كتبت ريتا شمعون
الشرق – يمكن إختصار موازنة العام 2025 «المعروضة للبازار» في مجلس الوزراء، ولاحقا في المجلس النيابي، ببضع كلمات، لا تتناسب في جوهرها، ولا بأي شكل من الأشكال، مع الإنهيار الإقتصادي في لبنان وإفلاس الدولة، بل بالعكس تعبر عن استمرار سياسة التهرب من المسؤوليات والهروب الى الأمام،وهي سياسة لا تؤدي سوى الى انهيار البنى الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.
عمليا لا تعكس هذه الموازنة أي سياسة إصلاحية، ولا تتضمن أي إجراء لمعالجة الأزمات المتعددة االتي تضرب البلاد ، بما في ذلك أزمة الإدارة العامة ، فالإجراءات التي تتخذها الحكومة تحت ضغوط موظفي القطاع العام ليست إلا طريقة من الطرق التي تعتمدها لشراء المزيد من الوقت قبل الإضطرار الى مواجهة الحقيقة.
يتألف القطاع العام من نحو 340 ألف موظف، ثلثهم عسكريون في الخدمة الفعلية، وثلثهم تقريبا متقاعدون، والثلث الأخير يمثل موظفي المؤسسات العامة والإدارات العامة، والبلديات، وموظفي وأساتذة وزارة التربية والمتعاقدين فيها، والجامعة اللبنانية والمستشفيات الحكومية وأوجيرو، مع الإشارة الى ان إعطاء زيادة لـ340 ألف موظف يتطلب دراسة متأنية كي لا يكون لها مردود سلبي اقتصاديا، واكثر من ذلك، لا يمكن تلبيتها دفعة واحدة، فعلى الرغم من الإرتفاع الملحوظ لإيرادات الخزينة، بقيت اقل مما كان يمكن تحقيقه بسبب إندلاع الحرب في الجنوب . وعلى وقع إحتجاجات العسكريين المتقاعدين في الشارع الذين تمكنوا من فرط عقد جلسة مجلس الوزراء إحتجاجا على تدني رواتبهم وعدم تضمن الجلسة أي بند يتعلق بمطالبهم لا سيما بند تصحيح الأجور.
ماذا يقول عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، ابراهيم نحّال لجريدة « الشرق» عن مشروع موازنة العام 2025؟
نحّال إعتبرأن موازنة العام 2025 هي موازنة فاقدة للحس الإنساني والأخلاقي ومخالفة للدستور فهي بلا خطة إصلاحية ولا مالية ولا إقتصادية ولا تربوية ، وخالية من اي مشروع لمعالجة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها لبنان في هذه المرحلة ، كما أنها لم تأخذ بعين الإعتبار أي اعتمادات محددة للرواتب والأجور، والمعاشات التقاعدية للمدنيين والعسكريين، ولم تلحظ تصحيحا للرواتب والأجور. وأضاف نحّال، أن موازنة 2025 ستحرمنا رغيف الخبز، حيث من االمتوقع أن يتم رفع الدعم عن الخبز هذا الأسبوع لتصبح سعر ربطة الخبز حوالى 100 الف ليرة تقريبا، وستحرمنا الإنتساب للمدرسة الرسمية وتتركنا عرضة لمافيات الإحتكار وللكارتلات على تنوعها « كارتل المحروقات والمولدات والمستشفيات الخاصة وكذلك الجامعات الخاصة». وأكد أنه ليس امامنا خيارات، فمشروع الموازنة وضعنا وجها لوجه مع الطبقة السياسية من اجل الحفاظ على كرامتنا وحق أولادنا وعائلاتنا بالعيش الكريم ، متخوفا من عودة مشاهد «التسول» امام الأفران والصيدليات ومحطات البنزين. وتأكيدا على ان هذه الموازنة ستوصلنا مجددا الى هذه الحال، أشار نحال، الى بعض النماذج التي تحضره لنا وزارة المالية في مشروع الموازنة، فهي تبشرنا بزيادة الإيرادات الضريبية 1,13 مليار دولار أي بزيادة 33% عن موازنة 2024، و800% عن موازنة 2022 والتي سنسددها من جيوبنا وجيوب اللبنانيين ، كما تبشرنا بعدم زيادة الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية أي زيادة صفر عليها مع خطر إيقاف الحوافز والعطاءات والبدلات لجميع القطاعات.
وأوضح نحال، أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب من مجلس الخدمة المدنية إعداد مشروع متكامل لتصحيح رواتب القطاع العام، وبتاريخ الخامس من شهر آب الفائت رفع مجلس الخدمة المدنية نص مسودة مشروع يرمي الى «تصحيح الرواتب والتعديلات الشهرية والأجور للعاملين في القطاع العام وتعديل بعض أحكام نظام الموظفين ونظام التقاعد وتعوبض الصرف من الخدمة» وبوشر النقاش في المشروع عبر إجتماعات متتالية معلن عنها رسميا، لكن الدولة تفاجئنا في كل موازنة ، وعرضت افكاراً فيها لتحسين الرواتب والأجور من بينها خيار يقضي بإعطاء شهرين إضافيين بدءا من تشرين الأول 2024 وشهر او شهرين إضافيين مع بداية عام 2025، ودمج كل العطاءات «أي الفتات» ووضعها في صلب الراتب مؤكدا أن هذا البند لن يمرّ معتبرا أنه لا يوجد أهم من تصحيح الأجور لافتا الى ان الدولة لا تزال تماطل وتضيع الوقت منذ العام 2019 رغم الرفض الكبير لطريقة معالجتها لتصحيح الرواتب . وتابع نحّال، لقد سبق ان علقنا تحركاتنا الميدانية خلال الفترة السابقة احساسا وشعورا منا بالأوضاع، لكنه أكد ضرورة التحرك لإنقاذ القطاع العام بإنقاذ الرواتب وإفشال المخططات الهادفة الى خصخصته أو بيعه، وعدم تحويل الموظف الى «مياوم». ودعا نحال السلطة السياسية الى إصلاح حقيقي للقطاع العام خصوصا بعدما تجاوز الشغور في ملاكاته 70% ولولا الحوافز والإغراءات لترك 95% منهم الوظيفة العامة، وبعد ان قررت الحكومة تخصيص جلسات لمناقشة بنودها ولإقرارها ووضعها امام المجلس النيابي الذي سيبقى عاجزا عن زيادة قرش واحد على ارقامها وفق القوانين والدستور، نؤكد على أحقية مطالبنا ،بتصحيح حقيقي للرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية للمدنيين والعسكريين، وملء المراكز الشاغرة في الملاك العام عن طريق مباراة في مجلس الخدمة المدنية.
وختم نحّال قائلاً: على الحكومة أن تجد الحلول المناسبة لتحسين وضع القطاع العام ككل، وذلك بإقرار سريع دون مماطلة لمشروع قانون تعديل الرواتب وإحالته الى مجلس النواب، والإسراع في تصحيحها، هذه الرواتب التي كادت ان تفجّر الوضع بين الموظفين العاملين والمتقاعدين نسبة الى الفوارق التي ستحدثها بينهما.