو مبادرته لإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار.

وهذه خطوة من شأنها أن تؤدي لأزمة دستورية وهي تصب فوراً الزيت على نار حالة الانقسام بين معسكرين متصارعين على قضايا جوهرية، وأن تنعكس على مستقبل الحرب والصفقة العالقة، وربما تدفع نحو زيادة احتمالات تعطيل الصفقة ومعاودة العدوان على غزة بعمليات محددة ونار عن بعد.

للمرة الأولى في إسرائيل يعلن رئيس حكومة عن نيته إقالة رئيس “شاباك”، وسيتمّ طرحها على طاولة الحكومة في اجتماعها  الأربعاء للمصادقة عليها، علماً أن هناك أغلبية من الوزراء المؤيدين لها، ومن المتوقع أن يخلف بار، في حال تمّت إقالته ولم تتدخل المحكمة العليا لمنعها، واحدٌ من مرشحين مركزيين هما “م” نائبه الذي أنهى عمله، والنائب الحالي “راء”.

 

السبب المعلن والدوافع الحقيقية

وعلّل نتنياهو قراره في شريط فيديو، ، بفقدان الثقة برئيس الشاباك، حيث قال: “إنه في حرب وجودية كالتي نحن فيها يجب أن تكون هناك ثقة كاملة لدى رئيس وزراء برئيس شاباك. للأسف فإن الوضع معكوس. هذه الخطوة ملحّة لترميم التنظيم ومنع كارثة قادمة”. وهو بذلك يلمح تلميحاً غليظاً لمسؤولية جهاز الشاباك عن فشل السابع من أكتوبر وتحميله المسؤولية.

ولكن لماذا الآن، بعد 14 شهراً من الفشل الذريع، يبادر نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك المحمّل مسؤولية فشل السابع من أكتوبر طبقاً للتلميح الغليظ المذكور؟ هذا السؤال يقود لحسابات ودوافع أخرى غير معلنة خلف هذه الخطوة الدرامية، منها مواصلة سعي المستوى السياسي لإلصاق المسؤولية عن الفشل الكبير والحدث التاريخي الجلل المكلف والمهين أكثر من حرب 1973 (“طوفان الأقصى”) بالمستوى العسكري، فقد سبق واتهم نتنياهو رؤساء المؤسسة الأمنية بذلك، وساهم في دفعهم للاستقالة (هم قائد الجيش وعدد من قادته ويضاف لهم وزير الأمن السابق غالانت).

ومما زاد من تحامل نتنياهو على رؤساء المؤسسة الأمنية على ما يبدو بعض استخلاصات لجنة التحقيقات الداخلية في “الشاباك” التي أقرّت بالمسؤولية الذاتية عن الفشل، لكنها أشارت بوضوح لفشل حكومات نتنياهو في منع تطبيق توصيات باغتيال قادة “حماس” منذ سنوات وبالرهان على أنها مرتدعة وتريد الهدوء والسماح بإدخال أموال قطرية لها ساهمت في بناء قوتها العسكرية وبناء تحصيناتها.

وربما الأهم من كل ذلك فتح ملف تحقيق جديد مع أقرب المستشارين لنتنياهو حول علاقاتهم بقطر والشبهات بتلقيهم أموالاً منها، كما يوضح كاريكاتير ساخر في صحيفة “هآرتس”  يظهر فيه بار داخل المطبخ السياسي وهو يفتح غطاء طنجرة الطهو من تحتها النار كتب عليها “قطر غيت” ليكتشف أن نتنياهو داخلها وهو يقول: “نحن في ذروة حرب على عظمة وجودية”، وهذه مقولة تتكاتب بسخرية مع تصريح نتنياهو بأننا في ذروة حرب وجودية.

كذلك، ربما هذا مرتبط أيضاً بقضية تحقيق أخرى داخل مكتب نتنياهو كشفت عن حقيقتها صحيفة “هآرتس” ويمنع نشر تفاصيلها بأمر منع نشر قانوني. يضاف لذلك من المرجّح أن نتنياهو يقتدي بالرئيس ترامب الذي يتصرف منذ اليوم الأول كالحاكم بأمره ويعيّن من هم موالون له شخصياً، للملك لا للملكة، لا يكترث بقانون محلي أو دولي ولا أخلاق أو ديمقراطية، ففور عودته من زيارته الأخيرة من واشنطن كان يلمح لذلك.

 

الحرب على غزة

وهناك من يضيف سبباً آخر بالإشارة للتوقيت والقول إن الإقالة جاءت قبيل الدخول في أيام قتالية في غزة دون صفقة ودون مخطوفين ودون أن يحصل الإسرائيليون على تفسير لماذا يحصل كل ذلك، كما يوضح المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، لافتاً إلى خطورة تفجّر أزمة ثقة في خضم حرب.

وبعد ساعة من إعلان نتنياهو، قدَّمَ رونين بار تعقيباً غير مسبوق على إعلان إقالته: “واجب الثقة لدى رئيس الشاباك هو في الأولوية الأولى للمواطنين في الدولة. توقعات رئيس حكومة لواجب ثقة شخصية فكرة لاغية من أساسها وتتناقض مع قانون الشاباك”.

وعلى خلفية توجيه أوساط في اليمين والإعلام انتقادات لتصريح بار المذكور، والذي أثار مخاوف من وقوع “حالة تمرّد وأزمة دستورية”، صدر عن “الشاباك” بيان إعلامي جاء فيه أن بار سيحترم كل قرار يصدر بشأنه.

كما سارعت المستشارة القضائية للحكومة (هي بنفسها مهددة بإقالتها من منصبها كما أعلن وزير القضاء لافين قبل أيام) للتحذير من عدم قانونية خطوة نتنياهو بقولها: “لا تستطيع أن تقيل رئيس الشاباك دون قاعدة حقائق وأساس قضائي.