كتبت ريتا شمعون
يعد لبنان من البلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط ، ولديه نظام صحي متقدم الى حدّ ما، ولكنه تضرّر بشدة بفعل الأزمات العديدة الإقتصادية منها والأمنية خصوصا الحرب المدمرة التي تعرّض لها، وبعد تصاعد وتيرة الأعمال العدائية في لبنان في أيلول 2024، تسبب العدد المتزايد من الهجمات على القطاع الصحي في مزيد من الضغوط على النظام الصحي المثقل بالأعباء أصلاّ.
واليوم يعاني النظام الصحي في البلاد تداعيات تلك الضغوط، المستشفيات تنفض عنها آثار الحرب وتحاول النهوض مجددا، شركات التامين في لبنان تحاول تغطية الخسائر جراء الحرب وتواجه تحديات كثيرة ، أما قطاع الصيدلة يعاني عجزا كبيرا بعد تدمير حوالى 400 صيدلية لوجودها في أماكن تعرضت للتدمير والإقفال القسري.
على خلفية هذا الواقع، إرتأت نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان أنه من الضروري تصحيح العلاقة التعاقدية القائمة بين المستشفيات وشركات الضمان في لبنان لتأمين الخدمات الإستشفائية للمرضى المؤمنين لدى كل منها، ووجهت كتابا الى جمعية شركات التأمين تطلب من خلاله تصحيح بدلات الخدمات ضمن الفاتورة بنسبة تصل الى 15% بسبب تكاليف الإستشفاء إبتداءَ من الأول من شباط الماضي، بما يرفع الفاتورة الإستشفائية بين 3%و4% .
وفيما تصرّ نقابة المستشفيات على مطلب الزيادة بنسبة 15% تتمسك جمعية شركات التأمين في لبنان بقرارها الرافض لقرارالزيادة المطروحة لأن الوضع لا يحتمل زيادة أعباء على المواطن اللبناني، على اعتبار من غير المقبول أن تتحمل شركات التأمين في لبنان هذه الزيادات التي لا علاقة لها بها.
نقيب المستشفيات في لبنان سليمان هارون يوضح في حديث لجريدة “الشرق” أن أسعار المستشفيات هي أدنى مما كانت عليه بين 25% و40% عام 2019 بالدولار، مشددا على ان هذا الأمر لم نعد نستطيع تحمله خصوصا أن هذه الزيادة ترتبط بزيادة أجور الأطباء وارتفاع مستلزمات المستشفيات الطبية وغلاء الأجهزة الحديثة وغالبيتها لا تغطيها شركات التأمين، موضحا أن الأسعار الإستشفائية المعمول بها، لا تتناسب التكلفة الحقيقية للعلاج، بالتالي ، طالبت النقابة بزيادة 15% على الخدمات في الفاتورة الإستشفائية ولتقديم خدمات بجودة أفضل.
وبالنسبة الى الطرح الذي قدمته لجنة الصحة النيابية تجزئة هذه الزيادة يؤكد هارون، أن نقابة المستشفيات وافقت على هذا الطرح حيث تقسم الزيادة الى نسب متساوية تطبّق وفق فترات زمنية متفق عليها، أي 5% اعتبارا من شهر آذار الجاري وزيادة 5% في آب المقبل، و5% في نهاية العام الجاري.
وقبل أن يدفع المواطن اللبناني هذه الفوارق، وقبل إلتقاء الطرفين على حلّ مرض للفريقين يؤكد رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا وفي حديث لجريدة ” الشرق” أن الجمعية ترفض حتى اللحظة الراهنة القرار جملة وتفصيلاَ، لأسباب عدة، من ضمنها عدم قدرة الشركات أصلا على تحمل هذه التكلفة، معتبرا ان الوقت اليوم هو لإعطاء فسحة للمواطن اللبناني لا سيما المؤمن منه الذي يعاني تداعيات الأزمات المتلاحقة، إذ لن يكون بمقدوره تحمل زيادات إضافية على بوليصة التأمين الخاصة به.
وأضاف، وفق دراسة أجريت حديثا في الجامعة الأميركية في بيروت، عن ارتفاع أعداد المصابين بمرض السرطان في لبنان ، أظهرت أن نسبة الإصابة في مرض السرطان إرتفعت بين عامي 2011 -2020 بشكل مخيف وسجلت نسبة 80% وتوقعت ان ترتفع معدلات الإصابة بالسرطان في المرحلة المقبلة.
في السياق، اكد ميرزا، أن نفقات العمليات الجراحية “إزالة الورم السرطاني” وغيرها من العمليات المتعلقة بالأمراض المستعصية ” والنفقات المرافقة للعلاج مرتفعة للغاية وأصبحت تشكل عبئاً على الشركات، مضيفا: المطلوب اليوم تنظيمها وضبطها والإلتزام بالبروتوكولات العلاجية المعتمدة بين شركات التأمين والمستشفيات، وكذلك ضبط ” الإستغلال الحاصل” كما وصفه في بعض أقسام الطوارىء في المستشفيات الخاصة حيث يطلب إختصاصيو طب الطوارىء فحوصات مخبرية أحيانا يكون المريض في غنى عنها، إذ تبين ان نحو 80% من الفحوص الطبية التي يطلب الأطباء اجراءها في قسم الطوارىء غير ضرورية.
وأكد ميرزا، ان شركات التأمين تتكبد الكثير من الخسائر في المجال الإستشفائي وهي لا تريد الا الحفاظ على استقرارها وعلى المؤمن الذي لن يستطيع تحمل المزيد من الزيادات على أقساطه، مشيرا الى أن خسائر شركات التامين حاليا كبيرة في مجال التأمين الصحي،ومؤكدا أنه رغم الإنهيار الإقتصادي استمرت شركات التأمين بالقيام بالتزاماتها وتقديم خدماتها للبنانيين ، ومنذ بدء الأزمة الإقتصادية في العام 2019 تحاول شركات التامين إيجاد حلول تمكن المواطنين من الحصول على بوالص تأمين بحسب قدرتهم، وتقدم تسهيلات بالدفع مع دفعة أولى وأربعة أقساط متتالية، فإن المواطن اللبناني يفضل دفع كلفة بوالص التامين الصحية كي بوفر التغطية الصحية والإستشفائية له ولعائلته، لافتا الى ان سعر بوليصة التامين الأساسية يرتفع مواكبة لسعر الخدمات في المستشفيات اليوم، موضحا أن الزيادة التي بدأت تفرضها شركات التأمين تأتي بعدما قدّرت لجنة الرقابة خسائر الشركات بالإستشفاء بنحو 140% مشيرا الى ان جزءاَ من الزيادة يتعلق بانتقال المؤمن من مرحلة عمرية الى اخرى، ونحن نمثل شركات مالية لا يمكن ان نعمل بخسارة.
وعلى الرغم من التباين الحاصل بين جمعية شركات التامين ونقابة المستشفيات، حول موضوع التعرفات ، يؤكد ميرزا، نحن كجمعية مستعدون لإجراء نقاش مع نقابة المستشفيات ينسجم مع الواقع، لحلّ هذه الأزمة المستجدة.