بقلم الشيخ مظهر الحموي
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى
٧٦ سنة ونحن نقف في الخامس عشر من أيار من كل عام أمام ذكرى النكبة في مقابل إحتفالات الكيان الصهيوني بذكرى قيام دولته في مثل هذا اليوم من العام ١٩٤٨م.
٧٦ سنة عُقدت خلالها أكثر من ثلاثين مؤتمر قمة عربية ، وأقل من ذلك بقليل مؤتمرات قمة إسلامية ومثلها مؤتمرات قمة دول عدم الإنحياز، وعشرات القرارات المضحكة من الأمم المتحدة ، وإسرائيل تزداد تعنتا وصلفا ماضية في مخططها الصهيوني السافر ، لا تلوي على أحد من أصدقائها أو المتقربين منها..
آلاف القصائد وعشرات الأغنيات الحماسية ومئات الدواوين الشعرية تحكي مأساة شعب أُستلبت منه الأرض عنوة ، ولا من دولة كبرى إلا تتصدى لهذا الشعب المٌُستلب.
إنها حكاية أبشع أنواع الظلم الأممي والإنحياز الدولي السافر ضد صاحب الأرض المقدسة ، وليصمت المدافعون عن حقوق الأنسان ، ومجلس الرعب الدولي ، والجمعية العامة للأمم المتحدة علينا ، فقد أصبحت الحقيقة بهتانا ، والعدالة نسبية ، والحقوق ضائعة ، والموازين مختلة، والمقاييس زائفة ، والشعارات مفضوحة ،والقيم مهدورة..
١٥ أيار ١٩٤٨م ليس هو بدء قيام الكيان اليهودي وتقسيم فلسطين ، بل إن المؤامرة تمتد الى أبعد من ذلك . مع مؤامرة سايس بيكو ١٩١٦ م لتقسيم بلاد العرب الى كيانات ممزقة اقتسمت فرنسا لبنان وسوريا والجزائر والمغرب ، وبريطانيا حرصت على إحتلال مصر والعراق والأردن وخاصة فلسطين لإذلال سكانها ومنعهم من إقتناء السلاح ، والإفساح في المجال لتدريب العصابات اليهودية ( الهاغاناه، الأرغون والشتيرن) وتسليحها ودعمها للإنقضاض على القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ، لإرتكاب مجازر وإحداث حالات رعب وتهجير ليصبحوا لاجئين في مخيمات البؤس والقهر ، والتضييق على عملهم وحركاتهم..
ذكرى النكبة تبدأ أيضا مع وعد بلفور لليهود بمنحهم أرض فلسطين عام ١٩١٧م وتشجيع الهجرة اليهودية المكثفة الى أرض فلسطين ومساعدة المهاجرين اليهود بالعتاد والسلاح وبناء المستعمرات والثكنات ، فيما يمنع على العربي حمل بندقية صيد او سكين مطبخ .
ولن نعود الى حملة بونابرت ١٨٠٢م ولا نرجع بضع مئات من السنين الى الحملات الصليبية والتي سعت الى إحتلال فلسطين.
هو تاريخ حافل بتكالب الأمم علينا لتمزيق هذه الأمة وطعنها في قلبها ، فلسطين ، فيما العرب آنذاك غير مبالين ، وهم ينتظرون الترياق من المنظمات الدولية التي تضحك عليهم ولولا ثلة من المجاهدين الذين إستبسلوا في التصدي للعصابات اليهودية فإن تاريخنا آنذاك لا يبعث على الإعتزاز..
وهل نتحدث عن الأسلحة الفاسدة التي خدع بها الجيش المصري ، أم ماذا يفعل الجيش الأردني إذ كان بقيادة الضابط الإنكليزي كلوب ( باشا)
وتاريخ النكبة يبدأ أيضا منذ أن نكبت الأمة بتآمر اليهود على الخلافة الإسلامية لإسقاطها لأن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (رحمه الله) رفض تأجير قطعة أرض في فلسطين لليهود رغم إغراء المال لسداد ديون الخلافة الإسلامية المتراكمة.
٧٦ سنة من إغتصاب العام ١٩٤٨م الى هزيمة ١٩٦٧م الى استشراف السرطان اليهودي في بعض أعضائنا برضى منا، الى تقسيم شعبنا فصائل متناحرة ، والإنتصار لفئة نبذت الجهاد، ثم الإبادة الجماعية لشعب قطاع غزة الذي يرفض الإذعان والإستسلام.
وملايين من المهاجرين الفلسطينيين ، ولا قرار ينصفهم ويأذن لهم بحق العودة .
مئات المجازر ارتكبها اليهود من قبل وحتى يومنا هذا وعلى مرأى ومسمع العالم ولم يُقدم أي قائد يهودي الى محكمة جرائم الحرب .
عمليات إبادة مستمرة وإغتيالات للآمنين وتقطيع أوصال فلسطين ومئات المستعمرات القاضمة للأرض ولا قرار جاد يعيد الحق لأصحابه..
قضية فلسطين صارت تجارة لن تبور ، وذريعة للتشبث بالكرسي وقتل المجاهدين وإسكات صوت المعارضين وإبتزاز المثقفين.
إقتحموا الأقصى ودنسوه تحت سمع العالم وبصره ، واغتالوا المصلين واحرقوا ودمروا المساجد وطوقوا القدس بالمباني السكنية اليهودية معلنين إنها العاصمة اليهودية الأبدية لكيانهم ، قتلوا وذبحوا وقصفوا دور العبادة ودمروا المستشفيات والشوارع وقطعوا أوصال الناس الأبرياء وشردوا الآمنين واغتصبوا النساء وفعلوا أقسى الجرائم البشعة ، ولا قرار أممي يصدر ويدين لأن الفيتو الأميركي له بالمرصاد.
وللأسف فإننا نسمع من الدول التي تتدعي الحضارة والديمقراطية عن إرهاب اليهود لشعب فلسطين انه دفاع عن النفس ، وعن حق دفاع الشعب الفلسطيني التي سلبت أرضه أنه إرهاب وتطرف ، وعن أسر أكثر من عشرين ألفا من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال وكل هذا لا يحرك مشاعر العالم الذي يبكي حرقة ويطالب بعدد من أسرى إسرائيل لدى المقاومة.
٧٦ سنة نستعيد في كل ١٥ أيار هذه الذكرى المشؤومة ولا أخ ولا صديق يشفي الغليل .
ولم يبق . وهذا حقنا المشروع سوى أن نقاوم وهكذا يعاد لهذه الأمة بعضا من كرامتها التي افتقدناها على أعتاب الأمم المتحدة والدول الكبرى المخادعة
ولكن خذوها بصدق وبصراحة وتجرد ، ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند ، هداهم الله
الشيخ مظهر الحموي